الوطن

انتصار تموز بعيون 2020

 د. ميادة إبراهيم رزوق

لأول مرة في تاريخ حروب كيان العدو الصهيوني على الدول العربية، شُنّت حرب تموز بقرار أميركي، وحدّدت لها أهداف خفية، وهي احتلال سورية بسبب موقفها الثابت في دعم المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان، وجاءت إطالة أمد الحرب على لبنان في تموز من أجل تحقيق الهدف الأميركي الذي لم يكن من المُمكن تحقيقه من خلال غزو أميركي لسورية، ليصطدم بانتصار مدوّ للمقاومة اللبنانية زلزل المجتمع الصهيوني.

بقراءة عاجلة لتفاصيل هذا العدوان الصهيوأميركي، وأهمّ أسبابه المباشرة وبدعم ومساندة أنظمة الرجعية العربيةـ للتخلص من المقاومة اللبنانية، وإسقاط نظرية السيد حسن نصرالله في خطاب النصر من بنت جبيل في 25/5/2000 «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، حيث لا تزال تداعيات هذا الخطاب وتأثيره قائمة عميقاً في الوعي الجمعي للكيان الصهيوني من أصغر مستوطن إلى أعلى مسؤول سياسي وأمني.

ـ والتأكيد أنّ (إسرائيل) «جدار وبيت من فولاذ» على حدّ قول رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتيناهو.

وكان الهدف الأساسي من معركة بنت جبيل في عدوان تموز 2006 خطاب النصر الذي أُعدَّ لرئيس الأركان في حينه دان حالوتس وسمّي خطاببيت الفولاذ، حيث كان مخططاً أن يكون رداً على خطاببيت العنكبوتوأن يطلق من المدينة نفسها بعد احتلالها، ومن المكان نفسه الذي ألقى فيه السيد حسن نصرالله خطابه الشهير، لكن الانكسار العسكري كرّس نظريةبيت العنكبوت، وأضاف إليها إسقاط أسطورةالميركافا، حيث خرجت من وادي الحجير اللبناني أولى علامات الهزيمة التي مُنيت بها جحافل الجيش الصهيوني قبل 14 عاماً، الوادي الذي حوله رجال الله إلى واد لدموع الإسرائيليات اللواتي بكين على أبنائهن الذين تاهوا وهم على متن دباباتهم وآلياتهم المحصنة، بعد أن تحوّلتالميركافاإلى تابوت حديدي تفوح منه رائحة الموت والخيبة.

وقد تحدث الأمين العام لحزب الله مراراً وتكراراً عن دور سورية وإلى جانبها إيران في دعم المقاومة في لبنان لتحقيق انتصارات متلاحقة ومنها انتصار تموز، ودون الدخول بتفاصيل ذلك في هذا المقال، لكن لا يمكن أن نغفل بأنّ القائد الراحل حافظ الأسد هو من أسّس لهذا التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإقامة علاقات استراتيجية معها بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

وبالعودة إلى نتائج ووقائع الانتصار المزلزل في حرب تموز 2006، والمعادلات التي كرّسها لتغيير موازين الردع، بدءاً منمعادلة ولى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات، وانتفاء اعتماد الكيان الصهيوني على حرب خاطفة وسريعة ينتصر فيها ويحقق أهدافه، إلى تقرير فينوغراد الإسرائيلي الذي أقرّ بانتهاء زمن الحروب المباشرة، ووجوب تدعيم قوة الردع العسكرية، واللجوء إلى الحرب الناعمة والذكيةحرب الإعلام وشذاذ الآفاق، ووفق ذات النظرية التي أطلقتها كوندليزا رايس لتحقيق مشروعالشرق الأوسط الجديد، (الفوضى الخلاقة ـ (Creative chaos، ولكن بطريقة مغايرة ترجمت بما سمّي بـ (الربيع العربي) لتفتيت وتقسيم وتجزئة المنطقة إلى كانتونات عرقية واثنية وطائفية يتسيّدها الكيان الصهيوني، لتسقط نظرية الاحتلال والقدرة العسكرية وتُستبدل بمقايضة قدرة الردع العسكرية بدور قيادي اقتصادي أمني للكيان الصهيوني.

بعد فشل الحروب السياسية والعسكرية الصهيوأميركية المباشرة وغير المباشرة بأدواتهم ووكلائهمالعصابات الإرهابية التكفيرية بمختلف مسمّياتهاوالنظام التركي والأنظمة الرجعية العربية، لجأت الولايات المتحدة الأميركية وقبل خروجها بشكل كامل من منطقة غرب آسيا الذي يعني بمضمونه الحقيقي تهديد أمن ووجود الكيان الصهيونيإلى سياسة العقوبات والحصار والحرب المالية والاقتصادية وتشديد الخناق على دول محور المقاومة وحلفائه المناهضين للسياسة والهيمنة الأميركية، لتفجير ساحات هذه الدول من الداخل نحو الفتنة والاقتتال وخسارة الحاضنة الشعبية لقادة وبيئة المقاومة، أو المقايضة بإيقاف الحصار والعقوبات والخروج الأميركي من المنطقة بما يضمن أمن الكيان الصهيوني، وهذا الذي لم ولن تخضع له دول محور المقاومة بعد تنامي وتكامل قدراتها واستكمال ترسانتها العسكرية وتفوّقها التكنولوجي كمقومات انتصار في أيّ حرب قادمة عنوانها زوال الكيان الصهيوني.

وهي تفاصيل شهدناها من مؤشرات داخل الكيان الصهيوني الغارق في أزماته الداخلية السياسية والاقتصادية، إلى الإنجازات المتلاحقة التي حققها محور المقاومة وغيّرت معادلات توازن الردع بدءاً من إسقاط الطائرة المسيرّةغلوبال هوكدرة الصناعة العسكرية الأميركية، إلى ضربةعين الأسدالتي ابتلع فيها الأميركي لسانه، وصولاً لإنجازات الجيش اليمني الوطني واللجان الشعبية بضربةأرامكوواستهداف المنشآت النفطية والاقتصادية السعودية، إلى عملية توازن الردع الرابعة المستمرة باستهداف عمق وأطراف الكيان السعودي بمواقع ومقرات عسكرية وسيادية موجعة وأكثر تحصيناً، إلى عمليات المقاومة اللبنانية النوعية بعمليةافيفيمفي مدينة صلحة الفلسطينية المحتلة عام 1948، وعملية اختراق الأسلاك الشائكة على الحدود مع فلسطين المحتلة بعيداً عن أعين كاميرات المراقبة الإسرائيلية، والتهديدات التي يعرف الكيان الصهيوني مدى صدقيتها باستهداف منصات التنقيب والحفر البحريةالإسرائيليةإنْ نصبت في مجالات تسلب لبنان ثرواته النفطية والغازية، إلى إسقاط قوات الجيش السوري الطائرة الإسرائيلية F16 التي اخترقت الأجواء السورية، إلى الاتفاقية العسكرية الأمنية الإيرانية السورية 8/7/2020 التي ترنو إلى تطوير منظومة الدفاع الجوي لدى الجيش السوري، والتي تزوّده بمنظومة الدفاع الجوي خرداد 3 و باور 373 التي توازي أو تتخطى قوة منظومة S300 الروسية، أو منظومة باتريوت الأميركية، وبما يقوّض التفوق الجوي الغربي الإسرائيلي في أيّ حرب مرتقبة.

مع انتقال دول محور المقاومة إلى بداية إجراءات الاكتفاء الذاتي الزراعي والصناعي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومشاريع التكامل الاقتصادي في ما بينها، وتبادل البضائع والمواد النفطية وغيرها بالعملات المحلية، لتتقاطع مع العمل على إنجاز وتفعيل كلّ من مشروع خط تشابهار الإيراني الذي يربط أوراسيا بآسيا الوسطى، والاتفاقية الإيرانية الصينية التي هي قيد المناقشة، مع مشروع الحزام والطريق الصيني… لتشكيل وفق كلّ ما سبق لمنظومة تؤسس لتحالف إقليمي يدق إسفيناً في نعش هيمنة الدولار، وبالتالي أفول هيمنة الإمبراطورية الأميركية، وبما يشكل تهديداً حقيقياً وأمراً واقعاً يستهدف وجود الكيان الصهيوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى