ماذا بعد؟
حتى يواسي الإنسان نفسه في ظل الإحساس بالغبن والألم والمرارة، تخدعه غريزة البقاء بشعار تعود قوله (إن ما سيأتي سيكون أفضل) حتى يستمر في تكرار يومه إلى ما لا نهاية وكطفل بريء يغني مع جوليا بطرس: (بكرا بيخلص هالكابوس وبدل الشمس بتضوي شموس)..
فالمرء يدرك أنه في اللحظة التي يركع فيها منهزماً وطالباً أن يُعفى عنه وأن ينتهي اختباره فهو أمام خيارين إمّا أن يعفى عنه فعلاً ويحصل على صك البراءة من شقاء هذه الحياة أو أن يبقى الشقاء رفيقه للأبد.
من الحماقة أن تعتقد أنك خلقت لتمشي على جزر المالديف وتستلقي مستمتعاً بأشعة الشمس ونسيم البحر تحتسي الكوكتيل وسط محبيك، شئت أم أبيت. أنت هنا لتسعى للبقاء في هذه الدنيا لذا يستحسن أن تكون فطناً وعداءً بارعاً، لذا لا تخف من الغرق في هذا العالم فرميك في المياه هو أول درس لتعلمك السباحة.
ذكرت إحدى الصحف قصة مفادها: «قامت شركة صناعة الطائرات إيرباص برصد حالة من الاهتزاز القوي في طائراتها من طراز A320 أثناء تحليقها بالجو. وهو الأمر الذي سبب الخوف والهلع وعدم الراحة للركاب أثناء الطيران، فقامت الشركة بابتكار جهاز عمل على إخفاء الاهتزاز تماماً، لدرجة أن الكثير من الركاب بدأوا ينزعجون تماماً من حالة الهدوء التام في المحركات أثناء الطيران، وبات مصدر قلق للركاب أكثر من أي وقت مضى قبل التطوير». من قال إن الحياة الهادئة حياة جميلة، لا بد وأن تتخلل الحياة محطات ألم، تعب، تحمل كي تستمتع بجني الثمار..
ما يعيب زماننا الحالي هو الوقت الغريب الذي أخذ الجميع معه في مدار سريع وجولة عجيبة لم يشهد لها مثيلاً.
هل هو تغيّر الزمان؟ أم تغير الإرادة داخل الإنسان؟ هل تغير الطاقة الداخلية غيّر موازين الوقت؟ ومن يزرع الريح لا بدّ أن يسكن قلب الزوبعة، فصراع الإرادة يطلّ برأسه بين الماضي واليوم بين ما كان وما صار ستتيقن أن الأهداف عبارة عن دوافع متجدّدة رغبة منا للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
حين تصاغ ملحمة ما يجب نحت أبطالها، بين المجد والألم، الجسارة والخذلان، الصخب والعنف، المسرات والمرارات، فليس ثمة غد أفضل، ولا غد أسوأ، فغدنا حصيلة سعينا اليوم ليس إلّا..
صباح برجس العلي