المقاومة تردّ بالصمت المرعب… و«إسرائيل» كمن تربّص لأن يُصفعا قائد الجيش في عرسال… ومساعٍ في عين الحلوة لإخراج المولوي

كتب المحرر السياسي:

فيما شهد اليمن تكريساً لنهاية الحقبة السعودية بإعلان الرئيس اليمني منصور هادي عن التوصل إلى اتفاق على تعديل الدستور اليمني، بما يراعي الطلبات التي أعلنها زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، ومنح تياره وتيار الحراك الجنوبي بموجب هذه التعديلات ميزات تتيح شراكتهم الكاملة في القرار الأمني والسياسي والاقتصادي والعسكري، وترجمته بتعيينات قيادية في كلّ مؤسسات القرار المتصلة، كان مجلس التعاون الخليجي يسلّم بالتغيير الجديد، ويعقد اجتماعاً خاصاً باليمن ويقرّر إيفاد مبعوث إلى صنعاء مشترطاً انسحاب المسلحين التابعين للأنصار من محيط المقرّ الرئاسي، وهو ما كان قد تضمّنه الاتفاق.

بدت صنعاء مثل بيروت وهي تخرج من السابع من أيار عام 2008 وتذهب إلى اتفاق الدوحة، مع فارق جوهري هو أنّ عملية العشرين من كانون الثاني في صنعاء انتهت بتعديل دستوري يعني تتويج الشراكة بصورة مختلفة عن التسوية الهشة التي أنتجتها الدوحة لبنانياً، وبدا أنّ الحاصل هو تكريس سيطرة الأنصار في مقابل حياد الجيش على القرار الأمني والعسكري في اليمن، الذي يشكل قلب الخليج السكاني والجغرافي، وهذا يعني أنّ الحرب على «القاعدة» ستخرج من الازدواج الذي عاشته في الحقبة السعودية، وبالتالي لن يتحوّل التغيير اليمني إلى سبب لتأزم مع واشنطن كما تخيّلت الرياض، فكان أقصى سقوف التدخل الأميركي، إرسال بوارج لنقل الدبلوماسيين عند الحاجة، ومواصلة الإعلان الرسمي عن قرب التوصل إلى التفاهم النووي مع إيران، من جهة، والتمسك برفض فرض عقوبات جديدة عليها في المقابل، والذهاب من جهة أخرى إلى بيان رفع عتب في مجلس الأمن الدولي يؤيد الرئيس وشرعيته من دون أي موقف عملي عدائي للأنصار.

الرهان على انهيار التفاهم الأميركي ـ الإيراني، كان محور الهمّ السعودي كما بدا من أحداث اليمن، ولذلك تخيّلت الرياض أنّ سيطرة الحوثيين على صنعاء ومقرّ الرئاسة فيها سيتسبّبان بتوتر إيراني ـ أميركي نظراً إلى العلاقة الخاصة التي تربط الحوثيين بإيران، من جهة، والسعودية بأميركا من جهة أخرى.

واشنطن الصمّاء لاستغاثات حلفاء والعمياء عن استفزازاتهم، لم تكن أفضل حالاً مع «إسرائيل» من حالها مع السعودية، حيث أجمعت التحليلات «الإسرائيلية» والأميركية والعربية، على أنّ «إسرائيل» راهنت على توتير عسكري أمني مع إيران وسورية وحزب الله، لاستدراج مناخ توتر ينعكس سلباً على المفاوضات الإيرانية ـ الأميركية، سواء بصدور مطالبات أميركية لإيران بالامتناع عن الردّ، أو ما يسمّيه الأميركيون «استعمال النفوذ لدى حزب الله لممارسة ضبط النفس»، أو اتهامات إيرانية لواشنطن بالتواطؤ، في العدوان، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فاضطرت «إسرائيل» إلى شبه اعتذار عن سقوط الجنرال في الحرس الثوري، عليّ الله دادي في الغارة «الإسرائيلية»، وكان الرئيس نبيه بري من الذين وصفوا الغارة «الإسرائيلية» بالخطأ الاستراتيجي في المشاغبة على التفاهم الأميركي ـ الإيراني الذي صار منجزاً ودخل في مرحلة التسويق.

بقيت قيادة كيان الاحتلال تحت وطأة الانتظار القاتل، فيما كانت المقاومة تواصل تشييع شهدائها وتدرس خياراتها وتلتزم الصمت المرعب، الذي أحال الحياة «الإسرائيلية» جحيماً لا يُطاق كما وصفته القنوات التلفزيونية «الإسرائيلية» المختلفة حيث شلل حركة السير في المدن، وجمود في الأسواق وكثير من السكان يلازم المنازل.

بدت «إسرائيل» كأحدب ابن الرومي الذي وصفه في شعره، ببيتين قال فيهما: «قَصُرَتْ أَخَادِعُهُ وغار قِذَالُهُ فكأنه مُتَربِّصٌ أن يُصفَعا، وكأنما صُفِعت قَفاه مَرّةً وأحسّ ثانية لها فتجمّعا»، فكان كلّ شيء في حال ضمور وانكماش وقلق وتربص، فغار الرأس في الجسد يختبئ من الصفعة التي فتحت الذاكرة على ما مضى من صفعات لم تتعافَ منها «إسرائيل» بعد.

لبنان الذي وقف كمثل أفضل الوقفات مع مقاومته، حيث كان الأصدقاء يعلنون مساندتهم التفويض المطلق للمقاومة، وتقدمهم النائب سليمان فرنجية بكلام مباشر وواضح بدعم كلّ ما تقدم عليه المقاومة، وبقي الخصوم عند حدود التضامن الوطني، وتجنّب المواقف التحذيرية والتشكيكية، كمثل مرات مشابهة، فبدت المقاومة كما هي فعلاً ضميراً جامعاً لوطنها ومواطنيها.

أما لبنان فلا يزال لليوم الثالث في أجواء العدوان الإسرائيلي على القنيطرة الذي أدى إلى استشهاد ستة كوادر وعناصر من حزب الله وعميد في الحرس الثوري الإيراني. وفيما الجميع ينتظر كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد عناصره يوم الأحد المقبل لتبيّن حجم الردّ على العدوان ومسرحه، سيكون هذا الموضوع موضوعاً رئيسياً في جلسة مجلس الوزراء اليوم.

ولفت أمس تقويم رئيس مجلس النواب نبيه بري للعدوان ألمح فيه إلى التداعيات السياسية والأمنية للعدوان الذي وصفه بأنه خطأ استراتيجي، مشيراً إلى انه غير قابل للإصلاح على المستوى السياسي. ولفت بري بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» إلى «أن ما ارتكبه العدو بحق الإيرانيين جعل إيران على تماس مع إسرائيل»، مؤكداً «أن الإسرائيلي سيكون في مشكلة مع الأميركي»، لافتاً الانتباه إلى «أن الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمسة زائداً واحداً في حكم المنتهي وهو في مرحلة التسويق»، ورأى «أنّ السلوك الإسرائيلي هو ضدّ السياسة الأميركية في ما يتعلق بالجمهورية الإسلامية في إيران».

وكان حزب الله واصل أمس تقبّل التبريكات لليوم الثالث والأخير بالشهداء، وكان من أبرز المعزين رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية الذي قال: «نحن إلى جانب المقاومة في السراء والضراء، ونحن مع المقاومة في أيّ خطوة تتخذها، نقف اليوم إلى جانبها في مواجهة العدو الإسرائيلي»، داعياً إلى ضرورة «أن نبقى متنبّهين كعرب إلى أن إسرائيل هي العدو الأول».

استنفار «إسرائيلي» على الحدود الجنوبية

في غضون ذلك، استمر الهدوء على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة في ظلّ غياب دوريات قوات الاحتلال «الإسرائيلي» المعتادة على طول الحدود بين كفركلا وعديسة، على رغم وضع جيش العدو قواته المنتشرة على طول الحدود مع لبنان في حال استعداد فوق العادة، وتعزيزه لمواقعه بالعديد والعتاد، حيث رُصدت آليات ثقيلة من دبابات ومدرّعات ترابط أسفل تلة آبل القمح إلى جنوب شرق من مستعمرة المطلة، وتزامن ذلك مع تحليق للطيران الحربي «الإسرائيلي» المعادي، فوق مزارع شبعا المحتلة..

«إسرائيل»: «الإنجاز» يتحوّل إلى عبء

أما في «إسرائيل» فقد استمرّت تداعيات العدوان على القنيطرة، وتحوّل من «إنجاز» تغنّت به «إسرائيل» في اليوم الأول إلى عبء انعكس لدى الإعلام العبري والمعلقين في الصحافة المكتوبة.

وكان بارزاً ما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي اعتبرت أنّ «إسرائيل» جلبت لنفسها موجة من العمليات المقبلة، كانت في غنى عنها.

وأشارت الصحيفة في مقالها الافتتاحي إلى أنه عند اختبار نتيجة الفعل «الإسرائيلي» في القنيطرة، لا بدّ من القول إنّ هناك خللاً ما، بل وربما خللين صاحبا وسبقا القرار بتوجيه الضربة، خلل عملاني استخباري، إلى جانب خلل في اتخاذ القرار، ومن شأن ذلك أن يدفع حزب الله إلى توجيه ضربة مضادة، سواء في الجولان أو في الحدود مع لبنان، أو في الخارج.

وتطرقت الصحيفة إلى كلام المصدر الأمني «الإسرائيلي» الرفيع المستوى لوكالة «رويترز» للأنباء والذي أكد فيه أنّ «تل أبيب» لم تكن تقصد اغتيال الجنرال الإيراني، فرأت أنّ «نصف الاعتذار الذي صدر عن مسؤول أمني إسرائيلي لم يخفف من الخلل الأول، بل فاقم منه ومن تبعاته».

قهوجي: سنمنع امتداد الإرهاب إلى لبنان

ووسط هذه الأجواء، أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي «عزم الجيش على منع امتداد الإرهاب إلى لبنان مهما كلف ذلك من دماء وتضحيات»، لافتاً إلى «أنّ سهر الجيش على ضبط الحدود والإنجازات اليومية التي يحققها على صعيد مكافحة الخلايا الإرهابية في الداخل، هي التي حمت وستحمي وحدة لبنان من خطر الفتنة والفوضى».

ودعا قهوجي خلال تفقده الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشرقية في منطقتي عرسال واللبوة، العسكريين إلى «مزيد من الاستعداد والجاهزية لمواجهة مختلف الاحتمالات والتحديات»، وقال: «لبنان لا يمكن أن يتغيّر، ولا يمكن أن يكون جزءاً من الصراع الذي يعصف بالمنطقة، وذلك بفضل ثباتكم هنا وبفضل تماسك الجيش وقوته».

وفي سياق متصل، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد الذي جال مع وفد موحّد من الفصائل الفلسطينية على عدد من المسؤولين، أنّ القيادة الفلسطينية لن تسمح «بأن تكون المخيمات الفلسطينية، ومخيم عين الحلوة تحديداً، ملجأ لأيّ فارّ من وجه العدالة اللبنانية». وقال: «لم نبلغ رسمياً عن وجود أسماء محدّدة إلا بالأمس أول من أمس ، وإننا نتفحّص وننسّق مع الأجهزة اللبنانية المعنية في خصوص هذا الموضوع وملتزمون بالتنسيق الكامل مع القيادة اللبنانية».

وفي هذا الإطار، أكد الناطق باسم «عصبة الأنصار» أبو شريف عقل أن المطلوب شادي المولوي هو داخل مخيم عين الحلوة، داعياً المولوي وكل مناصريه إلى «الخروج من المخيم كما دخلوا، لأنّ أبناء المخيم لا يستطيعون تحمّل هذا الملف». ولفت عقل في حديث تلفزيوني إلى أنّ «فضل شاكر الموجود داخل المخيم هو من أبناء التعمير، والتقيت به بعد أن صرح بما لا نرضى به لأنه يتهجم على وجهاء مدينة صيدا، وعليه أن يلتزم بما تلتزم به سائر القوى».

وعُلم أنّ هناك اتفاقاً بين عصبة الأنصار وحركة فتح على إخراج المولوي ومناصريه من المخيم.

لا تأثير على الحوارات

على المستوى السياسي، لم تتأثر الملفات المفتوحة بالعدوان «الإسرائيلي»، ومنها الحوار الجاري بين حزب الله وتيار المستقبل.

وهذا ما أكدته مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» موضحة أنّ «ملفات تدخل حزب الله في سورية وسلاح المقاومة، وقرار السلم والحرب والمحكمة الدولية تمّ تحييدها»، لكن المصادر أبدت تخوّفها من أن يدخلنا حزب الله في حرب مع إسرائيل في الجولان».

وعليه بقيت الجلسة الرابعة من الحوار في موعدها المقرّر يوم الاثنين المقبل في عين التينة بحضور وزير المال علي حسن خليل، لاستكمال البحث في البند الأول المتعلق بالاحتقان المذهبي، لا سيما لجهة الإعلام واليافطات والشعارات. بالنسبة لرئاسة الجمهورية فقد أعلن عضو الوفد المحاور في تيار المستقبل النائب سمير الجسر أن «الحوار لن يخوض في الأسماء بل سنضع معايير يجري الانتحاب على أساسها».

وأكد «أن المعايير لم توضع بعد، بانتظار طرح هذا الملف في الحوار»، لافتاً إلى «أن الاجتماعات الثلاثة الأولى لم تبحث سوى في الملف الأمني الذي سيستكمل في جلسة الاثنين أيضاً، وربما تتطرق إلى الاستحقاق الرئاسي».

أما على صعيد الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فأكد النائب جورج عدوان لـ»البناء» أنّ الأجواء أكثر من إيجابية والأمور تتقدم بشكل جيد، وانّ الفريقين جديان في التقدم في الحوار». ولفت إلى «أنّ ورقة العمل تنصّ على تطبيع العلاقة بين الطرفين، وهذا ما ظهر جلياً في وقف الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، والعمل على تطبيق الدستور لجهة الانتخابات النيابية وتطبيق اللامركزية، وملف الانتخابات الرئاسية للإتيان برئيس يحقق صحة التمثيل المسيحي».

وشدد على «أن الجهد منكب على إحداث خرق وتقدم في ورقة العمل وفي العلاقة بين الوطني الحر والقوات، أكثر من اللقاء بين الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع».

اليمن: اتفاق بين الرئيس و«الأنصار»

على صعيد التطورات اليمنية، أبرم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اتفاقاً مع حركة «أنصار الله» يتضمّن تعديل مسودّة الدستور وتوسيع مجلس الشورى ووضع آلية لتنفيذ الشراكة، إضافة إلى إقرار خطة أمنية لإنهاء التوتر في مأرب وإطلاق سراح مدير مكتب الرئيس وانسحاب اللجان الشعبية من عدة مواقع.

وأكد الاتفاق أنّ اليمن دولة اتحادية، وتوسيع العضوية في مجلس الشورى خلال مدة أقصاها أسبوع واحد وفقاً لمخرجات الحوار الوطني.

وفي ردود الفعل، دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، أمس، جميع الأطراف الداخلية في اليمن إلى ضبط النفس وتجنّب العنف، مؤكدة أنّ التنفيذ الكامل لقرارات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة يمكنه إعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن.

من جهته، اعتبر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم بالرياض أن ما يحدث في اليمن انقلاب على الشرعية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي.

كما جدد مجلس الأمن الدولي في جلسة مغلقة عقدها حول التطورات في اليمن، دعمه للرئيس منصور هادي.

وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جميع الأطراف في اليمن بوقف القتال فوراً، واتخاذ جميع الإجراءات من أجل تثبيت سلطة الحكومة الشرعية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى