المداورة كيف ومتى؟
يدور النقاش حول ما إذا كان تخصيص وزارة المال لوزير من الطائفة الشيعيّة قد ثبّت في اتفاق الطائف، كما يقول الرئيس حسين الحسيني أم أنه نوقش ولم يُحسَم، كما يقول النائب السابق بطرس حرب والرئيس فؤاد السنيورة؛ لكن الثابت هو ان إسناد وزارة المال لوزير شيعي قد تكرّر في الحكومات الأولى التي أعقبت الطائف وشهد سجالاً وتجاذباً في كثير من الحالات واستقر منذ أكثر من عشر سنوات على التسليم به كتوقيع ثالث مقابل توقيعَيْ رئيسي الجمهورية والحكومة الممثلين لطائفتيهما من ضمن معادلة التوازن بين الطوائف الثلاث الكبرى وتأكيداً على التمسك باستبعاد المثالثة التي تعني توزيع المقاعد النيابية والوزارية على قاعدة ثلث مسيحي وثلثين للمسلمين، وهي صيغة بديلة للمناصفة التي يرد التوقيع الثالث كمتمّم لها.
المبادرة الفرنسية حملت عنوانين رئيسيين، الأول استبعاد قضايا الخلاف لما بعد قيام الحكومة بمهمتها الإصلاحية وفتح الباب لتمويل النظام المصرفي والمالي، والثاني فتح حوار وطني لاحق لهذه المهمة عنوانه الإصلاح السياسي ومن ضمنه فرضية الذهاب نحو الدولة المدنيّة، وخارطة الطريق نحوها سواء بإقرار قانوني انتخاب يقوم على صيغة مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف، أو بالبدء بصيغة المداورة في وظائف الفئة الأولى تطبيقاً لنص المادة 95 بعد تخصيص وظيفة بطائفة. والمداورة في الوزارات، ومن ضمنها وزارة المالية، تجد مكانها الطبيعي لنقاش هادئ بعيداً عن ضغط السرعة المطلوبة لتشكيل حكومة الإصلاح وعزلها عن الخلافات، وبعيداً عن تظهير تشكيل الحكومة كمناسبة للاستقواء على مكون طائفي وسياسي من قبل مكون طائفي وسياسي آخر يمسك بتسمية رئيس الحكومة ويقف خلفه في وضع شروط تشكيلها وأسماء وزرائها تحت عنوان عدم تمثيل أي طرف سياسي، باستثناء الطرف الذي يقوم بالتسمية، لتصير الحكومة حكومة لون واحد، ويُفرض عرف جديد غير مسبوق في تأليف الحكومات يمنح الرئيس المكلف صلاحيات لم يتمتع بها رئيس الجمهورية في صيغة ما قبل الطائف.
أيّهما يعقد المهمة، التساهل لمرة مع ما يعتبره عرفاً فريق لا يملك موقع رئاسة الحكومة مستنداً إلى ما يعترف به خصومه بأنه سابقة متكررة، ودون التسليم به كعرف طالما طريق الحوار حول العقد السياسي الجديد لن يكون بعيداً، أم محاولة فرض عرف جديد يتصل بصلاحيات الرئيس المكلف تنسف اتفاق الطائف ومفهوم الشراكة وصلاحيات رئيس الجمهورية بقوة استغلال ظروف صعبة ترافق تشكيل الحكومة، واستغلال طائفة رئيس الحكومة لتحقيق مكاسب طائفية سياسية تفجر حرباً في ظروف مختلفة، والاستقواء بالمبادرة الفرنسية ورغبة الأطراف بتسهيل الطريق أمامها؟