على ضفاف المحيط الهادر يوم حزم هوشي منه حقائبه
معن بشّور
يروي المغاربة باعتزاز أن هوشي منه قائد الثورة الفيتنامية التي هزمت الاستعمارين الفرنسي والأميركي في الربع الثالث من القرن الفائت قد حزم حقائبه في باريس حيث كان يعمل في أوائل العشرينات من القرن الماضي، وقرر العودة إلى بلاده بعد أن قرأ قصيدة «الملهم» التي كتبها الشاعر الفرنسي اليساري الكبير لويس اراغون عن الأمير محمد عبد الكريم الخطابي خلال ثورة الريف التي قادها في المغرب ضد الاستعمار الفرنسي وأبلى فيها البلاء الحسن.
ويروي المغاربة أيضاً أن «العم هو» قد طلب من الأمير المجاهد أن يوجه رسالة بالعربية عبر راديو الثورة الفيتنامية إلى الجنود المغاربة والعرب والمسلمين الذين كانوا يقاتلون في صفوف الجيش الفرنسي من أجل رفض القتال ضد الثوار الفيتناميين، بل أن أحدهم وهو الجنرال المغربي الحمري قد انضم للثوار وقاتل بكفاءة وشجاعةً ضد الجنود الفرنسيين.
ولا يخفي المغاربة أيضاً اعتزازهم بما سمعوه من قادة الثورة الفلسطينية الذين زاروا الصين في سنوات الثورة الأولى ليكتسبوا من القـائد الصيني الثوري الكبير ماو تسي تونغ فنون حرب العصابات، فقال لهم أحد عمالقة العصر: «أتأتون إلينا وعندكم عبد الكريم الخطابي الذي تعلمنا نحن منه فنون حرب العصابات».
هذا الاعتزاز يفسّر تعلّق المغاربة بكل مقاومة أو ثورة أو كفاح مسلح لا سيّما إذا كان من أجل فلسطين وفي مقاومة العدو الصهيوني.
فالمغاربة هم أول من استخدم تعبير المليونية ليصفوا التظاهرات التي نظموها من أجل فلسطين في انتفاضتها، والعراق في مقاومته للاحتلال، ولبنان في مواجهته للعدوان، بل تجدهم يتحدثون عن رموز ومعارك وبلدات وفصائل لبنانية وعربية بتفصيل مذهل يجهله حتى أبناء البلد المعني ذاته.
وإذا تحدثت عن فلسطين والصراع العربي الصهيوني يتباهى المغاربة بأنّ أجدادهم قد لبّوا نداء صلاح الدين الأيوبي للدفاع عن القدس في مواجهة حروب الفرنجة في نهايات القرن الثاني عشر معركة حطين 1187 ، بل إنه وضعهم في أكثر الأحياء المحيطة بالمسجد الأقصى استهدافاً من قبل جيوش الفرنجة، وسماه باسمهم «حي المغاربة» لأن المغاربة، كما نسب إليه «أسود في البر، بطاشون في البحر، وأني استأمنهم على المسجد وعلى القدس».
في حرب فلسطين 1948 يفاخر المغاربة أن بين أبنائهم شهداء بقوا يقاتلون حتى الرمق الأخير في غزة، وأنهم في حرب 1973 تطوع خمسة ألاف جندي في كتيبة مغربية للقتال في دمشق لتحرير الجولان فاستشهد منهم 170 مقاتلاً على رأسهم نائب قائد الكتيبة العقيد عبد القادر علاّم.
وحين يذكر المغاربة شهداءهم على الأرض العربية السورية فإنهم يبدون تعاطفاً استثنائياً مع سورية التي تواجه أخطر حرب تدميرية عرفتها دولة في العالم، وتجد الكثيرين من مناضليهم ونخبهم يطالبون دولتهم أن تعيد علاقتها مع الدولة السورية وأن تتحمل مسؤوليتها في لعب دور في إطلاق حلّ سياسي يخرج سورية من محنتها، ويعيد لها ألقها القومي ورسالتها الإنسانية.
شهداء المغرب في الجولان، وعلى أرض القنيطرة بالذات، تذكّرهم المغاربة بالأمس حين وصلتهم أخبار استشهاد رجال حزب الله في القنيطرة، فرأوا فيهم صورة جديدة لشهدائهم، وتأكيداً على وحدة المقاومة العربية من المحيط إلى الخليج، خصوصاً أن في المغرب مدينة زاخرة بالنضال اسمها القنيطرة.
وفي أحاديث المغاربة حضور دائم لشهداء المغرب في الثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، فهم مزروعون كجثامين طاهرة على امتداد المغرب عابرين لكل التباينات الأيديولوجية والحزبية والعرقية.
ولقد اتضح عمق الارتباط بين الوطنيين المغاربة والمقاومة اللبنانية، إنه في «أربعينية زياد أبو عين» في قاعة المكتبة الوطنية في الرباط، حين ذكر عبد الرحمن بن عمر المناضل اليساري المغربي العتيق والقانوني البارز والناشط التاريخي في مجال حقوق الإنسان اسم السيد حسن نصر الله في قاعة حاشدة بكل ألوان الطيف المغربي، دوى تصفيق هادر «ذكرّنا بالهتاف الشهير في الخمسينات من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر» وليؤكد لنا أن الوعي الوطني والقومي والإسلامي في المغرب هو وعي عابر للأقطار وللأعراق، للطوائف والمذاهب، وأن كل شيطنة روّج لها الصهاينة وحلفاؤهم والتي رأينا آخر فصل من فصولها في الحملة العنصرية على الإسلام ، بحق رموز وقادة وحركات أصيلة في الأمة لن تصمد أمام بوصلة اسمها فلسطين، وأمام صراع رئيسي هو صراع مع العدو.
في المغرب نقاء يحتاجه الهواء في بلادنا، وصفاء تحتاجه النفوس والخواطر.
المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية