الإعلان عن الشهداء في دمشق وبيروت وطهران يربك العالم
كتب المحرر السياسي:
العالم كله سيحبس أنفاسه مع مرور ذكرى أسبوع على سقوط شهداء المقاومة في عملية القنيطرة، الذين شيّع منهم أمس الشهيد جهاد عماد مغنية، ويشيّع اليوم الشهداء الخمسة الآخرون، والتوقعات تدور حول إطلالة محتملة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى الأسبوع، ليبدأ بعدها العدّ العكسي لردّ يبدو حتمياً وبحجم يعادل تأكيد المعادلات التي أعلنها السيد نصرالله، والتي جاءت العملية الإسرائيلية للردّ عليها، وهنا كان لافتاً كلام رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان عن اتجاه إلى تغيير قواعد اللعبة مع العدو وفرض قواعد جديدة للاشتباك، ما يعني احتمال دخول المنطقة في درجة عالية السخونة، يصير احتمال الانزلاق للحرب فيها من جانب «إسرائيل» تحدياً بين تجرّع مرارة الردّ أو التهوّر والمخاطرة بالهزيمة الكاملة، التي يجمع المحللون العسكريون الإسرائيليون على اعتبارها النتيجة الحتمية لأيّ اشتباك مفتوح على احتمال الحرب الشاملة.
اللافت في قراءة المحللين للوقائع، واستقراء طبيعة الردّ، هو أنّ الإعلان عن الشهداء والعملية، في دمشق وبيروت وطهران تخطى ما كان في الماضي القريب بمثابة خطوط حمراء للقيادتين السورية والإيرانية وقيادة المقاومة، وكان يمكن تفادي الإعلان عن الغارة كاستهداف للمقاومين، وحصرها إعلامياً باستهداف مواقع سورية مدنية من جانب دمشق، ونعي شهداء المقاومة كشهداء المعارك في الداخل السوري، وتجاهل إيران لنعي شهيدها العميد في الحرس الثوري، ويبدو أنّ الحساب الإسرائيلي قام على هذه الفرضية، أيّ أنّ تفادي «إسرائيل» إصدار أيّ إعلان رسمي عن العملية، لترك مضمونها كرسالة يحقق أغراضه من دون التدحرج نحو التصعيد، فيرتضي محور المقاومة المساومة ويلتزم الصمت في المقابل، فجاءت مفاجأة الإعلان بالطريقة التي تقول إنّ سورية وإيران والمقاومة كمحور مقاومة في جبهة الجولان معاً، وإنّ العملية منحتهم فرصة إشهار هذا التواجد المتلازم، وهذا أول الحصاد الإسرائيلي من العملية، التعامل مع الوجود المقاوم لحزب الله والحرس الثوري على جبهة الجولان كأمر واقع منحته فرصة الإشهار والشرعية كأمر واقع لم يعد بحاجة إلى مبرّر وجود، فالأمر ترجمة لقرار سبق وأعلنه الرئيس السوري بشار الأسد بعد عملية جمرايا قبل عام أنّ جبهة الجولان ستفتح أمام المقاومين.
الإعلان كما تمّ يعني جاهزية لقرار كبير بردّ لن يكون تقليدياً ولا مجرّد انتقام، بل ردّ بحجم تغيير معادلات، وأول هذا التغيير هو الخسارة التي مُني بها الغرب وفصائل القتال في سورية ضدّ الجيش والدولة، فالغرب خسر الأضواء التي كانت مسلطة على عنوان عالمي واحد هو الحرب على الإرهاب ودماء ضحايا باريس لم تجفّ بعد، لتخطف الأضواء مخاطر التصعيد بين المقاومة و«إسرائيل» صدارة المشهد الإقليمي والدولي، ويسيطر القلق من مخاطر حرب إقليمية تخلط الأوراق، تسبّبت بها العملية الإسرائيلية وربما صار صعباً تفادي التدحرج نحوها، والفصائل التي تقاتل الجيش السوري تحت عنوان إسلامي، ظهرت كمجرّد طابور خامس «إسرائيلي» مكشوف، فهي تطعن في الظهر من يقفون قبالة العدو الأول لشعوب المنطقة وما تمثله «إسرائيل» في الوجدان الديني للمسلمين والمسيحيين، وصار التعاون القائم عبر جبهة الجولان بين «جبهة النصرة» والاحتلال، استحضاراً لدور جيش العميل أنطوان لحد في جبهة جنوب لبنان قبل التحرير في العام 2000.
بينما تستمرّ على الحدود بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، حال الحذر والترقب لتداعيات العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة في الجولان، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الاحتفال التأبيني لشهداء الحزب الستة الأسبوع المقبل للحديث عن العدوان وموقف الحزب منه.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ السيد نصر الله سيعلن موقفاً واضحاً من العدوان، لجهة أنّ حزب الله يحتفظ بحق الردّ في المكان والزمان وكيفية الردّ، موضحة أنّ أيّ تحديد لوقت الردّ هو غير دقيق ويدخل في إطار التكهّنات، فلا يعقل أنّ عملية اغتيال بهذه الطريقة، أدّت إلى استشهاد ضباط كبار في المقاومة وعميد إيراني، أن يردّ عليها في اليوم الثاني أو الثالث بصاروخ»، مشدّدة على «أنّ الردّ لا بدّ أن يوقع الألم الشديد في صفوف العدو، وبالتالي لا بدّ أن يصيب كوادر عسكرية متقدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهذا يحتاج إلى وقت».
واعتبرت مصادر أخرى لـ«البناء» أنّ «العدوان الإسرائيلي استهدف كامل محور المقاومة، فهو وقع على الأرض السورية واستهدف لبنانيين وإيرانيين وسوريين، ما يعني أنّ المحور بكامله هو المستهدف. ولفتت إلى أنه «أمام هذا الاستهداف فإنّ الردّ لن يكون بقرار من أحد المكوّنات منفرداً، إنما من قبل المحور بكامله». وشدّدت على «أنّ مواجهة إسرائيل سترتقي من العمل المنفرد إلى العمل الجماعي، وستكون لذلك تداعيات هامة على الصعيد الميداني والاستراتيجي على حدّ سواء». وأكدت المصادر أنّ «توقيت الردّ سيبقى طيّ الكتمان لدى المعنيين حتى تنفيذه، فمن الخفة بمكان أن يعلن شيء لجهة تحديد الزمان والمكان والوسيلة والمدى».
وكان الحرس الثوري الإيراني أعلن عن استشهاد العميد محمد علي الله دادي في الغارة «الإسرائيلية»خلال تفقده وعناصر حزب الله منطقة القنيطرة السورية والإطلاع على حجم الدعم الذي تقدمه «إسرائيل» للجماعات الإرهابية ومعاينة الاعتداءات «الإسرائيلية» اليومية على مواقع الجيش السوري في تلك المنطقة. في وقت شيّع الحزب وجماهير المقاومة الشهيد جهاد عماد مغنية في موكب حاشد إلى روضة الشهيدين. وأمّ رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيد الصلاة على جثمان الشهيد وسط حضور سياسي وقيادي وحزبي عسكري وإعلامي محلي وإقليمي ودولي قبل أن يُوارى في الثرى إلى جانب والده القائد الشهيد عماد مغنية وإخوة السلاح. إلى ذلك يشيّع حزب الله اليوم الشهيد محمد أحمد عيسى «أبو عيسى» في بلدته عربصاليم، كما تتحضر بلدات جنوبية أخرى لتشييع عدد من الشهداء.
وقدم رئيس مجلس الشوری الإسلامي علي لاريجاني في رسالة وجهها إلی السيد نصر الله التعازي بشهداء حزب الله. وقال لاريجاني: «إن هذه الجريمة المروعة تظهر مرة أخری التواطؤ بين المجموعات الإرهابية والكيان المحتل للقدس في الهجوم علی محور المقاومة وغضبهم من التنامي المتزاید لحزب الله في مختلف الميادين».
وفي رسالة مماثلة، أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشوری الإسلامي علاء الدين بروجردي في رسالة إلی الأمين العام لحزب الله «أن جريمة الصهاينة في جنوب سورية تأتي بهدف إضعاف محور المقاومة ضد الإرهاب والاحتلال في المنطقة».
ورأى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أنّ يُكمّل مساعي كيان العدو للاستفادة من الإرهابيين لإيجاد منطقة عازلة في المنطقة الحدوديّة.
وتوالت أمس ردود الفعل المستنكرة للعدوان معتبرة أنه يشير إلى إصرار «إسرائيل» على استهداف المقاومة في أي زمان ومكان، لافتة إلى «أن العدو الإسرائيلي يشكل، مع التنظيمات المسلحة التي تستهدف سورية، وجهين لإرهاب واحد». لكنها شددت على أن حزب الله لن يترك هذه العملية تمر، وأن رده على هذا الاعتداء الفاضح، سيكون قوياً.
حردان: العدوان يدفع المقاومة إلى تغيير قواعد الاشتباك
وفي السياق، أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنّ المعركة بين محور المقاومة والعدو الصهيوني، هي معركة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وأن العدوان الإرهابي الصهيوني الذي استهدف السيادة السورية والمقاومة في آن، هو تصعيد خطير يدفع محور المقاومة إلى تغيير قواعد الاشتباك على أكثر من صعيد.
وأكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في تغريدة عبر «تويتر»: «أننا لم نكن بحاجة لمجزرة القنيطرة لنكتشف سلوك إسرائيل الإرهابي فهذا مسارها التاريخي».
في المقابل، اعتبر النائب السابق مصطفى علوش لـ«البناء» أن «العدوان على حزب الله حصل على الأرض السورية، لذا الرد يجب أن يكون من خلال الأراضي السورية بغض النظر عن الجهة التي سترد».
ولفت، إلى أن حوار تيار المستقبل حزب الله لن يتعدى المواضيع المحلية، مشدداً على «أن تيار المستقبل سيحافظ على الخيط الرفيع من الحوار مع الحزب لتحقيق ولو بعض الاستقرار على الساحة الداخلية».
صراع ريفي- المشنوق
في سياق آخر، وبعد أقل من 48 ساعة من استقبال وزير العدل أشرف ريفي ذوي الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية الذين نقلوا من المبنى «ب» إلى المبنى «د»، شهدت منطقة باب التبانة تظاهرة على خلفية العملية الأمنية في السجن المذكور.
وأدرجت مصادر شاركت في لقاء وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أمس مع وفد طرابلسي برئاسة رئيس «هيئة علماء المسلمين» الشيخ سالم الرافعي، زيارة أهالي الموقوفين الإسلاميين ريفي والتظاهرة، في ما وصفته بـ«الصراع الخفي» بين وزيري الداخلية والعدل، لافتة إلى أن «هذا الصراع ليس جديداً، لكنه ظهر جلياً بعد عملية سجن رومية».
وكان المشنوق عرض مع الوفد الطرابلسي أوضاع الموقوفين الإسلاميين بعد العملية الأمنية الأخيرة في سجن رومية.
وأكدت مصادر المجتمعين لـ«البناء» «أن وفداً من المشايخ سيزور اليوم السجن لتقديم الملابس للسجناء والاطمئنان إلى صحتهم»، ولفتت المصادر إلى تأكيد المشنوق أن كل الحديث عن الحالة السيئة للسجناء هو حديث مضخم، وأن لا حالات تستوجب نقل أي من السجناء إلى المستشفى لتلقي العلاج. وهذا ما أكدته لجنة طبية أرسلها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص إلى السجن للإطلاع على أوضاع الموقوفين ولا سيما من الناحية الصحية.