في الذكرى الرابعة عشرة قراءة في عدوان تموز 2006 (1)
رامز مصطفى*
أولاً خلفية العدوان وممهّداته
«لم يكن ثمة انتصار، لكننا لم نخسر بأي حال من الأحوال. حتى لو لم ننتصر، إلا أننا لم نخسر»، خلاصة مداخلة عمير بيريتس وزير دفاع كيان الاحتلال الصهيوني، حول نتائج الحرب العدوانيّة التي شنتها حكومة يهود أولمرت على لبنان العام 2006. هذه الخلاصة على ما جاء فيها من تناقض ومحاولة مكشوفة للتعمية على الحقيقة المرة التي لم يجرؤ أيّ من قيادات العدو التفوّه بها، لاعتبارات شتى، ليس أقلها التأكيد على مقولة كان أطلقها أحد عُتاة الحركة الصهيونية، ومؤسس كيانها الغاصب ديفيد بن غوريون في قوله: «إنّ إسرائيل تسقط بعد أول هزيمة تتلقاها».
الكيان الصهيوني وجرياً على عادته، وقطعاً في الطريق على أية منجزات أو انتصارات تحققها المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان، يعمد قادته على إعادة صياغة الخطط العسكرية في ضوء ما يتمّ استخلاصه من ملاحظات وثغرات، بالاعتماد على الجهد الاستخباري وما يتوصل إليه من معلومات حول قدرات وإمكانيات الخصم. ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها العدو، فقد أثبتت جميع الحروب التي شنّها بعد العام 2000 سواء على المقاومة في لبنان أو فلسطين، أنه عاجز تماماً عن تحقيق أيّ من أهدافه السياسية والعسكرية والأمنية، سوى ما يحققه في نشر للدمار والخراب وارتكاب المجازر.
ويتضح من سياق ومجريات عدوان تموز، أن خلفياته تجاوزت ما يُطلق عليه بالضربات الثأرية، إذا جاز التعبير. بمعنى أن العدوان لم يكن ثأراً للهزيمة المدوية التي لحقت بجيش الاحتلال في جنوب لبنان، ودفعته إلى الانسحاب مجبراً من دون قيد أو شرط. بل إنّ هذه الخلفيّات تتصل بما هو أبعد من حدود استعادة قوة الردع العسكرية الصهيونية وهيبتها، بعد أن بدأت في التآكل منذ العام 2000. إلى خلفيات تتصل بالواقعين الدولي والإقليمي، وما تسعى إليه الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين ودول عربية رجعية، من محاولاتهم فرض مشروع يهدف إلى إعادة رسم المنطقة على أسس وقواعد تمكنهم من الإمساك بدولها. وهذا ما اعترفت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس أثناء تواجدها في لبنان خلال العدوان، حين صرّحت: «أنّ ما يشهده لبنان هو مخاض لشرق أوسط جديد». وتنفيذ هذا المشروع وحسب المقرّر لدى الإدارة الأميركية وحلفائها آنذاك، أن يصل ليطال المقاومة الفلسطينية وكل من سورية وإيران، فيما لو نجح العدو الصهيوني من إلحاق الهزيمة بحزب الله والمقاومة في لبنان. بمعنى أن هذا المشروع يستهدف قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، بهدف إخضاع دولها بعد تقسيمها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية.
مقدّمات هذه المشروع كان القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2004، بما يتضمنه من استهداف واضح ومباشر للمقاومة وسلاحها، وانسحاب بقية القوات الأجنبية من لبنان. وبما يُسهل وصول الجيش اللبناني إلى مناطق الجنوب، في خطوة أراد من خلالها أصحاب القرار التعويض على كيان العدو الصهيوني، بخسارتهم جيش العميل لحد، أن يحوّلوا الجيش اللبناني صاحب العقيدة الوطنية، إلى شرطي وحرس حدود.
وجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، نفذت في سياق الدفع بالقرار 1559 إلى التطبيق من أجل والتعجيل في تتفيذه، أولاً من خلال فرض تنفيذ انسحاب القوات العربية السورية من لبنان، عبر حملة شعوبية منظمة في اتهام سورية بأنها هي وحلفاؤها يقفون خلف جريمة الاغتيال، وما تلاها من عمليات اغتيال. وثانياً، العمل المكثف والمنظم على شيطنة حزب الله وتشويه صورته وسمعته، وهذا ما اعترف به السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان: «لقد أنفقنا أكثر من 500 مليون دولار منذ العام 2006 من أجل تشويه حزب الله والحدّ من صورته الإيجابية لدى الشباب اللبناني». وعندما أدركت الإدارة الأميركية وحلفاؤها أن لا أحد لديه المقدرة على تنفيذ القرار، قررت دفع الكيان الصهيوني التحرك من خلال شن عدوان على لبنان ومقاومته، حيث وجدت حكومة أيهود أولمرت آنذاك في العملية البطولية التي نفذتها المقاومة وتمكنها من أسر عدد من الجنود الصهاينة في الجنوب اللبناني، ضالتها المنشودة وذريعتها النموذجية حسب اعتقادها، بهدف إطلاق حرب مدمّرة، أثبتت الوقائع وبعد أيام أنّ الحرب كان مُعداً ومخططاً لها منذ انسحاب جيش الاحتلال مرغماً من جنوب لبنان في 25 أيار العام 2000.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب فلسطينيّ.