الخوف على الدولة وزوال لبنان…
} منجد شريف
ما زالت الأزمة مستمرة منذ ما يربو عن العشرة أشهر، وتحديداً منذ السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩، تاريخ «الهبّة» الشعبية الكبيرة بوجه السلطة الحاكمة بكلّ مكوّناتها ومتفرّعاتها جراء فشلهم جميعاً في ثني الفساد والنهب عن إدارات الدولة ومرافقها الحيوية. تلك «الهبّة» الشعبية الصادقة التي سرعان ما تبوتقت وتفرّعت وتنوّعت الى أن اضمحلت بسبب غياب القيادة والبرنامج، وكانت هَبَّة حقيقية في الأيام الأولى تحاكي هموم الناس وأوجاعهم وقلقهم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، الى أن ركبتها خفافيش الليل وشيطنتها، وأخذتها بعيداً عن مراميها وأهدافها، وركبتها الموجات من كلّ حدب وصوب، وجرى عناوينها، واستغلت، وباتت كلّ جهة تبحث عن تصفية حساباتها تحت غطائها، فضاعت بوصلتها، وتشتت مسيرتها، وغابت الفكرة الأساسية لها، وتحت جنح الظلام، استغلَّ كبار القوم من السياسيين والقيّمين على المصارف غطاءها، فحوّلوا ما تبقى من دولارات الى الخارج، تلك الدولارات كانت لو بقيت، لأفسحت المجال للصغار بالحصول على مدّخراتهم، فانطبقت على جمهور الحراك مقولة «على نفسها جنت براقش»، وعوضاً عن أن تكون الدولارات الستة الإضافية على «الواتس آب» مادة للغضب، كانت فتيلاً أشعلت الأسعار في كلّ حاجياتنا اليومية التي صارت مصدراً لألف غضب وغضب، لكن بفارق أن لا غطاء لأيّ غضب كي يغيّر من واقع الحال بشيء، وبالتالي بات اللبناني البسيط فريسة السيناريوات المتشعّبة للمستقبل الإقتصادي الأسود، او الانهيار الكامل كما يحلو للبعض تسميته…
لقد ضاعت حقوق الجميع من الجميع، ومعهم ضاعت لقمة عيشهم، ففي بلدٍ مثل لبنان حتى الفقر له انقساماته العمودية، فقير شيعي وفقير سني وفقير ماروني وفقير درزي وغيره، من حراك سمّي «ثورة» لاستغلاله في أهداف سياسية، الى اصطفافات ومحاور وعناوين سياسية بعيدة كلّ البعد عن العنوان الرئيس، ألا وهو لقمة العيش، وعدنا كما في كلّ «هباتنا» الى الفوضى في كلّ شيء، فلم تنفع إشارات الأبواق الإعلامية إلى الجمهور من أجل ثنيه عن النزول الى الشارع، في محاولة بائسة قبل انكشاف مصائب الهندسات المالية وارتداداتها على الاقتصاد، وانعكاسها الذي بدأت تباشيره بسعر الصرف، ليتجلى أكثر فأكثر بعد هروب الدولارات في أكثر من سوق للصرف، في أرقام جهنمية جعلت من أسعار السلع ناراً حقيقية نكتوي بها يومياً، فعند كلّ صعود للدولار في السوق السوداء يقابله صعود في الأسعار، بينما عند كلّ نزول لا يقابله عودة نزولاً لأسباب معللة عند المحال والتجار والفكرة منها حماية رأسمالهم من التآكل تحت وطأة هذا التلاعب في سعر الصرف، وغياب الاستقرار، ووسط هذه الزحمة من المشكلات، ما زالت الطبقة السياسية بكلّ مكوّناتها لا تستشعر خطورة الأزمة وضبابيتها ومستقبلها الأسود، الذي لاحت تباشيره في التمهيد الى رفع الدعم عن المشتقات النفطية ما يعني انعكاساً جديداً على تنقلاتنا وإنارتنا، وعلى الرغيف والدواء، وإيجار المنازل والمحال، مستقبل أنذر منه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بقوله: اختفاء الدولة وزوال لبنان، ولاقاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالقول: «للمرة الأولى أنا خائف على لبنان»…
المطلوب اليوم من كلّ الطبقة السياسية حس كبير بالمسؤولية، لأنّ الحاضر قبل التاريخ لن يرحم أحداً منهم، وكلّ ما جنته أيادي البعض منهم من فساد ونهب سيرتدّ عليهم هباء وويلات، فإذا ما تمّ رفع الدعم عن السلع الأساسية ستهبّ موجة من المجاعة لن تبقي ولن تذر، وعلى كلّ السياسيين من كلّ الأحزاب والطوائف أن يعوا خطورة المرحلة وحساسيتها ودقتها، وأن يعملوا على حكومة وطنية، تغلب خطورة المرحلة على الحسابات الشخصية الضيّقة، قبل أن تضيع كلّ الحسابات، حكومة جدية تعمل على الإصلاح ليل نهار في كلّ ما أفسده الفاسدون وتفنّنوا به منذ ثلاثين عاماً، في الكهرباء والإدارة، وفي كلّ المرافق الحيوية، والأبرز في فرملة الانهيار الشامل، لأنّ المرحلة لم تعد تحتمل هذا الترف في استعمال الوقت، وهذه الحكومة يجب أن تغطى من الداخل والخارج، وتعمل على إعطاء الهمّ المعيشي أولوياتها، وتكون قراراتها قابلة للتنفيذ، وبرضى كلّ الأطياف، وإلا فمصير الدولة برمّتها الى الزوال كما حذر الوزير الفرنسي، وعندها ستكون ثورة حقيقية ستأتي على كلّ شيء، وسيعلم الجميع من أين ستبدأ، لكن لن يعلم أحد إلى أين ستصل…