للدول الغربية نوازع مبدّدة لطموحاتنا…
} د. جمال شهاب المحسن *
على الرغم من هول الكارثة التي أصابت لبنان نتيجة انفجار مرفأ بيروت، وما خلّفه من ضحايا، ومن دمار مرعب طال معظم أنحاء المدينة، فإنّ الأحداث السياسية تسارعت، وتداخلت بين ما هو داخلي وما هو خارجي.
انّ انفجار مرفأ بيروت عشية مئوية «لبنان الكبير»، أعاد الفرنسيين بالذاكرة مائة عام الى الوراء، وقت أعلن الجنرال هنري غورو «دولة لبنان الكبير» في الأول من أيلول عام 1920. وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكتشف ضالته، فشدّ الرحال مرتين إلى لبنان واضعاً الزيارة في خانة التضامن مع لبنان بمواجهة الكارثة، ومحتفلاً في الوقت ذاته بمئوية الإعلان الفرنسي بما انطوى عليه تاريخياً من انتداب واستعمار ونفوذ.
جاء ماكرون الى لبنان، ودخل من بوابة التضامن مع اللبنانيين ومساعدة لبنان الذي يرزح تحت دمار انفجار كارثي. ولأنّ حجم الكارثة كبير، تفتحت أمام ماكرون بوابات أخرى هي مقصده، فمكّنته من التأثير للدفع باتجاه حكومة لبنانية جديدة، في حين غضّ اللبنانيون الطرف عن هذا التدخل الفرنسي في شؤون لبنان، لاعتبارات عديدة منها المتصل بحجم الكارثة، ومنها المتصل بأخطار كبيرة تذكّر اللبنانيين بالقرون الأربعة ظلماً وقهراً وجوعاً واستبداداً.
لا شك أنّ الرئيس ماكرون مارس السطوة الانتدابية في العديد من مواقفه، التي تصل الى درجة فرض الإملاءات، وتأكيده على أنه سيتابع مسار التنفيذ، إلا أنه غلّف ذلك بشطارةٍ «دبلوماسية» وبخداعٍ دعائي في «العلاقات العامة».
إنّ نجاح ماكرون في التأثير، هو نتيجة واقع لبناني هشّ، نشأ بفعل حروب إعلامية مسمومة آثرت تزوير الحقائق والوقائع واستخدمت فيها مجموعات من الكومبارس تحركهم غرف عمليات سوداء، ما يظهر حجم التحدي الكبير الذي يواجه لبنان.
هنا لا بدّ من ربط الماضي بالحاضر وتسليط الضوء على الترابط التاريخي المتواصل بين منطلقات الدول الغربية ونوازعها المبدّدة لطموحاتنا الوطنية والقومية والإنسانية، بواسطة الرياء والخداع والقفّازات والأقنعة… وبواسطة العداء في أحايين كثيرة.
ما أشبهَ اليوم بالأمس القريب والبعيد، فكلّ هذا الاهتمام الفرنسي بلبنان لا ينسينا عبارة غورو الشهيرة «ها قد عدنا يا صلاح الدين» وذلك في بداية الاستعمار الفرنسي على أثر معركة ميسلون واستشهاد العدد الكبير من المواطنين السوريين على رأسهم وزير الدفاع السوري البطل يوسف العظمة.
وهنا لا بدّ من التركيز على تحدي الغزو والتدخل الأجنبي في بلادنا ومراميه وأهدافه الحقيقية والذي يتمثّل حالياً بالمصالح الأميركية والفرنسية والغربية ومصلحة الكيان «الإسرائيلي» المجرم .وقد لفتنا تأكيد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مؤتمر صحافي أنّ الإدارة الأميركية تعمل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقال: «لدينا نفس الأهداف في لبنان والسفير ديفيد هيل كان في بيروت قبل أسابيع والتقى العديد من الزعماء اللبنانيين»، مشيراً الى أنّ «الأمور ليست على طبيعتها في لبنان ولن تكون كما في السابق»، ومعتبراً أنّ «الخطر هو أنظمة الصواريخ، والصواريخ الموجهة بدقة التي يمتلكها حزب الله في الجنوب. لذلك فإنّ نزع سلاح حزب الله أكبر التحديات»، وهذا ما يؤكد بأنّ الموضوع الرئيسي عند بومبيو وأمثاله هو أمن «إسرائيل». وهذا هو فحوى التدخل الأميركي الميداني الوقح في الشؤون الداخلية اللبنانية الذي يتولاه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر واجتماعاته بما يُسمّى «منظمات المجتمع المدني اللبناني» يتكشف يوماً بعد يوم دورها وارتباطاتها بالدول والسفارات والمخابرات الأجنبية…!
*إعلامي وباحث في علم الاجتماع السياسي