مَن يحاسب الفنانين المقصّرين بحقّ وطنهم؟!
} جهاد أيوب
لا نريد أن نقف عند تعليقات بعض نجوم الفن اللبناني في السياسة، ولا حزبيّتهم المتطرفة من دون التوازن الوطني، ومن دون الاحترام لمعجبيهم من مختلف الأطراف، ولن نعلّق على عنصرية بعضهم في خطاب طائفي مسيّس لا علاقة له بالوطن، بل يصب بعقد دفينة جراء تربية عنصرية جامحة إلى شراكة الزعيم الفاسد وبعض رجال الدين الأفسد في خلق التفرقة والتموضع المخيف في حق الوطن!
قد يُبَرر ذلك بالمفهوم الأعوج للحرية الفردية في وطن اتخم بالحرية الهوجاء، وبالمفهوم الوطني الهمجي من دون اكتراث لدوره، ولمساحة انتشاره حيث هو وردة كل المنازل من كل الأطياف، لكنه لا يدرك، فالطائفية المقيتة أعمته عن دوره!
نحن هنا لا نطلب منه أن لا يتحزّب فهذا شأنه، خصوصاً أن غالبية أحزابنا طائفية جداً، وأحزابنا العلمانية محارَبة وتكاد تكون محظورة، ولكن في وطن كلبنان فالإعلان عن حزبيته العنصرية والطائفية تجعل منه طرفاً متطرفاً، وإذا أراد ذلك عليه أن يكون طرفاً حاسماً ومتطرفاً في حب لبنان ككل، ومع مصالحه وقضاياه، وما يصيب منطقة من مناطق وطنه يعني إصابة لكل الوطن، دوره أن يجمع ما قام بتفرقته الزعيم الطائفي والفاسد الذي سرق الدولة وخطف رزق الناس. فالتقوقع يا فناناً مع هذه الفئة يعني أنت تعتبر حقوقك الشريك الأخطر في بقاء هذا الاعوجاج الوطني!
وللحق نجد غالبية الغالبية من الفنانين اللبنانيين ينتحرون وينتحبون إذا مرض هذا الملك، الأمير، الرئيس، في أي دولة، وترتفع أصواتهم زحفاً وشوقاً وفجراً وليلاً وحماسة للتعبير عن الحنين من دون أن يُطلب منهم كما حال المتسوّلين حينما تصادفهم في الشارع، بينما هؤلاء أنفسهم يتعاملون في لبنان ومعه بفوقية، وبعنصرية، وبحزبية جامحة إلى طائفية مقيتة!
أما في قضايا صراعنا مع العدو الصهيوني فنجد القلة القليلة من الذين ترتفع أصواتهم، وتشارك مع الناس في الشارع الموجوع!
وإذا طلبت منهم إعطاء رأيهم في قضايا شاملة وطنياً تخالهم يعيشون في كوكب آخر، وكم صدمنا بهذا الفنان الدجال حينما يعمل مع فريق على حساب فريق، هنا يكذب، وهناك أكذب…وبجلسة خاصة يبوح بسموم انتماء حقده على شريك الوطن!
وآخر يدّعي الفهم، وحبه لكل لبنان، وحينما حدثت حرب تموز، وانتصرت المقاومة اتخمنا في الفضائيات أنه بصدد إنجاز أغنية وطنية، ومن على شاشة خليجية وليس لبنانية كانت النتيجة أغنية ساذجة عن بيروت!
بالطبع لا نشمل الجميع، ومعيب أن نشمل ونحن نعرف من هم أهل الوطنية، والمواقف المشرفة، ولكنهم قلة، وبصراحة لم نعد نسمع من أكثر الفنانين اللبنانيين الدعوة إلى لم الشمل، ولم نعد نعرفهم، ولم نعد نثق بأنهم من فئة المرهفين الحساسين، والمؤهلين للشراكة في كل الوطن!
أما إذا طلبت من بعض مَن يدّعي بأنه في الصف الأول بالمشاركة في حلقة عن الجيش اللبناني مثلاً فيرفض بحجة أن مقامه كبير، ولا يطلّ ويشارك إلا مع الكبار، وفجأة يقدم قصيدة غنائية بكلامها الساذج عن حبّه للوطن وللجيش من أجل الصورة، أو لتلميع اسمه عبر وسيلة إعلاميّة مشبوهة وطنياً!
أتخمنا هذا الفنان اللبناني بالثرثرة الوطنية المتطرفة ضمن مجتمع طائفي عنصري لنجده يطلّ في برامج أتفه من التفاهة في قنوات خليجية، خصوصاً « MBC»، وهات يا مديحاً، وهات يا وطنية كاذبة!
لا احترام لفنان يتغنى بقاتل وبمجرم وبفاسد وبمحتل من أجل الدولارات والريالات والدراهم وشقيقها الدينار، ويأتي إلينا منظراً بفوقية شرشوحة!
بالأمس وقع لبنان بفاجعة انفجار مرفأ عاصمته بيروت، وكان الصمت المخيف من نجوم الصف الأول، قلة قليلة قليلة شاركت الناس المفجوعة بمصابها بكلمة بزيارة ميدانية، وأيضاً هات يا أغنيات ساذجة غلب عليها الموت والنحيب من قبل مغنين لا نعرف من أين أتوا!
أعمال غنائية بمعضمها غير مدروس، ولا عمق فيها، ولا تصلح للغناء أصلاً، ومشغولة بسرعة خارج العلم والمعرفة المهنية والموهبة، ومع ذلك لا بد من احترام المبادرة!
نشكرهم من كل وفي كل وطنية، خاصة أن الغناء الوطني لا يطعم الخبز، ولم يعد يصنع شهرة، ولكن أين نجوم لبنان أصحاب الشهرة الواسعة من الحدث في الوطن مع أننا نراهم متناثرين ومنتشرين ومنتظرين بالصف للظهور في القنوات الخليجية مع لسانهم المعسول!
أين نجوم لبنان من الحفلات الخيرية المطلوبة الآن «عبر الشاشات والإذاعات»، وفي الساحات مع المراسلين والإعلاميين من أجل المشاركة بصناديق تدعم المحتاجين؟
قد يعللون الغياب بسبب الكورونا، والكمامة، والتباعد الاجتماعي، وهذا صحيح، ولكنه لا يمنع من المشاركة في برامج تساهم بمساعدة الناس، بالطلب من الناس بمساعدة الناس، وبالنزول إلى أرض الناس للمشاركة في لملمة وجع الناس!
أين الممثل، أين المغني، أين الملحن، أين الشاعر، وأين … هذا وذاك ممن يتخموننا ثرثرة في الرخاء، وهجرة مقيتة حينما يصاب الوطن بمصيبة، بينما نجدهم خارج حدود الوطن يتشدقون شوقاً لوطن غير وطنهم!
قد تسألني عن دور المثقف!
يا للعجب فهو مغيّب من كل الوسائل اللبنانية إلا نادراً، وهو بالأصل أصبح خارج دائرة الإنسان في الوطن، لقد ساهمنا جميعاً في لجمه، وساهم هو في ذبح دوره!
نعم، وللأسف غالبية الفنانين وما تبقى من مثقفين في لبنان أصبحوا شركاء الزعامات في شعلة الفساد، وتحطيم صورة الوطن الذي نحلم!
التبريرات عن سبب هذا الغياب الوطني حينما يصرخ الوطن لم يعد مقنعاً، وإن كثرة الظلم الذي لحق بهم من المسؤولين، وعدم نيل حقوقهم قد تجعلهم ينجذبون إلى الطرف الذي قطع شرايين الوطن، وهذا خطأ الوقوع، والحرمان في الوطن جعلهم يبحثون عن الدينار والدرهم، وهذا ابعدهم عن الوطن، ولن أزيد، فما نعرفه عنهم مخيف ومخجل!
أعاود الإشارة إلى أن الغالبية تعيش هذا المرض، والشمل خطأ نقع به، ونحن نعرف بعضهم يبكي من وجع الوطن، ومن حرمانه ومحاربته، وضيق رزقه فقط لآنه يؤمن بالإنسان وبالوطن، ويحترم اسمه وفنّه، ولا يطرق أبواب الزعيم كي يأخذ حقه، لذلك هؤلاء أقل من الأقل، وأيضاً محاربون في لقمة عيشهم… وأيضاً لن نزيد فحال هؤلاء رغم كرامتهم العالية يوجع القلب والوطن!