لبنان الحلقة الأضعف
} لواء العريضي
من داخل لبنان نرى أنفسنا دائماً مركز اهتمام العالم وفي منتصف كلّ العُقَد ولا حلّ لأزمات العالم إلّا عن طريق «الملف اللبناني» ومناصفة القوى الطائفية فيه! فيهب طرف لمجابهة آخر ونخسر شباباً وحلم الوطن عند أيّ استحقاق سياسي. ثم نحتفظ بمعادلة هشّة تخدم الخارج وتفقر الداخل. وبين الداخل والخارج يشحّ الوقود وتتبخّر العملة ويبطل العمل ويزهد الغذاء، وما زلنا نتخبّط لإحقاق المعادلة الهشّة ذاتها.
خارج الفقاعة اللبنانية، نرى اليوم أزمة تركيا واليونان والتدخل الفرنسي الشرس بها، وأزمة فرنسا وتركيا في ليبيا والدور الذي تلعبه مختلف الدول فيها. كذلك أزمة تركيا وأميركا وروسيا في الشمال السوري، والاستثمارات الصينية في المنطقة، ومعاهدات التطبيع الخليجية، والعقوبات الأميركية على إيران والمقاومة وكلّ من يحاول الوقوف أمام المارد الأميركي. لن يكون لبنان جزيرة سلام وبحبوحة كما يظنّ روّاد السلام بحال تسليم الرقبة للغرب. فيبدو أنه سيكون نقطة انطلاق نحو حسم الغرب لملف الشرق الأوسط حيث يصبّ هذا الحسم في مصلحة «أمن إسرائيل وازدهارها» التي اتّكلت على المنظمات «السرية العلنية السوداء» للنيل من المقاومة ونهجها، ومنها التوجه السريع نحو إيران لإخضاعها بما يخدم مصالح القوّتين العظيمتين اليوم.
إنّ الغد لناظره قريب، سيطلّ تشرين الثاني حاملاً معه الانتخابات الأميركية التي يترقبها العالم أجمع لما ستحمله معها من تغيّرات في السياسة الخارجية الأميركية بحال سقوط «ترامب». وحتى ذاك الحين، هناك ملفات دولية يسعى الأخير لإرسائها منها استئصال حزب الله من القرار الرسمي اللبناني وعدم تمثيله بالحكومة، ومعاهدات تطبيع شتّى تأتي كحافزٍ لتقوية حظوظه بالفوز ثانيةً قد تشمل المملكة العربية السعودية…
يلي الانتخابات الأميركية في الربع الأول من السنة المقبلة الانتخابات الرئاسية السورية. والعدّة لمواجهة هذه الانتخابات ستكون جاهزة عند الغرب. حيث يتناسون ما حصل في انتخابات 2014 في السفارة السورية في لبنان، ويعتقدون أنّ مشاركة اللاجئين السوريين في أصقاع العالم الذين «يرزحون» تحت رحمة المنظمات والجمعيات غير الحكومية NGO، تجعلهم قادرين على قلب النتيجة مسبقاً، لتكون عينهم على بيروت ومرفأها كمنصة انطلاق البوارج لعزل لبنان وتطويق سورية والحسم العسكري فيها.
هذا يتطلّب عدم وجود أيّ صوت شرعي لبناني في الحكومة، كما يبتغون اليوم، لمنع استباحة أراضينا وترسيم حدودنا البحرية على هواهم ومواجهة سرقة غازنا، وأدنى قدرة على المقاومة تحت مفهوم الحياد واشتراط النفَس اللبناني مقابل غذائه.
إذا وصلت الأمور إلى هذا الحدّ تتجه الأنظار نحو روسيا وإصرارها على المضيّ قدماً بدعمها للنظام السوري آخذة بعين الاعتبار بيتها الداخلي بالملف الأوكراني وتظاهرات «مينسك» والمعارضة الروسية الداخلية.
وقد تلعب الولايات المتحشدة الأميركية دوراً بارزاً في طرح الحلول في هذه الملفات مقابل تسهيل روسيا اقتسام سورية مع الغرب وتركيا وغضّ النظر عن بعض الممارسات الأميركية.
بالعودة إلى لبنان، لو نجحت فرنسا بإرساء أيّ حكومة فيه قد تصبح قيمتها معدومة بحال أتى الأميركي بأرنبٍ من قبعته يعطيه للفرنسيين كحلٍّ رابحٍ في ليبيا أو قبرص. فيُسلَّم لبنان على طبق من فضة للمصير المجهول والمؤامرة التي من شأنها محو كلّ من يكنّ العداء لـ «إسرائيل» وعلى رأسهم حزب الله الذي بات رسمياً على الأجندة الأميركية. وللأسف فإنّ قسماً من اللبنانيين كما نراهم اليوم سيزرعون الأرض وروداً أمام أيّ مستعمر يعتزم تدمير المقاومة لأن درجة الحقد قد بلغت حدّ الاستغناء عن بعض أتراب الوطن بحجة العيش.
إنّ كلّ أحلامنا وآمالنا بالحياة والنهوض الاقتصادي في لبنان ليس سوى ورقة لعب «شدّة» في جعبة الغرب لا تعلو عن «جويزة الديناري» التي قد يحرقها للمضيّ في مخططاته. فما نراه على صعيد وطني داخلي ليس غير حلقة بسيطة في أجندات الدول الكبرى للوصول إلى أهدافها وتحقيق مخططاتها ومنفعتها. فأوقفوا التخبّط الطائفي المرير وكونوا يداً واحدة في مواجهة المخاطر علّنا ننجو بأعجوبة.