سورية والتغيّرات الاقتصادية… معادلات بتوقيت دمشق
} د. حسن مرهج
بعد سنوات الحرب التي أرهقت سورية والسوريين، ثمة أسئلة بأطر اقتصادية وسياسية يفكر فيها كلّ السوريين في كل مكان، داخل سورية وخارجها؛ فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية أصبحت تضيّق الخناق على غالبية السوريين، وبات لسان حالهم اليومي يُطالب بتعديل هذه الأوضاع الصعبة، حتى أنّ السوريين باتت مقارنتهم تقتصر على واقعهم الذي عاشوه قبل سنة وربما أقلّ، إذ أنّ ما يعيشه السوريين اليوم لجهة الأوضاع المعيشية، قارب مستويات غير مسبوقة، كلّ ذلك كان جراء عوامل اجتمعت في بوتقة الاقتصاد، بعد الفشل الغربي في العناوين السياسية والعسكرية، فالاقتصاد عصب الجميع ومن خلاله يمكن تحريك الكثير من الجزئيات سلباً أم إيجاباً، وهنا لا ننكر إطلاقاً حاجة السوريين إلى واقع أفضل، لكن لابد من مقاربة الواقع وفق أسس منطقية، ونسقطها على جملة من التطورات، والتي ستنتهي إلى حل سياسي يُعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح.
قبل ما يقارب العشرة أيام، وقع الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً بتشكيل حكومة جديدة؛ هي حكومة استثنائية بتوقيت استثنائي، نظراً لتردي الأوضاع التي يعيشها السوريين وغلاء الأسعار الذي أرهق المقتدر مادياً، فكيف رقيقي الحال، وبالتالي فإن هذه الحكومة تحمل وفق توجيهات الأسد شعاراً واضحاً يتمحور حول العمل ثم العمل ثم العمل، للعبور بالسوريين إلى شاطئ الأمان الاقتصادي، ولعلّ هذه المهمة صعبة جراء التدمير الممنهج للاقتصاد السوري، وهنا لن نسرد ما قامت به تركيا وعصاباتها وكذا أميركا وبيادقها «قسد» وغيرهم من العصابات الإرهابية»، فالأمر بات معروفاً للجميع، إذ أن الأرضية التي يقف عليها الاقتصاد السوري، لم تعد قوية إلى الحد الذي يُمكن الاعتماد عليه لجهة النهوض مجدداً بالاقتصاد السوري، لكن في المقابل فإنّ روسيا وإيران وانطلاقاً من تحالفهم مع دمشق، فهم أيضاً لديهم رؤية اقتصادية قادرة على إنقاذ السوريين، ومنع انجرارهم إلى بوتقة الخطط الأميركية، لإحداث حالة من الفوضى في الداخل السوري.
ضمن ذلك، فإنّ سورية ترزح تحت العقوبات الأميركية منذ عقود، وقد لا تكون مؤثرة بشكل مباشر على الاقتصاد السوري، لكنها وعبر السنوات تتراكم لتشكل عائقاً أمام الكثير من المراكز الاقتصادية الحيوية في سورية، لجهة الإصلاح أو التطوير، ليأتي بعد كلّ ذلك قانون قيصر بغطاء إنساني لكن مضمونه إرهاب السوريين، والكثير منهم أدركوا أنّ قيصر يهدف أولاً وأخيراً لإخراج السوريين عن صمتهم، والمطالبة من جديد بإسقاط نظام الحكم في سوريا، لكنهم بذات الوقت ورغم ما يعانيه السوريين، إلا أن وطنيتهم وتمسكهم بالنظام ومؤسساته، كل ذلك يبقى حاضراً، وهم كسوريين لهم الحق بالمطالبة بالإصلاح وتعديل الأوضاع المعيشية، وبلا شك فإنّ الحكومة السورية الجديدة لن تقوى منفردة على النهوض مُجدداً، وهذا ليس بالأمر المُعيب، خاصة أنّ سورية خارجة للتو من أتون حرب لو شُنّت على الولايات المتحدة لانهارت خلال أشهر، لكن صمود السوريين والتفافهم حول قيادتهم السياسية والعسكرية، أنقذ سورية والسوريين من براثن واشنطن وأدواتها الإقليمية.
مؤخراً زار دمشق وفد روسي رفيع المستوى، بعناوين جُلها اقتصادي لأسباب ثلاث:
أولاً– المرحلة الدقيقة التي يمر بها السوريون تحتاج لدعم سريع يقلب الطاولة على الخطط الأميركية، الرامية إلى إحداث شرخ بين الشعب ودولته.
ثانياً– تدرك روسيا أن الانتصار السياسي والعسكري قد تم إنجازه بنسبة تقارب التسعين بالمئة، ولإكمال مفردات هذا الانتصار لابد من إعادة الإعمار وتدعيم الاقتصاد السوري بمشاريع استراتيجية.
ثالثاً– من المُفيد أن نذكر بأن هناك أربعون مشروعاً اقتصادياً روسياً سيتم انجازهم في سورية على مراحل، وبالتالي فإنّ روسيا تُدرك أن ما تضعه في سورية سيكون له امتيازات إقليمية ودولية، وسيعود على روسيا بالمزيد من المكاسب والامتيازات، لا سيما بأن دمشق نسجت خيوط الانتصار وفق المستويات كافة.
وعليه، فإنّ المرحلة القادمة ورغم حساسيتها ودقتها الاستراتيجية، إلا أنّ دمشق وبانتصارها ستجلب العديد من الراغبين للتطبيع معها سياسياً واقتصادياً، لكن ضمن معادلات المنتصرين دمشق وموسكو وطهران، وبالتالي التغيرات الاقتصادية قادمة، وسيكون للسوريين موعداً مع الانتصارات الاقتصادية، ليتمّ معها تعديل معيشة السوريين، والنهوض مجدداً بالاقتصاد السوري، فاليوم تغيرت المعادلات، وسيجني السوريون ثمار صمودهم، فالخطوات التي بدأها الرئيس الأسد بمحاربة الفساد وإصلاح القوانين، وتعديل بعض الأنظمة الاقتصادية، كل ذلك سيكون له الأثر الأكبر في عنوان اقتصادي كبير يدعمه حلفاء أقوياء.