قمة لبنانية فرنسية وغداء على شرف ماكرون في بعبدا
عون: لتجاوب كلّ القيادات في مسار تشكيل الحكومة ماكرون: مستعدون للمساعدة في النهوض ضمن خطة للإصلاحات
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «عملية تشكيل الحكومة الجديدة لا يجوز أن تستغرق وقتاً طويلاً وتكون حكومة قادرة على مواجهة تحديات المرحلة المقبلة بكل أبعادها»، متمنياً أن «تتجاوب كل القيادات اللبنانية في مسار تشكيل الحكومة التي سيكون من مهامها تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد وتصحيح الخلل في القطاع المصرفي». فيما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقوف بلاده إلى جانب لبنان في الأزمة الراهنة، مبدياً «كل استعداد للمساعدة في تحقيق النهوض المطلوب ضمن خطة واضحة تقوم على تحقيق الإصلاحات في المجالات التي سبق أن تحددت في القطاعات المهمة». وأشار إلى أن «كل الالتزامات التي أعلنت في مؤتمر «سيدر» جاهزة للتنفيذ مع إقرار الدولة للإصلاحات الضرورية التي يطالب بها المجتمع الدولي».
مواقف عون وماكرون جاءت خلال خلوة بينهما في قصر بعبدا أمس وانضم إليها لاحقاً رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
ورحب عون بماكرون مجدداً في لبنان، شاكراً له زيارته والمشاعر التي يبديها تجاه لبنان، مشدداً على أن «اللبنانيين يقدرون ما أبداه من اهتمام بأوضاعهم خصوصاً بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت». وأكد أن «التحقيقات مستمرة لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة بمن يثبت تقصيره او اهماله القيام بواجباته الوظيفية».
ثم تحدث الرئيس عون عن المسار السياسي بعد تكليف السفير الدكتور مصطفى أديب تشكيل الحكومة، لافتاً إلى أن «عملية التشكيل لا يجوز أن تستغرق وقتاً طويلاً وتكون حكومة قادرة على مواجهة تحديات المرحلة المقبلة بكل أبعادها». وتمنى أن «تتجاوب كل القيادات اللبنانية في مسار تشكيل الحكومة الجديدة التي يؤمل أن تلقى تأييد المجتمع الدولي، ولا سيما أن من مهامها تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد وتصحيح الخلل في القطاع المصرفي».
وبدوره، شكر الرئيس ماكرون للرئيس عون الحفاوة التي لقيها في زيارته الثانية إلى لبنان، مجدداً تأكيد وقوف بلاده إلى جانب لبنان في الأزمة الراهنة، مبدياً «كل استعداد للمساعدة في تحقيق النهوض المطلوب ضمن خطة واضحة تقوم على تحقيق الإصلاحات في المجالات التي سبق أن تحددت في القطاعات المهمة».
وأعرب ماكرون عن استعداد بلاده للمساهمة في إزالة آثار الانفجار الذي استهدف المرفأ، متحدثاً عن مشاركة الوحدات الفرنسية بالتعاون مع الجيش اللبناني في تنظيف المرفأ وتنفيذ أعمال إغاثة فرضتها قوة الإنفجار والخسائر البشرية التي نتجت عنه.
وأبدى ارتياحه «لما أعلنه الرئيس عون عن أهمية قيام الدولة المدنية في لبنان»، مؤكداً أن «فرنسا تدعم كل الخيارات التي يلتقي عليها اللبنانيون»، لافتاً إلى «الدور الإنساني الذي لعبته القوة الفرنسية التي أرسلت إلى بيروت في السفينة الحربية le tonnerre».
وفي الشأن الاقتصادي، أعرب ماكرون عن «استعداده للمساهمة المباشرة في عقد لقاء مخصص للبحث في حاجات لبنان، ضمن خطة النهوض الاقتصادية، تشارك فيه دول عدة يشكل دعم لبنان القاسم المشترك في ما بينها». وأشار إلى أنه «حاضر دائماُ لتذليل أي عقبات تواجه لبنان على مختلف الأصعدة»، متمنياً أن «تشكل الحكومة الجديدة بسرعة لإطلاق مسار الإصلاحات المرجوة بالتعاون مع مجلس النواب».
وجدد التزام بلاده مساعدة اللبنانيين، مكرراً أنه «يمكن للبنان أن يتكل على فرنسا القادرة على تأمين الأجواء الدولية الملائمة لمساعدته كي يبقى على خصوصيته، ويقوم بدوره وبرسالته الفريدة في الشرق».
وفي ما يتعلق بمؤتمر «سيدر»، أكد ماكرون لعون أن «كل الالتزامات التي أعلنت في هذا المؤتمر جاهزة للتنفيذ مع إقرار الدولة للإصلاحات الضرورية التي يطالب بها المجتمع الدولي».
مأدبة غداء
ثم أقام عون مأدبة غداء رسمية على شرف الرئيس الضيف، حضرها إلى جانب الرئيس برّي، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الرئيس المكلّف مصطفى أديب، الرئيس نجيب ميقاتي، نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، وزيرا الخارجية والمغتربين شربل وهبة والصحة حمد حسن، رؤساء الكتل النيابية: جبران باسيل، محمد رعد، آغوب بقرادونيان، تيمور جنبلاط وبهية الحريري، أعضاء الوفد الفرنسي المرافق، رئيس وأعضاء لجنة الصداقة اللبنانية– الفرنسية في مجلس النواب، عميد السلك القنصلي جوزف حبيس، عميد السلك الدبلوماسي السفير البابوي المونسيور جوزف سبيتري، سفراء دول الاتحاد الأوروبي، قادة الأجهزة الأمنية، وعدد من كبار الموظفين، إضافة الى عدد من رجال الأعمال والاقتصاد اللبنانيين ونظرائهم في الوفد الفرنسي.
وألقى عون كلمة أشار فيها إلى أن»لبنان يجتاز حالياً فترة ألم عميق، نتيجة الإنهيار الاقتصادي والمالي، والأزمة الناجمة عن تفشي وباء كورونا، إضافة إلى المأساة غير المسبوقة في تاريخنا الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت».
أضاف «أمام ضربات القدر هذه، هناك احتمالان: الاستسلام او الحفاظ على الأمل. لقد علمنا تاريخنا أن ننهض، ونعيد البناء، متطلعين أبداً نحو المستقبل. إن الماضي الغني بالتجارب، يحضنا اليوم على العمل، وهو خير معلم لنا كي يدفعنا إلى عدم تكرار الأخطاء. إن حدود لبنان هي حدود الحرية في هذا الشرق! ولبناننا كبير بتعدديته، وفكره الخلاّق، وروح التسامح لديه إضافة إلى سخائه وما يميزه من روح الانفتاح».
ولفت إلى «أن أملنا يرتكز اليوم على تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على إطلاق ورشة الإصلاحات الضرورية، من أجل الخروج بالبلد من الأزمة الحالية. والأمل يكمن أيضاً في جعل آلامنا حافزاً يدفعنا إلى أن نغدو دولة مدنية، حيث الكفاءة هي المعيار والقانون هو الضامن للمساواة في الحقوق. وإنني تحقيقاً لهذه الغاية، التزمت الدعوة إلى حوار وطني لكي نصل إلى صيغة تكون مقبولة من الجميع».
وختم «فليكن الأول من أيلول 2020، محطة انطلاق للبنان جديد، حيث المواطن هو الملك وليس زعماء الطوائف: دولة حديثة تستجيب لانتظارات الشعب وتطلعات شبيبتنا الذين هم مستقبل البلد».
وردّ ماكرون بكلمة قال فيها «نحن هنا لمناسبة ذكرى هامة نحيي فيها مئوية لبنان الكبير، وهي تصادف بعد أيام قليلة من الإنفجار الرهيب الذي وقع في 4 آب المنصرم، وكان بمثابة صورة معبرة عما كان يحصل منذ زمن بعيد. لقد ذكرتم عبارات الجنرال غورو، لمناسبة إعلانه دولة لبنان الكبير: امل وافتخار. ولكن في هذه الكلمة المختصرة التي قالها يومها، كانت هناك دعوة لكل احد لكي يترفع فوق مصالحه الخاصة. وكانت هذه الدعوة لوحدها بمثابة الفكرة الأساسية لكلمته. وهي دعوة لما تزل حديثة بما تحمله من عبر وقسوة».
أضاف «أنا لا أعرف ما ستحمله الأسابيع والأشهر المقبلة، لكنني أعرف أمراً واحداً فحسب، وهو أنه إذا لم تتحقق هذه الدعوة للترفع فوق المصالح الخاصة، ولو بعد مئة عام على إطلاقها، فإنه سيكون قد تمت خيانة الوعد، لأن بلدكم هو بحد ذاته وعد لنفسه، كما أنه وطن شقيق وصديق لوطننا. وهذه الصداقة لا تتم المصادقة عليها من خلال تواريخ والتزامات ومصائر متقاطعة فحسب، ولو كان كل ذلك في غاية الأهمية، من خلال مصير العديد من النساء والرجال، في حقول الفن والفكر المعاصرين أو السابقين، إضافة الى العديد من المستثمرين الحاليين منهم والسابقين أيضاً. إنما هناك أكثر من ذلك في الرسالة التي يشكلها لبنان وهو في قلب فرنسا: عشق غير مشروط للحرية وتعلق بالمساواة بين المواطنين، إضافة إلى ارتباط بما نسميه تعددية، وهو يعني في العمق الاعتراف انه إذا ما قررنا أن نكون مواطنين في دولة واحدة، أياً كانت عائلتنا وأياً كان ديننا وأياً كانت مصالحنا، فإننا قبل أي شيء مواطنين في هذا البلد، وفق رابط يجمعنا بما هو كوني له الاعتبار الأول»
ورأى أن «هذا ما يجعل، اليوم خصوصاً، وتحديداً في هذه المنطقة بالذات، رسالة لبنان ترتدي أهمية أكثر مما كانت عليه قبل مئة عام، لأنكم، من دون أي شك، آخر من يحمل هذا الإرث. وأن ينجح ذلك اليوم من قبلكم، في وقت ربما لم ينجح من قبل آخرين قبلكم وفي ظروف أسهل، فسببه أنتم لأنكم أنتم تحققون ذلك وفي ظروف أشد قسوة تبلغ حد المستحيل».
وأكد «أننا سنكون هنا، وفق الصداقة عينها وروح الأمانة وحدها: أمانة في هذا التاريخ وما يجمعنا من خلاله، وفق التزام بالسيادة والعشق غير المشروط للحرية»، وختم «هذا ما رغبت في قوله لكم في هذا اليوم، الذي هو بمثابة احتفال، ولكن أرجو من كل قلبي أن يشكل بداية لعصر جديد».
وبعد الغداء، غادر الرئيس الفرنسي قصر بعبدا وودعه الرئيس عون عند المدخل الخارجي للقصر..