آتيةٌ ساعةُ الندم لـ«الإسرائيليّ» المسعور
جورج كعدي
يزيّن «الإسرائيليّ» الموتور والمسعور لنفسه أن قرصناته الجويّة الإرهابيّة الغادرة هي محض انتصارات وإنجازات محقّقة لمصلحته بالكامل، في حين أنّ لها وجهاً آخر تعميه أحقاده المريضة عن إبصارها والتحسّب لأخطارها، وهذا ما يمكن مراجعته واستعادته على مدى تاريخ الصراع معه، داخل فلسطين المحتلّة وخارجها، للتأكّد من أنّ الفعل «الإسرائيليّ» لم يمرّ يوماً، طال الزمن أو قصر، من غير ردّ قد يكون غالباً أقسى من الفعل نفسه مقروناً بالغضب والإيمان وطلب الشهادة. ورغم ذلك يرفض هذا «الإسرائيليّ» الأرعن تبديل نهجه في إدارة الصراع ويمضي في توليد الفعل وردّ الفعل، مدفوعاً بطاقة الإجرام والقتل والغدر التي لا يملك سواها مبرّراً ووسيلة وعلّة لوجوده… الغدر والاغتيال واللؤم والحقارة، والمزيد من ذلك دوماً، منذ النشأة السرطانيّة في جسد الأمّة وحتى الساعة.
قراءتي الذاتيّة لحادث الجولان مبنيّة هنا على الحدس والاستنتاج والاستقراء المستند إلى تراكم الوقائع، حديثها وقديمها، ولعلّ اللقاء التلفزيونيّ المهمّ مع السيّد حسن نصرالله عبر شاشة «الميادين» هو أبرز تلك الوقائع الحديثة.
لا يمكن، أوّلاً، فصل حدث القنيطرة، توقيتاً على الأقلّ، عن كلام الأمين العام للمقاومة، الذي أصاب على مألوفه مقتلاً في المعنويّات «الإسرائيليّة» عسكراً وسياسةً واستخبارات، المنهارة منذ عام 2000 والمثبّت انهيارها عام 2006 لو تذكّرنا وتذكّر المكابرون على الانتصار المظفّر «لجنة فينوغراد» التي حاكمت «أبطال» الهزيمة النكراء وجادلتهم في أسبابها. لذا، لم تعد «إسرائيل» تحتمل منذ عقد ونصف عقد من السنين الشعور المستمرّ بالعجز والمهانة، ولم تعد تطيق كذلك سماع تحدّيات سيّد المقاومة في لبنان ووعيده، لكونها لا تمتلك سوى الغدر الجبان من الجوّ أي بعيداً عن ساحات المواجهة وسيلة للردّ واسترداد شيء من المعنويّات ونفخ العضلات أمام الرأيين العامّين، الصهيونيّ في الداخل، والغربيّ والعربيّ الخائن في الخارج، سوى إنجاز عمليّة نوعيّة تحقّق لها ذلك كلّه. ولا ريب في أنّ «الصيد» الجبان والحقير كان ثميناً هذه المرّة، بغضّ النظر عن انعكاساته المعنويّة والعسكريّة على المقاومة وهي إيجابيّة وغير سلبيّة لناحيتي إضرام شعلة المقاومة، دائمة الاشتعال أصلاً، وشحن مقاتلي المقاومة وجمهورها بمشاعر إضافيّة من الغضب والاندفاع نحو التضحية والقتال والاستشهاد، وتذكير القيادة بلؤم هذا العدوّ وظروف غدره كي تحتاط أكثر وتتّخذ تدابير الحماية التي تقيها مستقبلاً ضربات مؤلمة مماثلة.
كلام السيّد حسن نصرالله أرعب «الإسرائيليّ»، ثانياً، في نقطتين جوهريّتين، أولاهما أنّ الجولان وجنوب لبنان وسائر نقاط المواجهة مع العدوّ هي بعد اليوم مسرح طبيعيّ ومشروع لأعمال المقاومة بأشكالها كافّة، وثانيهما أنّ المقاومة ستردّ على أيّ عمل يقوم به الصهاينة ضدّ سورية، وهذا موقف جديد وإعلان مستجدّ أحدث «نقزة» لدى العدوّ المتعجرف، عسكراً وسياسيّين واستخبارات، فاستعجل توجيه الرسالة إلى المقاومة اللبنانيّة وسيّدها لإيهام الجمهور «الإسرائيليّ» بأنّ «دولتهم» ما انفكت قادرة على المبادرة وأنّها تملك اليد الطولى التي تضرب وتوجع وتسجّل الأهداف، وساعدها ويا للأسف عاملان، استخباريّ لا يزال غير محدّد الجهة والتوقيت، وربّما بعض التراخي الأمنيّ من قِبل المقاومة وإيران معاً في حدث القنيطرة، ما سهّل لـ«الإسرائيليّ» عملية غدره الجويّ الجبانة.
شاء القدر، ثالثاً، أن تطول الرسالة «الإسرائيليّة» الجانب الإيرانيّ، والمرجّح أن «إسرائيل» هي أوّل المتفاجئين بعد العمليّة بوجود العسكريّ الإيرانيّ الرفيع مع المجموعة المستهدفة، ما يجرّ عليها في المرحلة المقبلة غضباً وردّاً مزدوجين، من حزب الله وإيران معاً، بالتكافل والتضامن اللذين هما فيهما منذ نشأة المقاومة الإسلاميّة في لبنان بدعم إيرانيّ صريح وعلنيّ وثابت. لذا على «إسرائيل» أن تحتسب منذ اللحظة الراهنة لأكثر من ردّ وعلى أكثر من جبهة وجبهة وموقع، لأنّ غضب الله سينزل عليها من «حزب الله» حتماً، ومن الجمهوريّة الإسلاميّة التي ترعب «إسرائيل» إقليميّاً ودوليّاً وتهدّدها لا عسكريّاً فحسب، بل وجوديّاً وكيانيّاً في المقام الأوّل.
النتيجة السلبيّة الفوريّة التي جرّتها «إسرائيل» على نفسها، رابعاً، أنّها بغدرها الحقير والجبان تهين «إسرائيل» الحقارة والجبن لا العكس ثبّتت بحماقة موصوفة، من حيث تدري أو لا تدري، ومن حيث شاءت أو لم تشأ، جبهة الجولان المفتوحة منذ الساعة للعمل المقاوم المشترك، وكرّست بعملية الاغتيال ما كان العسكريّ الإيرانيّ الرفيع وكادر حزب الله المنذور أصلاً للشهادة ماضيين لتكريسه وتنسيقه والإعداد له، فأعطت العمليّة دفعاً لهذا التكريس وزخّمته وسرّعته وجيّشت المقاومين له إذ بات حلمهم جميعاً الذهاب للقتال والمقاومة على أرض الجولان توازياً مع أرض الجنوب وشبعا والجبهة الشرقيّة كلّها التي أضحت جبهة واحدة لا تمييز فيها ولا انفصال، وبذلك يتحوّل الفعل «الإسرائيليّ» عملاً غبيّاً بامتياز، خلفه سعور وتوتّر وفقدان صواب، وتفوق سلبيّاته إيجابيّاته للعدوّ المتغطرس في المقبل من الأيّام، وسيندم ندماً شديداً ساعة الردّ والحساب واندلاع نار جهنّم في وجهه.
تمنٍّ خاصّ منّي، ضنيناً بالمقاومة وحريصاً عليها، أن تعتمد قياداتها ومقاتلوها الأبطال أقصى درجات الحيطة والحذر في الظهور والتنقّل والعمليّات، إذ تواجه هذه المقاومة البطلة عدوّاً غدّاراً جباناً مجرماً لا يرعوي عن ارتكاب أجبن الأفعال وأحقرها، مدعوماً من عملاء خونة صغار النفوس ومن استخبارات أميركيّة وغيرها تمدّه بالمعلومات الأمنيّة والعسكريّة على أنواعها. إنّه عدوّ لئيم ينبغي التعامل معه بدقّة وحذر تامّين، ففي سجلاّت غدره الكثير من الاغتيالات لقيادات فلسطينيّة ولبنانيّة وسوريّة، ولعلماء عراقيّين وإيرانيّين، وآن للجميع بعد تلك التجارب كلّها أن يبذلوا المستحيل لتلافي غدر العدوّ السفّاح والدنيء وتفويت الفرص عليه ومنعه من الفوز بصيد ثمين كذاك الذي فاز به بالأمس في أرض القنيطرة العزيزة.