لبنان يلين اليوم… لكنه لا ينكسر ولا يُهزم
} د. فؤاد زمكحل*
«رسالتي اليوم هي من القلب، من قلب كلّ أب، لا يعرف إذا كان في مقدوره توفير العيش الكريم لعائلته، ومن قلب كلّ أمّ يحترق، ولا تنام الليالي لأنها قلقة ومضطربة على مستقبل أبنائها في لبنان كما في الخارج في قارات العالم الخمس.
رسالتي هي من قلب كلّ مريض ليس متأكداً أنه سيكون لديه مستشفيات، تستطيع إستقباله في حال إحتاج إلى دخولها، أو ليس متأكداً أن يجد أدوية تستطيع شفاءه أو أن تُخفف من آلامه وأوجاعه.
رسالتي اليوم هي من قلب كلّ تلميذ في المدرسة أو في الجامعة، ليس متأكداً إذا كان في مقدوره أن يعود إلى مدرسته أو جامعته، كي يستطيع أن يُوفر متطلباتها، ويُتابع سنته الدراسية كاملة والتخرّج بشهادته.
رسالتي اليوم هي من قلب كلّ ريادي آمن بهذا البلد، وبأفكاره وبمواهبه، ثم استثمر كلّ ما تعلّمه في بلده، وليس متأكداً أنّ أفكاره تستطيع أن تنجح، في ظلّ هذا الجو التشاؤمي أو أن تُحقق الأهداف المرجوة في وطنه الأمّ.
رسالتي اليوم هي من قلب كلّ رجل أعمال يرى بأمّ العين، كيف ينهار أمامه كلّ ما بناه من الصفر عبر سنين طويلة من التضحيات والإنجازات في كلّ حياته، ولا يستطيع أن يقوم بأيّ شيء من أجل الإنقاذ والصمود.
رسالتي اليوم هي من قلب كلّ موظف، خسر وظيفته، ولم يعد في مقدوره أن يجد وظيفة جديدة لتحمّل أعباء الحياة اليومية.. أو من قلب كلّ موظف لا يزال في وظيفته، وليس متأكداً بأنه سيقبض راتبه في آخر الشهر كاملاً، أو سيتابع سنوات خدمته فيها، أو مَن حافظ على وظيفته، لكن لا يكفيه راتبه في تغطية حاجاته وحاجات عائلته الضرورية والملحة، قبل نهاية الشهر.
رسالتي اليوم من قلب كلّ مغترب آمن ببلده وأرسل اليه كلّ مدّخراته بعد سنين من العذاب والتعب والتضحية في الإغتراب، وقد تمّ هدر وحجز ودائعه من قبل الدولة، والتي هي – لا غير – مسؤولة عن صرف وضياع ما تعب فيه كلّ حياته.
رسالتي اليوم هي لكلّ لبناني في لبنان أو في العالم يتعذب، حيث يرى أنّ كلّ ما آمن به في بلد الأجداد ينهار أمام عينيه، وليس في مقدوره أن يفعل شيئاً.
لكن نحن، نذكّر دائماً، من خلال العودة إلى تاريخنا، بأنّ جلد النفس واليأس، ليس في تاريخنا ولا في قاموسنا، وأُذكّر الجميع بأنّ بلدنا هو بلد الفينيقيين، الذين سافروا إلى كلّ أنحاء العالم بأفكارهم الريادية، وروحهم التجارية ومراكبهم المصنّعة من شجر الأرز التي لا تغرق مهما كانت العواصف عاتية، وكانوا من أوائل الناجحين في بناء الإقتصاد العالمي.
أحب أن أذكّر، أنه في هذا العام 2020 نعيش مئوية قيام لبنان الكبير الذي أُعلن عنه في العام 1920، حيث يبتسم البعض قائلاً: «يا ليتنا لم ننل إستقلالنا في العام 1943». لكن ينبغي التذكير، أنه في ذلك الوقت، كان لدينا رجال دولة، آمنوا بلبنان وبإستقلاله وبحياة شعبه الرغيدة.
كما أحب أن أذكّر، أنّ اللبنانيين حاربوا وواجهوا العثمانيين، ولم يُهزموا، رغم أنهم دفعوا أثماناً كبيرة جرّاء هذه الحروب.
أُحب أن أذكّر بالحرب العالمية الأولى، عندما انتشر الجوع في أنحاء العالم، كما في لبنان أيضاً، كان لبنان من أوائل البلدان الريادية التي قامت من تحت الأنقاض ولن تستسلم.
أُحب أن أُذكّر بالحرب الأهلية في لبنان التي ضربته في 1975 – 1990 والتي صُدّرت إليه ودمّرته، لكنها لم تدمّر الإرادة اللبنانية، وروح المبادرة، وحب العيش والحياة في هذا البلد الفريد، وبقي لبنان المثل الأعلى لكلّ بلدان العالم كما لكلّ اللبنانيين في النجاح وإعادة الإعمار.
أُحب أن أُذكّر وبصوت عال، بأنّ لبنان هو أعظم من بلد إنه رسالة، كما قال قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني.. لبنان هو أرض القديسين، وهي وستبقى أرضاً مقدسة ومباركة، ولا تُهزم ولا تنكسر.
أذكّر أيضاً بأن لبنان هو البلد النموذج الوحيد في العالم الذي يضمّ 18 طائفة، تريد أن تعيش يداً بيد ومعاً وسوياً بكلّ محبة واحترام.
لذا، أدعو وبصوت عال، وأذكَر أننا نفخر بأن بلدنا يضمّ 18 طائفة، وأسمح لنفسي أن أقول أيضاً باسمها كلها: إننا لا نُريد أن نكون 17 ولا 19، بل نفتخر بأن نكون 18 طائفة وسنبقى كذلك الى أبد الآبدين، ومَن يعتقد أن يُلغي الآخر يكون واهماً، لأنّ ذلك لم يحصل في التاريخ، ولن يحصل اليوم.
ومَن برأيه، أنه يستطيع أن يفرض على الآخر طريقة عيشه، يكون واهماً أيضاً، لأنّ ذلك لم يحصل في تاريخ لبنان وليس ممكناً أن يحصل، لأن لو حصل ذلك، يكون كمن يُلغي الشخص الإلغائي نفسه، وفي الوقت عينه لا يُمكنه أن يُلغي الآخرين المختلفين عنه.
نريد أن نخرج من هذه العقلية الإلغائية، بل أريد أن أؤكد أنّ أكثرية اللبنانيين، حتى لا أقول كلّ اللبنانيين، يُريدون أن يعيشوا يداً بيد، وأن يكونوا النموذج حيال حب الحياة، والنجاح الدائم، وأن يعودوا إلى بناء ما دُمّر في بلدنا، يداً بيد بإحترام إختلافاتنا مهما تعدّدت.
صحيح، أننا اليوم كلبنانيين نتعذب، ونعاني، وندرك تماماً أن الأرقام الاقتصادية، باتت باللون الأحمر، ونسمع نواقيس الخطر تدقّ في كلّ المجالات، لكن لا يعني ذلك أنها نهايتنا، وليست نهاية لبنان، بل بالعكس، يُمكن أن تكون بداية في ظلّ إرادتنا الصلبة، وحب الحياة والوطن.
نحن لا نستطيع أن نحب لبنان فقط، حين نعيش فيه أو نزوره في أوقاته الحلوة، أو حين تكون كلّ الأمور الإقتصادية مستقرة ونامية فيه، بل علينا أن نُحبه أيضاً حين يكون بلدنا يمرّ في مرحلة العذاب، أو حين يكون في العناية الفائقة، وأن نكون بجانبه، ونلتقط يده، وأن نتخلى عن فكرة أن نغادر بلدنا أو نهجره في هذه الأوقات الحرجة، في حين أنه بأمسّ الحاجة إلينا.
علينا أن نذكّر بأنّ لبنان يلين اليوم، لكنه لا ينكسر ولا يُهزم، وأننا نتعذب لكن لم ولن نستسلم، كما لم نستسلم في تاريخ حياتنا، ولن نستسلم مستقبلاً.
إني أفتخر بأنني من الشباب اللبناني الذي آمن ببلده، وعاد إليه واستثمر فيه. ولستُ نادماً أبداً، بل بالعكس سنتابع هذا النهج، ونعود قريباً إلى الاستثمار فيه، واستقطاب أهمّ أُصولنا وهم الموارد البشرية، هذه هي الرسالة التي أحببتُ أن أوجّهها إلى الجميع بأن تبقى الإرادة، والإيمان بأنفسنا وببلدنا وبالعيش الواحد المشترك…
وأنهي وأذكّر بشغف وشرف: نحن نفتخر بأنّ قوّتنا الفريدة…، حيث لا أحد يستطيع أن يفرض على الآخر طريقة عيشه، أو يتفرّد برأيه، بل علينا أن نكون معاً ومن خلال احترام خصوصياتنا يداً بيد.. هذه هي قوّتنا وجمالية مشهديتنا الوطنية، وهذا هو لبنان الذي كان منذ تأسيسه أيّ منذ 100 عام، وسيبقى هكذا في المئات السنين المقبلة».
*رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم، والنصّ هو عبارة عن رسالة أمل وتفاؤل من القلب وجّهها د. زمكحل عبر تطبيق «يوتيوب» إلى كلّ اللبنانيين في لبنان والاغتراب…