لبنان في مهبّ الريح…
} أحمد مرعي*
الأحداث التي تتوالى فصولاً على الساحة اللبنانية ليست منقطعة عن الأحداث الدائرة في المنطقة، والصراعات حول الإمساك بمفاصل المنطقة المؤثرة على تحديد من يمسك بالقرار الدولي.
من هنا يقتضي أن لا نتعاطى مع الحدث اللبناني بأنه حالة داخلية منقطعة عما يدور حولها، وانّ التوافق الداخلي هو الكفيل بإخراج لبنان من أزماته المتواصلة.
فكلّ ما جرى ويجري في لبنان من أحداث ذات بعد اقتصادي وسياسي واجتماعي واستثمار الحراك الشعبي لأغراض سياسية، بما فيها الانفجار في 4 آب، والاستفادة من الثغرات الكبرى للنظام السياسي اللبناني ما هو إلا محاولات حثيثة هدفها إعادة الإمساك بالساحة اللبنانية لمنعها من التأثير على مسار صفقة القرن وما تنتجه هذه الصفقة من تطبيع معلن مع الكيان الصهيوني، وتغيير هويات المنطقة وتفكيك روابطها القومية ودخولها في نظام «شرق أوسط جديد» يكون الكيان الصهيوني هو القائد والموجه لهذا النظام من أجل استخدامه في تكريس الأحادية القطبية في السيطرة على القرار الدولي.
ولقد ظهرت القوى السياسية اللبنانية أمام حجم ما تعرّض له لبنان من أزمات متنوعة مربكة وعاجزة من تحديد قدرتها على التفلت من هذا التدخل الغربي، الذي أصبح مؤثراً على مسارات التشكيل الحكومي وعلى تحديد خيارات لبنان الأساسية.
صحيح أنّ الفرنسي والأميركي متفقان على توزيع الأدوار بينهما في التعاطي مع الشأن اللبناني، إلا أنّ الغاية الأساسية في مبتغى الدور الأميركي هو حماية الكيان الصهيوني ومدّ نفوذه الأمني والاقتصادي، للضغط على لبنان لترسيم الحدود البحرية والبرية بما ينتقص من السيادة اللبنانية وسرقة ثروات لبنان النفطية عبر هذا الترسيم.
وكذلك إنتاج واقع سياسي جديد يتقبّل مسألة الصلح مع الكيان الصهيوني الذي لم يستطع الاجتياح عام 1982 من تحقيقه، فأسقطت إرادة اللبنانيين الحرة اتفاق السابع عشر من أيار، ويحاولون الآن عبر ما يُطلق عليه الحياد النشط من الداخل تحقيق ما عجز عدوان 1982 عنه، فالأميركي استعان بالفرنسي الذي لديه الخبرة في الساحة اللبنانية والمرونة التي تسمح له بتحقيق ما لا يستطيع الأميركي القيام به، وبكلا الدورين فإنّ الأميركي والفرنسي متفقان حول الأبعاد النهائية لتدخلهما.
ومن المؤسف أنّ الأكثرية النيابية التي انبثقت عن انتخابات العام 2018، لم تستطع إيجاد صيغ لممارسة الأكثرية دورها في تثبيت مناعة لبنان وحصانته أمام التحديات التي تفرض عليه.
فحكومة الرئيس حسان دياب التي انبثقت عن هذه الأكثرية كانت الضغوط عليها من داخل هذه الأكثرية أكثر بكثير من الأقلية النيابية، وهذا يدلّ على الخلل الكبير الذي اعترى وحدة الموقف بين أركان الأكثرية النيابية، وهو ما سمح للفريق الآخر أن يسجل أهدافاً في مرمى هذه الأكثرية ويشكل جسر عبور لما تشهده الساحة اللبنانية اليوم مما يذكرنا بالطاولات الأجنبية التي تتقرّر عليها مصائر الشعوب…
كلّ أكثرية وأنتم بخير.
*نائب رئيس حزب الاتحاد