الرفيق الشهيد ميلاد صليبا ناشطاً، ناظراً للإذاعة، منفذاً عاماً وشهيداً
عرفته منذ أولى سنوات انتمائه إلى الحزب. كان دائماً مميزاً بالتزامه، بوعيه القومي الاجتماعي، وبتفانيه. واستمرّ إلى أن تعرّض للخطف في تلك المرحلة البشعة التي تبعت حرب «إسرائيل» على لبنان، فاستشهاده.
اتصلتُ، وانتظرت أن يكتب عارفو الرفيق الشهيد ميلاد صليبا. مجدداً أدعو منفذية صيدا، كما عارفي الرفيق الشهيد ميلاد، وفي مقدّمتهم حضرة رئيس الحزب السابق الأمين حنا الناشف، لأن يغنوا النبذة المعممة أدناه عن الرفيق الشهيد ميلاد صليبا بما عرفوه من سيرته الشخصية وعن مسيرته الحزبية النضالية؛ إذ من حقة، ومن واجب الحزب تجاهه، أن يكون له حضوره اللافت في تاريخ العمل الحزبي في منفذية صيدا.
* * *
من الاحتفال في الذكرى السنوية للشهيد ميلاد في بلدته مغدوشة:
«أحيت مفوّضية مغدوشة التابعة لمنفذية صيدا الزهراني الذكرى السنوية لاستشهاد المناضل القومي ميلا صليبا الذي اغتالته ميليشيا «القوات اللبنانية» مع مجموعة من القوميين العام 1983.
الاحتفال الذي أُقيم في استراحة «الكردينيا» في مغدوشة، قرب مقام سيدة المنطرة، حضره ممثّلون عن التيار الوطني الحر وحركة أمل والتنظيم الشعبي الناصري وحزب البعث والسفير الرفيق فؤاد غندور ورئيس بلدية مغدوشة ومختارها وكهنتها، إضافة إلى حشد شعبي وحزبي، وقد تحوّل الاحتفال إلى تظاهرة لدعم غزة وإدانة المحرقة الصهيونية التي نُفّذت فيها.
كما حضر وفد مركزي من الحزب السوري القومي الاجتماعي تقدّمه ممثّل مركز الحزب، مدير الدائرة الإذاعية المركزية الأمين كمال نادر، ومنفذ عام صيدا – الزهراني نايف الشامي وأعضاء هيئة المنفذية.
بداية، دقيقة صمت على أرواح شهداء غزة، ثمّ النشيد الوطني اللبناني ونشيد الحزب، ليقدم بعد ذلك عريف الاحتفال الرفيق علي الخياط بكلمة تحدّث فيها عن مناقب الشهيد وقدوته.
* * *
كلمة المدرّسين القوميين
ثم ألقت الرفيقة زاهية عياش خياط كلمة بِاسم المعلمين القوميين، وممّا قالت فيها:
وقفة العز في قاموسنا عادة
كانون ما شهر الموت بل شهر الشهادة
نحن نعشق الموت متى كان على دين سعادة
أقف اليوم في مغدوشة، التي أنت من طينها وصلصالها، من ترابها وصخرها، ومياه عيونها، أقف اليوم بين رفقائك وزملائك لا لأرثيك.. فأنت الشهيد الحيّ، كيف لا وأنت من عشاق الشهادة متى كانت طريقاً للحياة.
إنّ أديم الأرض التي تحييك تحية الأبطال، لأن نجيع دمائك التي سالت امتزجت بأديمها، أبت إلّا أن تتوّجك مشعلاً للحرية، أبت إلّا أن تطوّبك قديساً ورسولاً للمحبة والعطاء، لذاك الذي نذر نفسه شمعة تنير الدرب أمام أجيالنا الطالعة.
فيا زميلي ورفيقي ميلاد، يا معلّمي هذه الأمة أنتم عمادها في السرّاء والضرّاء، وذخرها في الشدّة والرخاء، أنتم يا موجّهي الجيل ودعاة المعرفة وقادة الزمن وعنوان الأمة ومصدر قوتها، أنتم عقلها وقلبها، لأنكم تصنعون قوارب النجاة تمخر عباب الحياة بمجاذيف تكسر أمواج العبودية، ليعبر أبناء أمتنا إلى ساح الحياة ويقتحموا صعابها.
وتابعت: «نعم يا سادة، أصوات الفرح تتعالى بمعلّم لم يتوانَ عن تقديم نفسه قرباناً، لم يتوانَ ولو مرة عن التمسك بمبادئه وعقيدته والتصدّي للمعتدين والعملاء الذين اغتالوا فيه الجسد، للذين هم أشدّ خطراً من يهود الخارج، فوقف في وجههم وقفة العز وارتقى دونهم أدراج العلم والمعرفة والقوة… ما أروعك وأنت العابق بكل قيم الحق والخير والجمال».
وأضافت: «نكرمك اليوم، يا رفيقي ميلاد، لأن ذكراك تبعث فينا الأمل بأننا ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ.. كيف لا ونحن الذين امتطينا أدراج العز حين حققنا ما عجزت عنه أمم أخرى، وحطمنا على أعتابنا مقولة الجيش الذي لا يقهر، فكان لنا النصر والتحرير، ولم يكن هذا كله لولا الأمانة، أمانة دم سناء محيدلي… ووجدي الصايغ… وابتسام حرب… وعلي غازي طالب وخالد الأزرق وغيرهم، وأمانة دمائنا نحن.. التي هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها».
وختمت بقولها: «نعاهدك أننا لن ننسى ولن نسامح ما اقترفته أيادي الغدر حينما اغتالوك واغتالوا رفقائك نبيل قلقاس ونعيم زيدان ونخلة نخلة، محمد الدباح… وجوزيف شدّاد، الذين قضوا على أيدي بقية من يهود خيبر سرطان هذه الأمة. عفوك ربي، نحن لن نغفر لهم، لأنهم يدرون ما يفعلون! فنحن حزب لا يتهاون بحقّ أمته وشهدائها، ولا يساوم على حقيقة وجوده، لذا عهداً منّا أننا لن ننسى دماءكم أبد الدهر «.
* * *
كلمة مفوضية مغدوشة
ثمّ القى مفوض مفوضية مغدوشة الرفيق جورج يونان كلمة، جاء فيها: «رفيقي ميلاد، أنت رحلت وما زلنا نعطي للعالم مواقف عزّ نظيرها في المقاومة ومواجهة الظلم والعدوان، نستمدها من قيمنا ومناقبنا، من تاريخ طويل لا يخفى على أحد، أثبت فيها القوميون الاجتماعيون أنهم أبناء الحياة. الحياة المشرّفة والمستمرة في بث ثقافة شعب أبى، منذ أليسار وملكارت وهانيبعل وزنوبيا وحمورابي أن يستسلم للهوان، بل صمّم وعقد العزم ليبني الإنسان والمجتمع وينهض به ويحقق الانتصار».
وأضاف: «الزمن يمرّ وأعداؤنا اليهود وأصحاب العقول الرجعية والطائفية المعطلة للإنسان والحرية الإنسانية لسنا بمنصرفين عنهم، بل حملنا الأمانة التي وضعها سعادة العظيم بين أيدينا وما زلنا مستمرين. ولن نبخل بدمائنا تقدم على مذبح القضية القومية من أجل كرامة الإنسان في بلادنا».
وتابع: «رحلت وأنت تتطلّع إلى وحدة الأمة والوطن، وإلى انتصار مقاومته في فلسطين والعراق كما انتصرت في لبنان. رحلت وأنت تطمح إلى قيام دولة المواطن لا دولة الطوائف والمزارع والقبائل. وتأمل في أن يتحرر أهلنا من الطائفية والمذهبية. اطمئن يا ميلاد، فحزبك سيبقى قوياً على الصعاب والشدائد، اطمئن أن حزبك سيبقى حزب الوحدة والمقاومة وحزب الناس».
وختم: «ستبقى معنا وفي وجداننا وضميرنا، أيها المسافر بلا وداع، أبى يهود الداخل أن يتركوا أحباءك يودعونك. ثق يا ميلاد إنّ دمك لن يذهب هدراً، وسيعلم الذين اغتالوك أيّ منقلب سينقلبون.
* * *
كلمة مركز الحزب
ثم القى عضو المكتب السياسي في الحزب القومي الأمين كمال نادر كلمة مركز الحزب، وقال فيها: «إنّ الشهيد ميلاد هو ضحية الروح الصهيوني الذي غزا لبنان عبر بعض الميليشيات، والذين قتلوه شوّهوا وجه المسيحية ولبنان بمجازرهم، ونحن نريد إعادة هذا الوجه إلى حقيقته وألقه وإنقاذ المسيحية المشرقية من التهويد والتهجير.
وتحدث عن غزة، فأكّد أن المحرقة الإسرائيلية فاقت كل مجازر العصابات اليهودية، وتجاوزت فظاعة محرقة النازيين المزعومة على اليهود، معتبراً أنّ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين هو أفظع جرائم العصر، وأن لا حلّ إلا بمواجهته وإجباره على التفكك وازوال.
وأشار نادر إلى أنّ المقاومة قد أثبتت أنها قادرة على دحره منذ سنو 1982 إلى عناقيد الغضب فتحرير الجنوب عام 2000 وصولاً إلى تموز 2006. واليوم، يأتي صمود غزة ليؤكد أنّ زمن الهزائم العربية انتهى، وأننا نعيش في زمن الانتصارات القومية. وأضاف: لقد عجز الجيش الصهيوني عن تحقيق أي انتصار عسكري على المقاومة المحدودة التسلي، وكل ما فعله هذا الجيش أنه قتل الأطفال والنساء والعُجّز، ودمّر المدارس والمنازل وجرف البساتين، لكن المقاومة استمرت فاعلة وقوية وهي ترفض شروطه وشروط بعض الدول الأوروبية والعربية التي عملت على إخراجه من ورطته وعلى تأمين نجاح سياسي له.
وأكّد نادر أن إسرائيل تسير على طريق السقوط التدريجي الذي سيتسارع بعد غزة، لكن الوضع العربي العام قد تغيّر وخيار المواجهة والمقاومة طغى على خيار الاستسلام.
ثم تطرّق إلى الوضع في لبنان، فقال إنّ التحريض المذهبي والسياسي قد أدّى إلى حالة خطيرة جداً تهدّد البلد كلّه، وتهدد الدّاعين إليها من قوى وتيارات كادت تصل إلى حد الفتنة المذهبية، لكن الحركة الميدانية التي حصلت في أيار 2008 حسمت الموقف لمصلحة الوطن وأبعدت شبح الفتنة، ثم قبلت قوى المقاومة والمعارضة بالذهاب إلى الدوحة. ونبّه إلى أنّ قوى 14 شباط ستعود إلى إثارة النعرات، لأنها بحاجة إلى هذه البضاعة في البازار الانتخابي القادم.
وختم عن زيارة العماد ميشال عون إلى سوريا، فقال: «إنّ أهميتها تكمن في أنها وضعت حداً لتاريخ طويل من القلق والخوف يمتدّ من زمن ظهور المارونية وخلافها مع الإمبراطورية البيزنطية إلى زمن الدولة العثمانية، وقد أسست الزيارة لمرحلة من التفاهم والتعاون بين لبنان والشام، سيعطي الأمان والطمأنينة للمسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموماً، وسيسحب من أيدي الأميركان وعرب الأميركان ورقة التحريض على لبنان وأهله أكثر مما على سوريا ونظامها.
* * *
الشهيد ميلاد صليبا في سطور
وُلد في 25/12/1947 في منطقة البصة في فلسطين المحتلة، وخرج مع العائلة من هناك يوم النكبة، إلى بلدته مغدوشة.
تعلم في مدارس بلدته حتى الشهادة المتوسطة، ثم في صيدا وبعدها في الجامعة العربية في بيروت، ثمّ في الجامعة السورية في دمشق وتخرّج منها مجازاً في ليسانس فلسفة وعلم اجتماع.
وتنقل في التعليم من «مدرسة اليسار» مغدوشة إلى قعقعية الصنوبر وإلى المروانية ثم عيّن مديراً لمدرسة حومين التحتا.
انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في العام 1969 واستلم عدّة مسؤوليات، منها ناظر الإذاعة في منفذية صيدا ثمّ منفذاً عاماً للمنفذية، وشارك في عدة دورات حزبية تثقيفية وإعلامية. عدا عن دوره تجاه أبناء بلدته وقرى شرق صيدا في فترة الأحداث الأليمة التي كان من خلال حزبه وعقيدته صلة وصل بين مواطنيه ومسؤولي مخيم عين الحلوة ومسؤولي صيدا، هذا الدور الذي يتذكره كل من عايش تلك الحقبة.
استشهد في 18/11/1983