مداخل إلى الحلّ ومخارج من الورطة…!

محمد ح. الحاج

بديهي أنه بعد ما يُقارب السنوات الأربع من أحداث عنف وقتل وتخريب وحرب متعدّدة الأطراف على الأرض السورية والشعب السوري القول بضرورة البحث عن حلّ، ليس من قبل طرف بعينه وإنما من قبل الجميع، دولاً وتنظيمات لها علاقة بشكل ما بما يحدث أو تتأثر به أو تخاف من امتداده وتداعياته على مصالحها بشكل عام، ومنها من يعمل بصدق وإخلاص لمصلحة الشعب السوري والدولة السورية من منطلق التحالف ووحدة الموقف، وهكذا نجد دولاً كروسيا وإيران ومصر تقوم بأنشطة على أصعدة متعدّدة لجمع أطراف النزاع وإقناع التنظيمات والدول المتورّطة بإعادة حساباتها ومراجعة سلوكيات التزمت أو ألزمت بها آخرين وهي تشكل خطراً على الأمن والسلام الإقليمي والدولي على حدّ سواء.

القناعة التي تشكلت عند جميع الأطراف باستحالة الحلّ العسكري أو تحقيق النصر لطرف على آخر تفرض نفسها، والعنف الذي لم يسبق له مثيل على الساحة الإنسانية أجهد الجميع، وخصوصاً التنظيمات التي ركبت الموجة معتقدة أنها على أبواب الوصول وتحقيق تطلعات قد تكون مشروعة بصورة ما، متجاهلة أهداف تنظيمات أكبر أو حكومات ودول تقف وراء الأحداث راسمة مصالحها عنواناً لصفحة المستقبل، وهو بطبيعة الحال يتناقض بصورة أو بأخرى مع مستقبل الشعب السوري ومصالحه، وكان حرياً بالجميع الوصول إليها أي القناعة منذ بدايات التجربة المريرة، إلا أنّ عوامل التبعية وفقدان القرار والتشرذم وتعدّد المرجعيات إضافة إلى عوامل داخلية منها التعصّب في بعض الأوساط والجهالة، والإصغاء إلى أصوات التحريض واستغلال عوامل فقدان الشعور بالعدالة في أوساط أخرى، حالَ دون الوصول إليها إلا بعد انقضاء هذا الوقت الطويل وتذوّق مرارة التجربة، والعودة بالبلاد عقوداً إلى الوراء بدلاً من استمرار مسيرة التنمية والارتقاء، وهذه العودة مخطط لها ومدروسة ومرصودة لها الأموال الخارجية والاستثمارات، وذلك ما كان خافياً على الأدوات الداخلية البسيطة والفعّالة في آن واحد، لكنه، ما كان خافياً على من يعتبرون أنفسهم قيادات للشعب السوري وهو ادّعاء في غير محله لكنها المغامرة والطموح لوصول موعود أو حلم يقظة، وهكذا دفعوا الثمن من أرصدة الشعب التي تحققت عبر مسيرة طويلة وشاقة، والسؤال: هل يشعرون بشيء من الندم، أو بعضهم على الأقل؟

المعنيون بالحلّ، أو الباحثون والعاملون لتحقيقه أطراف عديدة، أولها الحكومة السورية صاحبة الولاية الشرعية على الشعب والثروة والسيادة على الأرض، والمطالبة بفتح اللام بالحفاظ على الاستقلال والصيرورة، وهي الجهة التي بادرت منذ البداية إلى المساهمة في إيجاد حلول عن طريق الإصلاحات التي وضع الآخرون العصيّ في دواليبها بدفع من الخارج وعوامل الوهم والأحقاد، فشل التصفيق بيد واحدة، وعلا ضجيج الخوارج مستمرئاً اللعبة على ما فيها من ويلات، أما الطرف الآخر فهو ما أطلق على نفسه معارضة الداخل الذي طالب بالإصلاح ووقف ضدّ التدخل الخارجي، رغم التزام جزء منه الموقف الرمادي منتظراً ما لم يحصل أو مراهناً على حصول المعجزة، وهذا الطرف لم يكن أداة فعل، لا سلبي ولا إيجابي.

هذا على الجانب الداخلي، أما الأطراف الخارجية فقد كان على رأسها الدولة الروسية التي وضعت ثقلها في الميزان فمنعت التدخل الخارجي ودعمت صمود الدولة، مع الاستمرار في طرح رؤية للحلّ محاولة تسويقها والدعوة إليها، ولكن ربما ضمن الأوساط غير الفاعلة في الموضوع العسكري، الذي يتطلب ضغوطاً من نوع ما على الدول التي تدعم وتدفع لاستمرار العمل العسكري بما يخدم مصلحة ما، هي في المحصلة مصلحة العدو الصهيوني، كما أنّ طرفاً يتمّ اتهامه بالتدخل، هو أيضاً يطرح المساهمة في الحلّ من دون التخلي عن دعم الدولة السورية من منطلق وحدة الاتجاه والتحالف على قاعدة ثقافة مقاومة المشروع الصهيو أميركي في المنطقة، هو إيران، ولكن، ماذا عن الأطراف الأخرى التي تجسّد القرار والفعل العسكري واستمراريته رغم الإعلان عن محاربة ما اتفق على تسميته بالإرهاب، ليأتي التوصيف ملتبساً، مستثنياً فصائل التحقت إما بجبهة «النصرة» أو بتنظيم «داعش»، واتفق الغرب على تسميتها بـ المعارضة المعتدلة والتي لا قيادة فعلية لها بل تتمثل شكلاً بما يُسمّى تحالف اسطنبول أو ائتلاف الدوحة…!

مصر التي وجدت مدخلاً لطرح مشروع حلّ، أو المشاركة والمساهمة في جهود أطراف أخرى لتحقيق ذلك، ينطلق دورها متأخراً بعد أن شكلت إحدى دعائم الهجوم على الحكومة السورية على فترتين، زمن مبارك، وزمن مرسي الذي شرّع الجهاد في الشام. تنطلق مصر بعد أن ذاقت طعم إرهاب «الإخوان»، وهي التي تعلم تفاصيل مشروعهم منذ أكثر من نصف قرن، والآن هم يلحقون الأذى ببنية الدولة المصرية، وهي تطاردهم بلا هوادة، مصر التي يربطها تاريخ طويل من التأثير والتأثر بالأمن القومي السوري، وهي التي تخلت عن اتفاقية الدفاع المشترك، أو جمّدتها بموجب اتفاقات معسكر داوود ولعبة السادات… هل يمكن أن تستعيد القاهرة دورها وتأثيرها رغم استمرار العلم الصهيوني مرفرفاً في سماء القاهرة، ورغم ارتباطها العضوي بمعسكر الغرب أميركياً ؟ وكيف لها أن تتجاوز الدور الروسي صاحب المبادرة؟

لنجاح أيّ حلّ في المنطقة، ليس في سورية فقط، بل على امتداد المنطقة العربية كلها، لا بدّ للتنظيمات الأدوات أن تحزم أمرها وتوحّد قيادتها وتعلن موقفاً يعرّي الذين لا يوافق توجهاتهم الحلّ، ولا يحقق مصالح الجهات التي تستثمرهم، ويبقى أنّ الدول المتورّطة ستعيد حساباتها بعد أن تفقد الأدوات، واعتماداً على براغماتية سياسية يمكن أن تعلن دعمها للحلّ السلمي والمساهمة بإنجازه بطرق متعدّدة أولها وقف التمويل والتحريض والتدريب وإغلاق الحدود، وأول هذه الدول تركيا التي لم يتعدّ موقفها الكلام دون الفعل، في الوقت الذي يعلن رئيسها أردوغان أنّ بلاده ليست مسؤولة، وإنما الدول التي لا تعرف كيف تدقق في جوازات السفر التي تمنحها! ولا يبدو أنّ تركيا ستغيّر اتجاه دفة سياستها في القريب، بينما يمكن توقع أن تكوّع السياسة الأميركية على «الطريقة الجنبلاطية» من دون تخفيض السرعة، أما السياسة السعودية المتصفة بالقسوة والتي تعتمد الشخصانية في العلاقات من دون أخذ المصالح العامة بعين الاعتبار فهي الأخرى مستمرّة في النكران وأنّ «داعش» في سورية هي غيرها في العراق والأردن والحجاز…! وحدها الدول التي كانت منساقة بعامل الترهيب أو الترغيب من الممكن أن تتجه في خطوات ثابتة لتمهيد طريق إنجاز الحلّ السلمي كإعادة العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية واستعادة حركة النقل جواً وبحراً وقد توالت المبادرات… الكويت، تونس، الإمارات وبعض دول الغرب الأوروبي، ويبقى أنّ على الدول المتورّطة على المكشوف البحث عن مخارج بغضّ النظر عن مواقف الغطرسة والكبرياء الزائف تحت ضغوط الواقع والحقيقة، لا أن تطالب المعتدى عليه بأن يتنازل عن حقوقه وتجاوز ما لحق به من دمار وخراب، وأن تلتزم المساهمة في تمويل إعادة الأعمار بنسبة ما ساهمت من تخريب.

أن يلتحق ائتلاف الدوحة أو تحالف باريس أو اسطنبول بعملية الحلّ أو لا، ليس مهماً لانعدام تأثير هذه المجموعة على الداخل واقعياً، فهي مجرّد هياكل فارغة لا امتداد لها على ساحة الوطن وبين المواطنين، وهو أمر يدركه هؤلاء، استطراداً أن لا يشارك أيّ منهم في لقاء مرتقب في موسكو أو القاهرة فهذا لن يعيق الوصول إلى تفاهم، وحده الاتفاق على محاربة «داعش» و»النصرة» والبحث عن توافق وطني على الساحة الداخلية والتشاركية وقبول الآخر هي المداخل إلى الحلّ، ولا مخرج للتنظيمات الخارجية إلا بفك الارتباط مع مشغليهم وامتلاك القرار المنسجم مع المصلحة الوطنية وهو أمر ميؤوس منه… المخارج ستكون ربما متاحة، للدول التي استثمرت وخططت…، وهي لن تجد حرجاً في تبديل وجهتها وتبني مواقف جديدة تعيد صياغة علاقاتها لمرحلة جديدة على طريق تحقيق مصالح لا يتبدّل جوهرها، بل هي مناورة سياسية تستخدم ألوان الفصول والمواقف…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى