العصابات الصهيونية تلعب بالنار…
جمال العفلق
لن تكون المرة الأخيرة التي تقوم فيها «إسرائيل» بعمليات البلطجة والاستفزاز والخرق في المنطقة، فهي لا تزال تعمل بمفهوم أنها الأقوى والمسيطر وأنها قادرة على تنفيذ جرائمها من دون حساب. ومهما كان السبب وراء عملية القنيطرة، فإنّ «إسرائيل» لن تتحمل نتائج هذا الاعتداء على المدى المنظور.
وإذا كانت الغارة تأتي في إطار الردّ على التصريحات الأخيرة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فهذا يعني أنّ من يحكم «إسرائيل» اليوم لم يفهم الرسالة جيداً، وأنّ من اتخذ القرار أراد رفع معنويات الجيش الذي أثبتت كلّ التقارير «الإسرائيلية» أنه غير جاهز لأي حرب مباشرة، وأنّ هذه العملية ستزيد من حالة الخوف والإحباط لدى جنود العدو الذين لا يعلمون أي منطقة ستكون آمنة لهم.
إنّ توقيت الاعتداء تزامن مع زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى طهران لتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك، وهي الاتفاقية التي لم تستطع دوائر الصهيوينة منع توقيعها، وفي وقت ازداد فيه تصلب إيران في المفاوضات النووية وعجز أميركا عن فرض شروطها لتحجيم تطور طهران النووي، خدمة لـ«إسرائيل».
من جهة أخرى، فإنّ الانتخابات «الإسرائيلية» القريبة قد تكون وراء هذه العملية، ولطالما قدمت «إسرائيل» دمنا إلى الناخب لدفعه في صناديق الاقتراع. فالمجتمع الصهيوني لا يفهم لغة السلام وهو متعطش دائما إلى الدماء.
وكما قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري مكافأة إلى الائتلاف على طاعته ورفضه المشاركة في مؤتمر موسكو التشاوري، بإرسال مدربين لما أطلق عليه اسم «مقاتلين معتدلين»، قررت «إسرائيل» مكافأة جنودها في «جبهة النصرة» بهذا الاعتداء، لرفع معنوياتهم وتثبيت خط إطلاق نار جديد يحميهم في الجولان وفي بقية الأراضي السورية.
لكنّ ما لم تفهمه «إسرائيل» ولن تفهمه، أنّ سقوط شهداء من المقاومة لا يغير ولا يضعف من عزيمتها ولا يضعف جمهورها، فكلّ من انضم إلى صفوفها يعلم تماماً أنه مشروع شهيد.
ولكن يبقى السؤال: كيف ستردُّ المقاومة وسورية على هذا العدوان؟
إنّ ما نتمناه هو أن يكون الردُّ معركة واسعة وشاملة تنهي غطرسة «إسرائيل» وقطع يدها التي اعتدت وتعتدي علينا في السرّ والعلن، لكنّ الواقع اليوم قد يفرض عدم الانجرار إلى حرب موسَّعة، اختار الكيان توقيتها، وخصوصاً أنّ للكيان الغاصب اليوم جنوداً منتشرين في المنطقة، لا سيما ضمن التنظيمين الإرهابيين «داعش» و«النصرة» في سورية، بالإضافة إلى تمثيل سياسي موسَّع ضمن الائتلاف السوري في أنقرة ودول عربية أخرى على اتصال دائم مع «تل أبيب» ولديها تنسيق أمني سري تحفظ من خلاله أمنها وتؤمن للكيان الغاصب شرياناً اقتصادياً مهماً.
إنّ حربنا مع الكيان الغاصب لم تنته ولن تنتهي، ما دام هناك أعوان وداعمون له في المنطقة، وقد تكون تصفية هؤلاء وإنهاء وجودهم، معركتنا الحقيقية اليوم، ولم يعد خافياً على أحد دور هذه الجماعات في خدمة «إسرائيل» ومشروعها. وما الغطاء الديني الذي تدّعيه إلا بدعة كاذبة لضمان تصوير الحرب الدائرة في المنطقة على أنها حرب مذهبية.
وإذا كانت «إسرائيل» تعتقد أنها تحمي نفسها بهذه العناصر، عليها أن تتذكر ما حلّ بما سمي «جيش لبنان الجنوبي» الذي انهار ولم يستطع حماية نفسه من ضربات المقاومة، فلا يمكن أن يكون لدى الخائن عقيدة البقاء الحر، وانهيار الخونة مسألة وقت لا أكثر، كما أنّ دعم «إسرائيل» وشركائها العرب والأتراك للتنظيمات الإرهابية لن يوقف خسائرهم على الجبهة السورية، وخصوصاً أنّ الحاضنة الشعبية لهذه التنظيمات لم تعد موجودة كما كانت في السابق، واختلاف المصالح بين الداعمين لها هو إشارة جيدة إلى اقتراب انهيارها. فتلك التنظيمات التي تقاتل من أجل المال والقتل، ليس لديها هدف حقيقي وكلّ ما تفعله هو خدمة للكيان الصهيوني ولمشروع «إسرائيل من الفرات إلى النيل».
وإذا كانت دولة الكيان الصهيوني تعاني من وجود المقاومة في جنوب لبنان، فعليها أن تعلم اليوم أنّ المقاومة أصبحت في جنوب لبنان وفي الجولان، وهذا ما لا تستطيع أن تتحمله. والمتابع لصحافة العدو يجد فيها انتقاداً وشجباً، حتى أنّ بعض «الإسرائيليين» وصف من قرر العملية بالمتهور.
أما على الصعيد السياسي السوري، فيجب أن تدفع هذه العملية المعارضة الداخلية والمدعوة إلى موسكو لحسم قرارها بالوقوف وراء الجيش السوري والمقاومة في محاربة الإرهاب الذي لم يعد مقبولاً أن يتبناه اليوم أحد غير الذي يتبع للمشروع الصهيوني. فدعم الجيش السوري والوقوف خلفه سياسياً سيسرِّع من عملية القضاء على الإرهاب ويعيد الأمن إلى سورية وشعبها. وعلى الجانب اللبناني أن يسرع في تنفيذ التفاهمات السياسية وحسم قرار الانتخابات الرئاسية لأنّ المرحلة القادمة لن تكون كما السنوات الأربع الماضية، وعلى الجميع أن يفهم أنّ كلّ الرهانات سقطت ولا يمكن الاعتماد على أعداء المنطقة ولا على وعودهم الكاذبة.