قالت له
قالت له: يتراجع الحب عندما نفتقد لصناعة الفرح فالإنسان البائس والحزين لا يستطيع أن يمنح حباً ولا يحسن تلقي الحب.
قال لها: أنت تجعلين الحب سلعة أو شيئاً وتنفين عنه صفته الوجودية، فكأنه عندك من لوازم الاستعمال التي تستدعى إلى الليالي الساحرة والساهرة والعامرة وتتجاهلين أن الحب رفيق الدموع كما هو رفيق الابتسامات.
قالت: وما نفع الحب إن لم يجلب الابتسامة؟
قال لها: لو كان شيئاً نقرر أن نتملكه فيجب أن تكون له فائدة، لكن سؤالك كالسؤال عن فائدة العيون إن لم نر بها أجمل المشاهد؟
قالت له: ماذا تراه إذن؟
قال: أراه بعضاً من شروط وجودنا شريكاً يرافق حياتنا وبدونه نفتقد لبعض مهم نخسر إنسانيتنا بخسارته. وهو رفيق الأفراح ورفيق الأحزان ومثال الحب الذي يجب أن نتعلم أن نحياه هو حب الأم وحب الوطن. فالأم لا تحب أولادها لأن هذا الحب يفيدها أو تنتظر منه ابتسامة وصناعة الفرح لأن وجوده وحده يفرحها حتى عندما يكون أبناؤها مجلبة للحزن لها. ومثل هذا الحب حب الوطن الذي يبذل أبناؤه أرواحهم لأجله ويذهبون إلى الشهادة بوعي كامل وشجاعة وحماسة غير آبهين بما سيكون لهم من عائدات هذه الشهادة إلا شعورهم بأن الحب قد بلغ بهم حداً لا يستقيم وجوده معه إلا بهذا الطريق.
قالت: هذا يعني أنك ستبقى تحبني مهما حدث.
قال: هذا يعني أنني وأنك سيبقى الحب في حياتنا شرطاً لوجودنا حتى لو لم نكن معاً.
قالت: إذن أنت تمهد لتغيير؟
قال: ألا تستطيعين أن تنظري لكلماتي إلا من باب الأنا، فعندما أتحدث عن أبدية الحب لا أبدية حب بعينه لا أقصد نحن، وعندما أقول بفرضيات حلول حب مكان حب آخر لا أقصد نحن.
قالت: أنت لا تقصد، لكن في خلفية تفكيرك يحضر الأنا. وهذا هو الفرق بين الرجل والمرأة فهي تستحضر أناها علناً وهو يستبطنها سراً.
قال لها: حسناً، أنا أتهمك بالحديث عن حب يموت ما لم يجلب الفرح بالتمهيد للتخلص من حبنا.
قالت: ولم لا تنظر لكلامي دعوة لاستحضار الفرح كي يحيا الحب؟
قال: أظن أننا غير مختلفين بالرأي بل مختلفان بالمزاج. وأنت في مزاج النكد فنؤجل حديث اليوم للغد.
قالت: ألا تنتبه أن المرأة عندما تشعر بالبؤس تكون محتاجة لنبض عاطفة وحنان واحتواء واحتضان بدلاً من محكمة وموعظة؟
قال لها: لو انتبهت النساء أن الرجال عندما يتحدثون إنما يحدثون أنفسهم ولا ينتظرون إلا الإصغاء ولو انتبه الرجال أن النساء عندما يفتحن مواضيع الخلاف لا يردن نقاشاً، بل عناقاً لما وقعت خلافات بين رجل وامرأة إلا فيما ندر.
قالت: تعال نتبادل معادلة الإصغاء والعناق.
قال: تعانقيني عندما أتحدّث وأصغي عندما تتحدثين؟
قالت: نعم.
قال لها: لو اتبعها الرجال والنساء لما اتفق رجل وامرأة.
وضحكا وتعانقا.