سلطان بلا عرش
أحمد طيّ
تتحدّث إليه، فيردّ عليك بتلك اللكنة التي تدلّ على «مدينيته»، أي أنّه ليس من أيّ ريف حيث تختلف اللهجات. كما تدلّ لكنته على تهذيب وكياسة ظاهرَيْن. أمّا ثيابه ـ التي لا تتبدّل إلا قليلاً ـ فتشي بأنّ هذا الفتى «مقطوعٌ من شجرة».
إنه «سلطان»، الفتى الذي لم يكمل الـ18 من عمره بعد، والذي يعمل في أحد المقاهي المتواضعة في منطقة الأوزاعي الشعبية. يحفظ عن ظهر قلب «ذوق» كلّ زبون، حتّى أصبح اسم «سلطان» على كلّ لسان.
لكن «سلطان» هذا من دون كنية، أو باللبناني: «من دون عيلة». اسمه سلطان فقط، وإذا كان يعرف أمّه المريضة جدّاً ويزورها أحياناً في مخيّم صبرا، إلا أنّ أباه يتنكّر له، ولا يريد أن يعترف بـ«ابن الخطيئة»!
سلطان اليوم موقوف، لا لأنّه ارتكب جرماً ما، ولا لأنه «حرامي»، وهو ليس نشّالاً ولا نصّاباً، ولم ينحرف ولم ينجرف وراء المخدّرات. سلطان لا يحمل سلاحاً ولا حتّى «شبرية». سلطان موقوف اليوم لأنّه ارتكب حماقة، خرج من دائرته الصغرى المتمثلة بالمقهى الصغير وما حوله، وأوقف على أحد الحواجز لأنّه لا يحمل أوراقاً ثبوتية.
سلطان لم يُغسَل دماغه من قبل أيّ تنظيم متطرّف. أصلاً هو لا يعرف طائفته ولا مذهبه، سلطان لا يأبه بالسياسة لكنّه يحب السيد حسن، ويحبّ عمله وزبائنه الذين يعاملونه كابن الحيّ. لدى سلطان أصدقاء لكنه بلا هوية!
سلطان اليوم موقوف، الأمن العام لم يجد ما يدعو إلى حبسه. جلّ ما في الأمر أنّ سلطان بحاجة إلى مَن يسوّي وضعه، إلى من يصرّح بأنه ابن فلان من العائلة الفلانية، لكن ذلك «الفلان ابن العائلة الفلانية» لا يكترث به ويرفضه وينبذه ولا يريده.
سلطان اليوم محروم من أيّ حقوق. طبعاً هو لم يتعلّم ولم يعرف أي مدرسة. وهو محروم من الزواج ومن اقتناء بيت أو سيارة. سلطان محروم من أيّ أمر يتوخّى أوراقاً ثبوتية. ربما يشترك مع كثيرين في حرمانه من هذه الحقوق. لكن ما «ينفرد به سلطان، أنّه محروم من حق التنقل، من حق التنزّه بعيداً عن حيّه!
أذكر جيّداً كيف كان سلطان يقول لكل من أحبّه: «أنت أبي، أنت أخي»! لكن «أخوة» سلطان من زبائنه وأبناء الحيّ حيث يقطن يعجزون عن مساعدته اليوم. فتصريحاتهم تُعتبر وجدانية لا رسمية.
دولتنا الكريمة، سلطان ليس بحاجة إلى اهتمام، سلطان بحاجة إلى بطاقة تعريف… إلى ورقة!