لبنان نحو تفجير داخليّ بديل من هجوم إسرائيليّ!
} د. وفيق إبراهيم
التفجير هنا ليس اقتصادياً، لأن لبنان في قلب انهيار اقتصاديّ دمرّ الطبقات رافعاً بشكل قياسي من معدلات الشرائح الاجتماعيّة القابعة تحت خط الفقر إلى حدود مرعبة.
لكن هذا الانهيار لم يصل بعد حدود الصدامات الأهليّة، للعديد من الأسباب وأهمها، ابتعاد القوى السياسية المتحكّمة بالشارع عن الدفع نحو صدامات شعبية قابلة لتفجير فعلي للبنان على مستوى الطوائف والمناطق.
ما يبدو الآن هو تسلّل قرار من مكان دولي وإقليمي يدفع لبنان نحو احترابات أهليّة، لأن آليات الضغط المستعملة لضبط لبنان ضمن النفوذ الأميركي – الخليجي لم تنجح حتى الآن.
الأمر الذي يتطلّب رفعاً لعيارات الضغط الداخلي حتى تحقيق الأهداف الأميركية في لبنان.
للتوضيح فإن المشروع الأميركي بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989.
لكنه اصطدم بمقاومة منظمة طالبان في أفغانستان التي لا تزال تهاجم القوات الأميركيّة المحتلة لبلادها منذ 2001، وحالت دون استقرارها.
هناك أيضاً إيران التي تسببت باختراقات كبيرة في معاقل النفوذ الأميركي سواء بدعم طالبان نفسها أم بدعم كبير وواسع لأنصار الله في اليمن أفشل المخطط الأميركي بالسيطرة عليه من خلال هجوم سعودي – إماراتي مدعوم أوروبياً ومصرياً وإسرائيلياً لا يزال متواصلاً منذ خمس سنوات.
هذا فضلاً عن الدعم الإيراني للحشد الشعبي في العراق المانع لاستحواذ أميركي بالكامل على بلاد الرافدين.
كما أدى الدعم الإيراني لسورية إلى إفشال المخطط الأميركي بالإمساك بها وتفتيتها وانهاء القضية الفلسطينية.
هنا مارس حزب الله دوراً قوياً إلى جانب الجيش العربي السوري وتحالفاته في التصدي للإرهاب في المدى السوري واللبناني بانياً وضعية قوية له في لبنان.
بذلك صعد النفوذ الإيراني في الإقليم ممهّداً الطريق لعودة اللاعبين الدوليين الصيني والروسي إلى حلبة الصراع على القطبية الدولية.
فكان تراجع أميركي واضح، يحاول البيت الأبيض مجابهته بتشديد الهجمات الجوية على المدنيين في اليمن لمزيد من خنق إيران بالحصار، واذكاء الفتن في العراق.
أما لبنان فيستهدفونه بكل قواهم الاقتصادية بذريعة القضاء على حزب الله فيه، مانعين عنه إمكانية استيراد المشتقات النفطية وفارضين حظراً على التحويلات المصرفية وإمكانية نيله لقروض من الصناديق الدولية والخليج وأوروبا، ومانعين أي استعمال لحدوده مع سورية نحو العراق، إنه إذاً الخنق الكامل لغرض الاستسلام، وإعادة لبنان إلى النفوذ الغربي بالكامل. وهذا غير ممكن إلا بإلغاء الأدوار الداخلية والخارجية لحزب الله. وهذا ليس مع حزب هزم «إسرائيل» مرتين في 2000 و2006 مشاركاً في القضاء على الإرهاب في ميادين سورية وجبال لبنان الشرقية.
إلى جانب أن تحالفه السياسي مع التيار الوطني الحر منذ 2006، أشاع استقراراً سياسياً لبنانياً كبيراً لم تهزه إلا هذه التدابير الأميركية الحالية.
هناك نتائج لهذا الحصار على لبنان باغتت الأميركيين، وتدفعهم إلى البحث عن وسائل أكثر فاعلية.
فإذا كانت تدابيرهم نجحت في نشر جوع وتدهور اقتصادي كبير وتوسيع إطار الطبقات القابعة تحت خط الفقر، إلا أنها لم تحقق ما تريده من أهداف، وهي افقار حزب الله والتأسيس لتناقضات بينه وبين بقية اللبنانيين.
يصادف هنا أن حزب الله ليس جزءاً من النظام المصرفي اللبناني، وتصله أموال من الخارج بالدولار من خلال وسائل لا تتأثر بأساليب المقاطعات الأميركية.
هذه الطريقة استفاد منها الحزب بدعم بيئته على مستويين اثنين: الأول دعم العائلات والقرى المنتمية إليه بشكل مباشر، والثاني هو إسناد مقبول لمجمل البيئة التي يتحرك فيها ومنها.
بذلك نجح الحزب في سد الإفقار الاقتصادي الذي تسببت به قرارات الحصار الأميركي إلى حدود مقبولة، فيما أدت هذه القرارات إلى تدمير الأمان الاجتماعيّ في الشمال البقاع الغربي وبعض أحياء بيروت وجبل لبنان.
عند هذا الحد، شعر الأميركيون بالأثر المحدود لعمليتهم اللبنانية الهادفة إلى خنق حزب الله.
فابتدأوا بالجزء الثاني من الخطة، ويتعلق بإثارة التباينات المذهبية والطائفية، مستحضرين تبادل شتائم للخليفة أبي بكر والأئمة والقديسين وكبار السياسيين، لكنها لم تنتج المطلوب أميركياً على الرغم من الصخب الإعلامي الذي ساد البلاد ليومين متتاليين.
فمن يتصور أن محطة تلفزيونية تنتحل صفة الوطنية، تغطي ومعها نائبة من صديقات السفير الأميركي السابق والعقيد الليبي معمر القذافي، هدم بلدية الغبيري «الشيعية» لبناء مخالف وحديث في منطقة الأوزاعي، أشادته سيدة كانت تصرخ بأعلى صوتها بأن اسمها عائشة وهي من عرب المسلخ، وتقول إن بلدية الغبيري تسمح بآلاف المخالفات ولا تمنع إلا «عائشة» من عرب المسلخ وسط دعوة النائبة إلى مهاجمة البلدية!!
للتوضيح فإن المنطقة التي خالفت فيها عائشة تضم آلاف المنازل المخالفة وإنما منذ خمسين عاماً وأكثر.
ومنذ ذلك الوقت توقفت المخالفات.
أليس هذا من أساليب الحض على الفتن المذهبية؟
الأميركيون إذاً في لبنان بين خيارين: إما أن يسمحوا للدولة باستيراد وتصدير بعض المشتقات والسلع ونيل قروض محدودة من الصناديق الدولية والخليج، وإما أنهم ذاهبون إلى تصعيد خنقهم للبنان بالدفع عن تفجيرات مذهبية بين السنة والشيعة من جهة وبين التيار الوطني الحر والقوات والكتائب من جهة أخرى، مع احتمال تبنّيهم لصدامات شيعية – درزية.
فأي خيار يذهب إليه الأميركيون؟
كلام السيد سعد الحريري الذي أكد فيه أنه بريء من هذا الانهيار الاقتصادي، مضيفاً بأن حزب الله بريء أيضاً، ينتشي بأن لديه معلومات عن تسويات إقليمية تنعكس على لبنان.
لكن آراء أخرى تعتبر أن البناء على كلام السعد هرطقة سياسية، لأن الأميركيين ينسجون قراراً للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان يدفع نحو صدامات داخليّة بدءاً من النصف الأول من آب المقبل.
ويعتبر هؤلاء أنه لا يمكن الأميركيين إلغاء حصارهم على لبنان قبل قرارهم في سورية وتقاسم مريح لهم في العراق، وتقسيم اليمن وفرض الطاعة على إيران.
فهل يمنع اللبنانيون مشروع التفجير الأميركي بين طوائفهم؟
هذه مسؤولية كبيرة لحزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل وحكومة حسان دياب للعمل معاً في سبيل امتصاص الفتنة وتدميرها.