هل يتمدّد اتفاق بسري ليشمل قضايا الناس أم ننتظر 7 آب وما بعده…؟
} علي بدر الدين
نحاول ان نقنع أنفسنا واللبنانيين انّ الفرج آتٍ، وأنّ المقبل من الأيام سيكون أفضل من الماضي وما نحن فيه، وما على الجميع سوى الصبر وانتظار الأمل والدعاء لعلّ وعسى يخرج مارد الحلّ السحري من قمقمه وينقذنا من أمواج الطبقة السياسية التي تتقاذفنا وتسعى لإغراقنا وتتفرّج علينا ونحن نستغيث ونستجدي المساعدة والدعم من القريب والبعيد ومن الذين أغرقونا في بحر مصالحهم وفسادهم وتحاصصهم ومن الأصدقاء والحرصاء والغيارى كما يدعون لإنقاذنا… لكن لا حياة لمن تنادي ولا من ناصر ينصرنا ولا من معين أو مغيث يمدّ لهذا الشعب المظلوم حبل الإنقاذ وطوق النجاة، وقد ابتلع بحر الطبقة السياسية الهائج وحيتانها أمواله وكرامته وحقوقه، وها هي تستكمل مشروعها الشرير بابتلاع جسده وخنقه لكتم صوته الذي يرفعه مطالباً باسترجاع حقوقه المصادرة والمسلوبة ولإنقاذ نفسه ووطنه ودولته ومؤسّساتها الذين تحوّلوا الى متسوّلين مذلولين على أبواب الدول والسفارات والصناديق من دون جدوى.
انّ الانحدار المتسارع الذي يرسم المشهد السياسي والاقتصادي والمالي والمعيشي والكوروني ينذر بكارثة حقيقية وتداعياتها ستكون حتماً في منتهى الخطورة ولن ينجو منها أحد حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم في مأمن ولن يتشظوا لأنهم هم من صنع الشرّ وهم لصوص الهيكل، ولأنهم لم يتعظوا ويقرأوا، انّ طابخ السمّ آكله، وانّ من حفر حفرة لشعبه وقع فيها، وانّ مفعول تخدير الناس سيأتي اليوم الذي ينتهي فيه وسينتفضون على خنّاقيهم وجلاديهم مهما بلغ حدّ الارتهان والتبعية والتدجين، والعبرة لا تزال ماثلة في أهل الكهف الذين ناموا واستفاقوا بعد مئات السنين. كما انّ نماذج العشرات من الحكام والملوك والامبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس وكل الدكتاتوريات التي عاثت فساداً وظلماً واستبداداً وحكمت شعوبها بالسوط والقوة والقمع والإذلال انهارت واختفت عن وجه الأرض وبعضها قتل والبعض الآخر سحل والبعض الثالث أسقطته ثورة الناس، والأمثلة كثيرة لا تعدّ ولا تحصى.
وقد يقول قائل إنّ لبنان بتركيبته الطائفية والمذهبية وارتباطات مكوّناته بالخارج الإقليمي والدولي وحتى العربي من الصعب ان تحدث فيه ثورة فعلية تطيح بالمتحكمين به وبمقدراته وشعبه، والتسويق له منذ أمد لإقناع الشعب اللبناني بأنه مهما رفع من صوته واحتجاجاته ومطالبه و»هوْبر» في الشارع ورفع من شعارات وعناوين ستبقى في إطار السقف المسموح به ولن تؤدّي إلى أيّ مكان أو هدف، لأنّ أصحاب هذا القول الانهزامي والمصلحي والوصولي لا يدركون انّ الجوع والفقر والمرض والقهر والذلّ وهدر الكرامات ليس له انتماء طائفي أو مذهبي أو سياسي او مناطقي والأمثلة كثيرة، وانه عندما يكتمل الوعي ويجوع الناس ويغضبون فإنهم يتحوّلون الى تيار جارف ضدّ من يسلبهم لقمة عيشهم وحليب أطفالهم وحقهم بحياة كريمة ولو بالحدّ الأدنى، ولم يعد يعنيهم ماضيهم الأسود ولا القيود، وكما يقول المثل الشعبي «بحبك يا اسوارتي بس قد زندي لأ».
انّ رهان الطبقة السياسية وأزلامها والمستفيدين منها الذين فتحت لهم مزاريب الهدر والنهب والفساد فاشل وساقط ولن يعمر طويلاً. وقد بدأت خيوط النهوض الشعبي تتمدّد وتفصح عن تباشير الاستفاقة ولو متأخرة وبطيئة، لأنه كلما أمعنت الطبقة السياسية في مواصلة نهجها الإفسادي التحاصصي والمصلحي وتبادل الخدمات بين بعضها البعض على حساب مصلحة الناس والوطن فإنها تعجّل من سقوطها المدوّي ومن توفير شحنات الصدمة الإيجاببة المطلوبة للتعبئة الجماهيرية.
وآخر المآثر التي أثلجت صدور اللبنانيين وفتحت أمامهم باب الأمل من جديد هي الاتفاق الرباعي على مشروع سدّ بسري، والذي ذكرنا بالتحالف الرباعي، وهذا يؤشر الى انّ الاتفاق بين المختلفين ممكن جداً وخاصة إذا تقاطعت المصالح، وما المانع ان يتفقوا على إنقاذ البلاد والعباد وتتقاطع مصالحهم مع المصلحة العامة أقله في إخراجهم من أزماتهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية وهذه من مسؤولياتهم أولاً وأخيراً. ولا مانع من استمرار تضارب مصالحهم على مفاصل سياسية محلية واستراتيجية.
هل ينسحب الاتفاق على مشروع سدّ بسري على قضايا تعني الشعب مباشرة في حياته ويومياته ومنها تقويض أسس الفساد وكشف الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة والمهرّبة وإنهاء كذبة السوق السوداء للدولار والمازوت والسلع المدعومة التي تبخرت كغيرها من السوق، وكبح جماح حيتان المال والتجار ومكافحة الغلاء.
أعتقد كما الشعب برمّته أنها تستحق الاتفاق والتعاون بين هذه القوى التي تمثل أكثرية هذا الشعب حزبياً وطائفياً ومذهبياً ومناطقياً، وأكثر أهمية من مشروع إقامة سدّ بسري الذي لا يزال وفائدته موضع خلاف وانقسام بين القوى السياسية والمجتمع المدني. وقد تذهب كلفته التي ليس وقتها الآن هباء وقد تكون النتيجة صفراً كما حصل مع بعض السدود الأخرى في مناطق لبنانية عدة…
هل نشهد اتفاقاً وصحوة تؤسّس لمرحلة جديدة من التفاؤل؟ أم انّ على اللبنانيين انتظار ٧ آب ليُبنى على الشيء مقتضاه؟