لكم عروبتكم ولنا قضيّتنا…
} لواء العريضي
«فالعروبة في سورية الطبيعية هي عملية صادر بلا وارد ـ كما يُقال بتعبير اقتصادي ـ هي عملية استنزاف قوى عقلية ونشاط روحي وإنفاق مجهود مادي عملي بلا تعويض… هي تضليل من قبل إقطاعيين ومتزعّمين لحزبيات دينية لا يفتأون يثيرون نعرات تلك الحزبيات ويستغلون عماوة الغوغاء المستعدّ دائماً للاندفاع في تيار قوة الاستمرار الرجعي، لأنّ ذلك أسهل عليه من تعوّد شيء جديد وممارسة حياة جديدة».
ما تقدّم هو فقرة صغيرة من مقالة أنطون سعاده بعنوان «العروبة أفلست» بتاريخ 21/1/1949. لن أتكلّم عن عظمة فكره وبصيرته، بل سأؤكّد على صوابية العروبة عنده وحصرية قضيتنا.
لأننا ضعفاء أذنّا لغيرنا تقرير مصيرنا، لأننا مشتتون باتت كلّ دول العالم لها حصة في بلادنا، لأننا راهنّا على مشاعر الغرب والعرب لإعادة أرضنا فقدنا سنوات من المقاومة. فالتجربة أكّدت أنذ العالم العربي مجموعة مجتمعات ودول متقاربة يمكن أن تتعاون مع بعضها بعضاً لكن يصعب اتحادها بوحدة اجتماعية وذلك لتفاوت القوة والمصالح والمطامع بين أقاليمه. وخير دليلٍ على هذا الكلام هي القضية الفلسطينية.
فالمغرب العربي ورغم بعده جغرافيا، نرى من وقت إلى آخر بعض التعاطف الخجول مع القضية لا يتعدّى التعاطف الشعبي الذي يكنّه أيّ إنسان في العالم لأيّ قضيّة إنسانيّة أينما وُجِدَت. لكن لا ننسى حرب 1967 والهزيمة العربية الكبرى بسبب خيانة ملك المغرب الحسن الثاني وتسجيل القمة العربية للعدو الإسرائيلي مقابل تسليم مهدي بن بركة وبعض المساعدات العسكرية. ومصر في حربها مع «إسرائيل» كانت تتقاتل معها على أرضٍ فلسطينية سوريّة في النقب وشبه جزيرة سيناء واكتفت بالسلام عند تحقيق مصلحتها الخاصة. ونضيف على ذلك بيعها لجزيرتي صنافير وتيران للمملكة العربية السعودية وكأن الجزيرتين جزء من طبيعتيهما الجغرافية وليست أرضاً سورية في الواقع. وفي الخليج العربي حدّث ولا حرج، من اقتطاع صحراء النقب وبترولها عن الأردن لسنوات التطبيع العلني مع العدو، فبات الحديث قليلاً مهما بلغ الكلام. وها هم اليوم بعد الخطوبة أعلنوا الزواج بقرن السلام ضاربين على صدورهم أنهم أوقفوا تمدّد المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية! ولكن لا مشكلة لديهم بأشلاء أطفال غزّة يوميّاً! هذا فخر العرب! فمن كان يتوهّم في القرن الماضي أنّ العرب سيعيدون كيليكيا، أتى الجواب اليوم بفقدان فلسطين من الخطط العربية «رسمياً».
أرادونا مصيف استجمام وتراهم يحرصون على إبقائنا هكذا! أرادونا مؤيدين لعروبتهم ونحن في أشدّ التخبّط والإذلال، يبذّرون أموالهم بشنطٍ سوداء هدايا لإقطاعيينا ليزيدوا شدّ اللجام علينا. يرودوننا ببغاوات تردّد حلمهم المخزي ونحن في حضيض ضعفنا وعجزنا لا نقوى على مساندة أنفسنا للوقوف. لم يعلموا أن في ضعفنا ضعف عروبتهم وفي قوتنا غمد سيفهم، لا بل سيفُهم وغمده وترس الأقاليم العربية. حسموا خيارهم واختاروا عدوّنا، وخيارنا منذ آلاف السنين محسوم، منذ مجد حمورابي ونبوخذ نصر حتى أنطون سعاده. ربما القاسم المشترك بينهم وبين اليهود هو التيه في الصحراء! أدركوه فمجّدوه.
لا تكون العروبة قوية وصحيحة إلا بنهضة الأمة السورية، ففي تخبّط كياناتها وتشتتها ضعفٌ للأمة والعرب، فلا تخدم أمتنا العروبة والإنسانية إلا إذا كانت قوية، وهنا لا أتكلّم عن وحدتها سياساً وهو الهدف الأبعد والأسمى، بل أتكلّم عن نهضة وقوة كلّ كيان بذاته وتكامل وتكافل اقتصادي واجتماعي بالحدّ الأدنى كفيلان بتغيير الواقع والمضي نحو الوحدة القومية. فبتحالف عسكري بسيط بين العراق والشام تمّ الانتصار على المنظمات التكفيرية، وبتكافل اقتصادي بسيط بين لبنان والعراق أصبحت التغذية بالتيار الكهربائي أفضل. وبالتعاون بين الشام ولبنان وصلت المنتوجات اللبنانية للأردن والعراق. أمثلة في بساطتها مغزى قوتنا.
قال أنطون سعاده منذ سبعين عاماً إنّ العروبة أفلست، وها نحن اليوم نؤكّد على كلامه. فلا عروبة حقيقية إلّا بمفهومنا، ولا حق في تقرير المصير القومي إلّا لأمتنا.
أختم قائلاً، أعطيناهم عقولنا فصاغوا بها سلاماً على حسابنا وتآمروا علينا وقرّروا مصير قضيتنا. أعطيناهم قوّة ردّوها تقسيماً وعزّزوا الشرخ الطائفي، وأبقوا على دعم الفاسدين حتى أصبح الأمل عندنا حلماً شارداً في الصحراء يتهيّأ له سراب الحياة من حينٍ إلى آخر. نهضتنا في بلادهم أثمرت تطوّراً وفي بلادنا دفعوا ملايينهم لمساعدة عدوّنا وفاسدينا لطمسها.