مرويّات بحجـم الأمـة
} الأمين سمير رفعت رئيس المجلس القومي في الحزب السوري القومي الاجتماعي
بلباقة شديدة، وقاسية أحياناً، ينقل إليك الأمين الجزيل الاحترام لبيب ناصيف معاناته في تقاعس البعض الكثير من الأمناء والرفقاء والرفيقات أيضاً، بالكتابة إلى صفحته المميزة في البناء، والتي تحمل اسم «مرويّات قومية»، والتي اعتَبَرَها – وهو مُحقّ – مهمة بحجم الأمة…
حضرة الأمين.. لقد استطعت أن تنقل إليّ هذا الهاجس – المعاناة، وقد أصبح هاجسي فعلاً.. حتى أني ألمس فرحك الغامر حين تنقل إليّ خبر استجابة بعض الأمناء والرفقاء في الكتابة، كالأمين الحبيب فاروق أبو جودة، إذ إنّه يؤرّخ التاريخ الحزبي في الزلقا وجل الديب.
شكراً جزيلاً لك وللرفيقة أروى التي تتكبّد معاناة تفسير وتفكيك الخطوط التي قد تشبه في بعض الأحيان وصفات الأطباء.
تحية الحياة
* * *
وليس لنا من عدوّ….
إلّا اليهود
التزاماً منّي بتوجيه الأمين ل. ن أسرد حادثة حضور الرفيقين عاطف الدنف وسمير خفاجة وعائلتيهما إلى دمشق تنفيذاً لقرار رئاسة الحزب، وذلك بعد خروجهما إلى الحرية من معتقل أنصار بعد عملية الخروج الكبير التي خطّطها وقادها الرفيق عاطف الدنف. وكان عليّ أن أستقبلهما في دمشق وأؤمّن لهما مكاناً للنوم، وأسهر على راحتهما مع زوجتيهما وابنة الرفيق سمير خفاجة.
موعد اللقاء في دمشق كان فندق أمية، وكنت بانتظارهما مع زوجتي الرفيقة هدى، حيث أوصلتهم سيارة تابعة لعمدة الدفاع عبر الخط العسكري الذي كان يربط الشام بلبنان لاغياً مفاعيل سايكس – بيكو ولبنان الكبير والصغير.
استقبلت العائلتَين أمام باب فندق أمية، وهممنا بالدخول لتناول طعام الغداء ثم الانتقال إلى المنزل الذي كانت العائلتان ستقيمان به، وهو منزل الأمينة ماري شهرستان في منطقة دمّر.
جلسنا إلى طاولة الغداء بعد الترحاب الذي يستحقّه هذان البطلان عاطف وسمير.. وما أن بدأنا الطعام حتى لفت نظري أنّ الرفيق عاطف يقوم بقطع قطعة اللحم في صحن زوجته الرفيقة مي منصور الدنف، وقد شعر الرفيق عاطف بأنّ هذا التصرف لفت نظري، فقال لي مبرراً: حضرة الأمين، الرفيقة مي أُصيبت بشلل نصفي بعد فشل عملية الاختطاف للجنود الصهاينة، والتي قادتها مع مجموعة من الرفقاء توقّعاً منها أنها تستطيع مبادلة هؤلاء الجنود اليهود بي وأنا في الأسر، ولكن دولة الاغتصاب فضّلت بقائي في سجنها على أن تعيد جنودها المخطوفين… وبعد فشل العملية ونتيجة حزنها الشديد، أُصيبت الرفيقة مي بالشلل، لذلك فهي لا تقوى على قطع قطعة اللحم فعذراً على تصرّفي.
بعد الغداء، اتجهنا إلى منزل الأمينة شهرستان في دمّر الجديدة، لإيصال الرفيقين وعائلتيهما ليأخذا قسطاً من الراحة، ووعدتهما بأن أزورهما مساء وإحضار بعض ما يمكن أن يؤكل للعشاء مع ماء للشرب، لأن المنزل غير المستعمل لم يكن فيه ماء.
مساءً، توجّهت وزوجتي إلى مقصف الجلاء في شارع المزة القريب من منزلي، وكنت لا أملك إلّا 15 ليرة. سألت المسؤول عن البوفيه عمّا يمكن أن أشتري بهذا المبلغ الزهيد، فقال لي: ست لفافات من اللبنة، أخذتها وأنا أهرول إلى السيارة حيث تنتظرني زوجتي الرفيقة هدى، لننطلق إلى دمّر وملاقاة الرفيقين عاطف وسمير وعائلتيهما…
فسألتني زوجتي: ماذا أحضرت لهما للعشاء؟ أجبتها بكثير من الفرح: ست سندويشات لبنة… نظرت إليها، فوجدت عينيها قد اغرورقتا بالدمع… قالت لي: لو كان هذان البطلان من حزب أو تنظيم آخر لأقيم لهما تمثالان، وأنت فرح بسندويشة لبنة تحملها لهم… أجبتها: هذان الرفيقان قد برّا بقسمهما، ومارسا البطولة المؤيدة بصحة العقيدة.. وإنّ كلّ ما فينا هو للأمّة، ولا أعتقد أنهما ينتظران جزاءً على ذلك، لقد دفعت كلّ ما في جيبي ثمناً لهذه السندويشات.
الرفيقة مي منصور غادرتنا مؤخراً، لأنها تريد أن تكون إلى جانب زوجها البطل الشهيد عاطف الدنف «ثائر» الذي خطّط وقاد عملية الخروج الكبير، وقد قالت لي الرفيقة مي مرة أنّه أعاد مشاهدة الفيلم الأميركي «الخروج الكبير» عدة مرات، وكان يقول لها: يا رفيقة مي لو أُسرت فسأخرج بهذه الطريقة.. وهكذا كان. عاطف ومي.. البقاء للأمة دائماً.