المنطقة بين الزلزال والبركان
كتب المحرر السياسي:
بينما العالم يحبس أنفاسه بانتظار البركان الذي سينفجر من جبهة الجولان أو جنوب لبنان، أو داخل فلسطين المحتلة أو أيّ مكان في العالم، رداً على سقوط شهداء المقاومة في غارة القنيطرة التي فرضت تغييراً في أولويات المنطقة والعالم، كما سيفرض الردّ عليها تغييراً في قواعد التوازنات والاشتباك في الصراع المفتوح بين المقاومة وكيان الاحتلال، جاء الزلزال اليمني، ليلاقي الجنوب الجنوب، فاليمن في الجغرافيا القديمة، فينيقيا الجنوبية، وجنوب الجنوب العربي، حيث سيطر الثوار الحوثيون على الدولة ومرافقها، بعد تدخل سعودي أوقف رئيس الجمهورية منصور هادي عن السير في تطبيق الاتفاقات التي تضمن الشراكة وتؤسّس لمرحلة دستورية جديدة، وتضمن تموضع اليمن على ضفة واضحة في الحرب على الإرهاب.
معادلة صنعاء بدت مثل معادلة بيروت، لا نريد الحرب لكننا لا نخشاها، والتراجع غير موجود في قاموسنا، ولأنّ القضية مشروعة فالسقوف مفتوحة، ولا خطوط حمراء.
اللاعبون الكبار، يحكم التواضع خطابهم وحركتهم، لكن أفعالهم هي ما يظهر أحجامهم، بينما الذين يكثرون الكلام، فخطواتهم بحجم أحقادهم، أصغر من أن تغيّر التاريخ أو تحكم الجغرافيا.
المنطقة ومعها العالم بين زلزال وبركان، بين فكي كماشة الجنوب والجنوب، وزمام المبادرة بين البحار الخمسة بيد قوى محور المقاومة، من البحر الأبيض المتوسط حيث المقاومة تمسك الدفة، إلى بحر قزوين والخليج حيث قائد الحرس الثوري الإيراني يقول: على «إسرائيل» أن تنتظر عاصفة مدمّرة، وصولاً إلى البحر الأحمر حيث تحركت البوارج الأميركية تهيؤاً لنقل الدبلوماسيين من سفارة واشنطن في صنعاء، إلى البحر الأسود حيث يرابط الأسطول الروسي بمدمّراته وسفنه الحربية المحملة بالصواريخ، وشحنات السلاح لكلّ من سورية والعراق وإيران.
كيان الاحتلال في حالة الذعر يحسب الاحتمالات والفرضيات ويحاول توقع السيناريوات، وفي المقابل يهيّئ الملاجئ والجبهة الداخلية، ويعمّ الاستنفار من الشمال إلى الجنوب ويشمل كلّ المرافق والمدن والمنشآت، بينما البورصة شهدت شللاً في تداول الأسهم، وأولى النتائج كانت سقوط مشروع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بوضع خطط استيعاب لعشرين ألف مهاجر من فرنسا توقع قدومهم تلبية لندائه بعد أحداث باريس، بينما تخشى المواقع الإعلامية الصهيونية في العالم موجات هجرة معاكسة قلقاً من حجم الردّ ونوعيته ومستواه، والأهمّ تداعياته التي قد تكون حرباً شاملة.
الصحافة «الإسرائيلية» التي ارتبكت بين التأييد والتحليل والتخوّف والقلق مع الإعلان عن عملية القنيطرة، بدأت تعترف بالأهداف الحقيقية للعملية وربطها بفشل مشروع الحزام الأمني الذي أرادت حكومة نتنياهو إقامته على حدود الجولان، كما قالت صحيفة «هآرتس»، التي كشفت أنّ هدف التدخل «الإسرائيلي» في جبهة الجولان كان تشكيل قوة تشبه «جيش أنطوان لحد» في جنوب لبنان قبل انهياره في عام 2000، ووصفت هدف العملية بالضغط على سورية وحزب الله لإخلاء المقاومة للمنطقة، بعدما بدأ مشروع «جبهة النصرة» يعيش ذات أمراض التآكل التي سبقت انهيار «جيش لحد»، بينما ذهبت الصحف الأخرى إلى توقع سيناريوات افتراضية لردّ المقاومة، وهي تعكس درجات الاستنفار في جيش الاحتلال والجبهة الداخلية، بعد مقارنتها بما جرى في حرب تموز 2006.
المقاومة التي واصلت تشييع شهدائها، وسط جمهورها الغاضب والمتطلع إلى الردّ المناسب، بدت كما في مثل هذه الأحوال بعيدة عن الانفعال، تأخذ وقتها، تدرس الخيارات والمواقف، واثقة بقضيتها المشروعة وحقها في الردّ بسقف عال، وتركت كلّ الخيارات مفتوحة.
من صنعاء كان السيد عبد الملك الحوثي يعلن باسم «أنصار الله»، بعد اكتمال سيطرتهم على وسائل الإعلام ومقرات رئاستي الجمهورية والحكومة، أنّ لا نية لاستهداف الرئاسات، وأن لا نية انقلابية، بل لا يزال الإصلاح هو الهدف، لكن القضية مشروعة والسقف عال والخيارات مفتوحة.
بينما يواصل حزب الله تشييع شهداء العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة، وتقبّل التبريكات باستشهادهم، رفعت طهران وتيرة الوعيد لـ«إسرائيل» بـ«عواصف مدمّرة» رداً على هذا العدوان. في حين تسيطر حال الذعر على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والشعبية «الإسرائيلية» من تداعيات خطيرة للغارة.
الردّ ثلاثي… من الجولان؟
وفي السياق، أكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ استهداف العميد في الحرس الثوري الإيراني محمد عليّ الله دادي في سورية، يستدعي مشاركة إيران حزب الله وسورية في الردّ على «إسرائيل»، مشدّدة على «أنّ الردّ لن يكون أحادياً إنما من محور المقاومة وهذا ما يثير القلق والذعر عند العدو».
وشدّدت المصادر على «أنّ الوجود الإيراني في سورية هو وفق القانون الدولي، شرعيٌ، فهو خاضع لاتفاقية الدفاع المشتركة الموقعة بين البلدين»، لافتة إلى «أنّ إسرائيل لم تأخذ ذلك في الحسبان»، ورأت «أنّ الاستهداف الإسرائيلي للعميد الإيراني يعني فتح حرب مع إيران، بيد أنّ إسرائيل لا تريد فتح أي جبهة».
وعلقت مصادر عسكرية لـ«البناء» على قول مسؤول أمني «إسرائيلي»: «إنّ إسرائيل لم تكن تقصد استهداف الجنرال الإيراني»، فأشارت إلى «أنّ هذا الكلام يأتي في خانة التخفيف من وطأة الخسائر، إلا أنّ ذلك لن ينفع». ورجحت المصادر أن يكون الردّ على العدوان بفتح جبهة الجولان».
الحرس الثوري: عواصف مدمّرة لـ«إسرائيل «
في هذا الوقت، أكد القائد العام للحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري في بيان بمناسبة استشهاد العميد عليّ الله دادي في العدوان، «ان ّاستشهاد أبناء الأمة في القنيطرة يشكل مؤشراً آخر على قرب انهيار الكيان الصهيوني الظالم والإرهابي». مشيراً إلى أنّ «على الكيان الإسرائيلي أن ينتظر عواصف مدمّرة وقد جرب غضبنا في الماضي» .
وتابع: «إنّ الحرس الثوري برهن وكما في الحروب السابقة في لبنان وفلسطين انه سيواصل صموده حتى انهيار الكيان الصهيوني، وأنّ الحرس الثوري سيواصل بلا هوادة دعمه للمجاهدين والمقاتلين المسلمين في المنطقة حتى القضاء على جرثومة الفساد وإزالتها عن الجغرافيا السياسية للمنطقة».
وبالتوازي اعتبر «حزب الله» أن «الغارة في سورية رفعت القناع عن وجه العدو الإسرائيلي الذي قرّر مواجهة المقاومة مباشرة لا عبر أقنعته التي قاتلت المقاومة منذ 4 سنوات هناك، لذلك نؤكد أنّ هذه هي حقيقة المعركة لمن لا يزال يبحث عن أسبابها كونها ليست حرب تغيير نظام أو إصلاح سياسي بل حرب يشنها العدو وحلفاؤه على المقاومة وحلفائها في المنطقة كلها».
وأكد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي خلال تشييع الشهيد علي حسن ابراهيم الذي قضى في الغارة، أنّ «المقاومة على جاهزية كاملة للتعامل مع العدو على النحو الذي يحوّل عملية الاغتيال من نصر يمكن أن يوظفه مرشح للانتخابات إلى عار يتكرّس على جبينه بل عنواناً لهزيمته».
وفي إطار محاولات العدو تدارك تداعيات الغارة على كيانه، أشارت القناة «الإسرائيلية» العاشرة، إلى أنّ الجيش قرّر مساء أمس إغلاق طريق الشمال القديم في الجليل الأعلى أمام حركة المركبات المدنية حتى إشعار آخر، تخوفاً من هجوم لحزب الله في منطقة الجليل. وأوضحت القناة أن الشارع المذكور يمر قرب مستوطنات «دوفيف وأفيفيم» في الجليل الأعلى، كمنطقة حساسة يتواجد فيها عدد كبير من المستوطنين اليهود.
وعززت «إسرائيل» أمس موقع افيفيم المقابل لبلدة مارون الراس جنوب لبنان بـ ثلاث دبابات ميركافا وألقى الطيران الحربي «الإسرائيلي» المعادي بالونات حرارية فوق البحر مقابل الساحل الجنوبي.
تداعيات العدوان على القنيطرة
وكشفت تقارير استخبارية وأمنية متابعة حجم التعاون والتنسيق الهائلين في الميدان الاستخباري بين «إسرائيل» والسعودية وطواقم استخبارية من دول أخرى، إضافة إلى الخدمات التي تقدمها العصابات الإرهابية وفي مقدمها عصابة «النصرة» إلى أجهزة الأمن «الإسرائيلية».
وتفيد التقارير أن «إسرائيل» أصابتها حالة يمكن وصفها بـ «تخمة المعلومات الاستخبارية» منذ أن بدأت أحداث العنف تضرب الساحات المجاورة لها، وبالتحديد الساحة السورية وعدم الاستقرار الأمني في لبنان، حيث تدفقت المعلومات الاستخبارية على «إسرائيل» من جهات مختلفة وتكثف التنسيق الاستخباري والأمني بين «إسرائيل» وأجهزة استخبارية إقليمية باتت تربطها اليوم علاقات قوية للغاية، وشكل جهاز الاستخبارات السعودي «الرافد» الأبرز في المعلومات الاستخبارية التي تدفقت على «إسرائيل» والتي ركزت في معظمها على نشاطات حزب الله، وأيضاً على المواقع الحساسة للجيش السوري.
وطرح المحللون «الإسرائيليون»، أمس، عدة تساؤلات حول الغارة في منطقة القنيطرة، وأولها ما إذا كانت الاستخبارات «الإسرائيلية» قد علمت، قبل التنفيذ، بوجود ضابط إيراني كبير، أو أكثر، في قافلة السيارات التي استهدفت.
واعتبر المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، أنه بهذه الغارة اصطادت «إسرائيل» ثلاثة عصافير بحجر واحد: «انتهاك السيادة السورية ؟! ، قتل رموز من حزب الله، وتصفية جنرال إيراني» بحسب تعبيره.
الوضع اليمني
أما التطورات في اليمن فقد استدعت أن يعقد مجلس الأمن الدولي، مساء أمس جلسة مغلقة، وذلك بناءً على طلب بريطاني لعقدها بعد المواجهات بين عناصر اللجان الشعبية التابعة لحركة «أنصار الله» ووحدات من الحرس الرئاسي في صنعاء.
ومن المتوقع أن يطلع موفد الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر المجلس على آخر تطورات الأوضاع في العاصمة اليمنية صنعاء، فيما تضاربت الأنباء حول سيطرة عناصر من اللجان الشعبية على القصر الرئاسي، ولكن مصادر نقلت عن زعيم «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي قوله إنّ مقاتليه «يحمون قصر الرئاسة في صنعاء من عمليات نهب الأسلحة ولا يحتلونه».
وكان الحوثي وصف ما حصل من تآمر السلطة اليمنية على نتائج الحوار الوطني بـ«المؤسف»، مشيراً إلى أن هناك فرصاً حقيقية مهمة يمكن استغلالها لتجاوز المخاطر والتخلص من الفساد والاستبداد.
وفي خطاب خصّصه لآخر التطورات في اليمن، شجب السيد الحوثي ما أسماه محاولة الربط بين ما حصل في فرنسا وما يحصل في اليمن من أحداث، وقال إن «شعبنا اليمني أزاح عقبة كبيرة كانت تشكل عائقاً أمام تنفيذ مخرجات الحوار».
وفي ردود الفعل، دعت وزارة الخارجية الروسية إلى ضرورة حلّ الأزمة في اليمن بالطرق السياسية عبر حوار وطني شامل يضمن مصالح مختلف القوى السياسية والطوائف.