هل يفعلها الرئيس المكلف ويشكل حكومة المصلحة العامة؟
} علي بدر الدين
قد لا ينجح الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب، بتشكيل الحكومة في المهلة المحدّدة بأسبوعين، وفق «الاتفاق» مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والوعد الذي أخذته على عاتقها الطبقة السياسية الحاكمة والرئيس المكلف، لاعتبارات على علاقة مباشرة بنهج الطبقة السياسية المهيمنة المعتمد في تشكيل الحكومات منذ الطائف، القائم على المصالح والتحاصص في العدد والحقائب وتصنيفاتها والتنازع على ما تسمّى بالسيادية، ثم الخدماتية التي تبيض مالاً ومشاريع وصفقات وسمسرات، وغربلة أسماء المحظيّين والمقرّبين والمستشارين، والأهمّ المطيعين المرتهمين وكتاب التقارير لمن سمّاهم وزكاهم، ورفع من قيمتهم وشأنهم وانتشلهم من هامشيتهم وعزلتهم.
لا يعتقدن أحد أنّ تشكيل الحكومات في لبنان سهل وبسيط، وأنّ القرار بيد الطبقة السياسية وحدها، بل له امتداداته الإقليمية والدولية، كما في كلّ الاستحقاقات الدستورية التي لا يمكن أن تحصل دون موافقة شركاء القرار في الخارج على الشكل والمضمون وكلّ التفاصيل المتعلقة بالحدث. وللبنانيين مثال في استقالة أو إقالة حكومة حسان دياب، وفي تكليف السفير أديب والضغط الفرنسي لتشكيل حكومته بمهلة محدّدة تحصل لأول مرة، بالتفاهم مع دول فاعلة ومؤثرة.
لا مؤشرات ولا معطيات توحي انّ تشكيل الحكومة يسير وفق المرسوم له محلياً وخارجياً، بدليل أنّ نصف المهلة صرف في الزيارات والاستشارات والوقوف على رأي هذا المسؤول أو ذاك الذي فوّض نفسه، وادّعى حرصه على الشعب والطائفة والمذهب والدولة والوطن، مع شركاء له في الطبقة السياسية وفي السلطة والتحاصص والفساد والنهب وهم من دمّر البلاد وأفقر وجوّع العباد، من دون جدوى لأنّ هؤلاء اعتادوا على الهدم وليس البناء، وعلى إفشال أيّ مشروع للمصلحة العامة لا فائدة لهم فيه ولا حصة.
الطبقة السياسية اضطرت أو أرغمت على إحناء رأسها عند هبوب العاصفة الدولية وتحديداً الفرنسية، خاصة بعد زلزال إنفجار مرفأ بيروت الكارثي لإظهار براءتها ولو مؤقتاً مما اقترفته بحق الوطن والشعب على مدى ٣٠ سنة وأكثر، وانها حريصة جداً على الإسراع في تشكيل الحكومة وتسهيل مهمة الرئيس المكلف، استجابة للرئيس ماكرون وللمجتمع الدولي ولحاجة اللبنانيين إلى حكومة إنقاذ وضرورتها في مرحلة شديدة بالغة الأهمية والقسوة ومصير البلد برمّته على حدّ السكين.
إنّ الرئيس المكلف فعلاً أمام مهمة صعبة ومعقدة، وقد يحتاج إلى صبر أيوب في تعامله مع الطبقة السياسية التي تمرّست في المماحكة وإضاعة الفرص وهدر الوقت، والنكوث بالوعود والتجلبب بالعفة، والملائكية في كلامها وسلوكها والنطنطة في مواقفها. إنّ باب الضوء الوحيد الذي يمكن أن ينير طريق أديب لإنجاز التشكيل هو الضغط الفرنسي على هذه الطبقة إذا استمر بنفس الجدية وترجمة الحرص الفرنسي على لبنان.
من الخطأ أن يكرّر الرئيس المكلف تجربة من سبقه في الحكومات وآخرهم الرئيس حسان دياب، بأن عوّل على الطبقة السياسية وراهن على وعودها ورمى أوراقه كلها في أحضانها، وانتظر ليأخذ موافقتها ويحظى برضاها وينفذ خريطتها في توزيع الحقائب واختيار الأسماء وعدد الوزراء ولم يتركوا له سوى عنوانها «حكومة مواجهة التحديات» وكانت النتيجة عقماً وفشلاً واستقالة أو إقالة بعد رفع الغطاء عنها. وقبلها سقط العديد من الحكومات لأنها شكلت على أرض رخوة، واستجاب المكلفون لرغبات وأوامر ومصالح هذه الطبقة، التي هي ذاتها التي أوصلت اللبنانيين إلى الواقع المأساوي المخيف الذي يغرقون فيه.
أمام الرئيس المكلف فرصة استثنائية لم تتح لغيره، تتمثل بالموقف الإقليمي والدولي والحرص الفرنسي على تشكيل حكومة قوية إنقاذية مهما كان شكلها واسمها، هذا ما يعطيه قوة وحافزا واندفاعاً لاتخاذ قرار جريء وشجاع، متسلحاً بعناصر القوة المدعومة من أكثر من جهة ليقول كلمته ويشكل حكومته ويقدّمها الى الجهات السياسية المعنية كأمر واقع.
لا ضرر ولا ضرار من مجاملته القوى السياسية احتراماً «لتاريخها وإنجازاتها»، وليقولوا ما يشاؤؤن ويفعل هو كما يشاء ويرى فيه خدمة المصلحة العامة، ولن يخسر شيئاً، بل سيربح نفسه وشعبه الذي هو أحوج ما يكون اليوم إلى جرأته ومواقفه الوطنية التي ستؤسّس لقيام وطن ودولة ومؤسسات عادلة وفاعلة، بعد ان حوّلتها الطبقة السياسية إلى مزارع حصرية لها ولأزلامها، وعائلاتها.
على الرئيس المكلف ألا يخذل وطنه وأهله، ولا يرضخ لأيّ تهديد أو تسويف أو مماطلة أو وعود لأنها باطلة وزائفة. أنّ أيّ موافقة منه على تمديد مهلة التشكيل على الطريقة المعروفة لمرة واحدة، هذا يعني انه وقع بالفخ وسوف يستسهل التمديد تلو الآخر. ويعني أيضاً أنها ستطيح حتماً بالأمل المعلق عليه وبالحكومة ووأدها قبل أن تولد، لأنّ الرهان على استمرار الضغط الفرنسي والموافقة الدولية في غير محله، وقد يكون مؤقتاً ربما لمساعدة لبنان، وخاصة في ظلّ تضارب المصالح الإقليمية والدولية في غير منطقة من العالم وفي أكثر من ملف وتحديداً السيطرة على منابع النفط والغاز.
هل سيفعلها الرئيس المكلف ويشكل الحكومة على طريقته وما يراه مناسباً، ويصبّ في مصلحة البلد، محصّناً بالموقف الفرنسي المغطى مبدئياً إقليمياً ودولياً، ويضع القوى السياسية المحلية تحت الأمر الواقع، ويتحمّل المسؤولية كلّ من يعترض او يعرقل عملية التشكيل أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي. ويدفع ثمن النتائج والتداعيات المدمّرة.