حين يسقط «النظام»… ولا تسقط «الدولة»!
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
سؤال مهمّ جداً: هل سقط «النظام» في سورية؟
أولاً، لا بدّ من تعريف دقيق لمفهوم «النظام»، حتى نستطيع الحكم عليه إنْ سقط أو لم يسقط. ثمّ لا بدّ من فهم الفرق بين «النظام» من جهة وبين «الدولة» من جهة أخرى، مع التركيز جيداً على الدور الذي يمكن أن تلعبه «الدولة».
«النظام السياسي» لأي دولة يمكن أن يعرّف بكونه خريطة إنتاج «السلطات»، أو «المعادلة السياسية» لإنتاج السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وليس مثلما ذهب البعض على أنّه هو السلطات الثلاث، فهناك فرق جوهري بين السلطات باعتبارها ناتج «النمط السياسي» الذي جاءت من خلاله، و»النظام السياسي» باعتباره «السلطات» مجتمعة أو جزءاً من هذه «السلطات»…
من هنا يمكننا القول بأنّ «النظام» هو «النمط السياسي» الذي أنتج «السلطة»، باعتبار أنّ «السلطة» هنا مفهوم جامع للسلطات التي تشكل العمود الأساس لقيام الدولة، وهو «النمط» الذي حدّده الدستور، فأيّ «نمط» أو «نظام» لا يمكن أن يكون بلا «دستور» يشكل مظلّة شرعية له، وبالتالي فإنّ أيّ «نمط سياسي» لا يمكن أن يتغيّر إلاّ إذا تغيّر «الدستور».
لكن في الآن ذاته، لا يمكن أن نتحدّث عن تغيير في «الدستور» من دون أن يرافق تغيير «الدستور» ويوازيه إصدار تشريعات جديدة تتجاوز التشريعات السابقة وتحاكي الدستور الجديد.
لذلك يمكننا القول إن «إسقاط النظام» يعني «إسقاط النمط» أي تغيير الدستور، ثم العمل على جملة تشريعات تتوافق مع هذا الدستور الجديد، فهذه التشريعات الجديدة هي التي سوف تحدّد رئيسيات «السلطة» ومفاتيحها، و»السلطة» هنا هي «السلطات مجتمعة»…
من هنا، نرى أنّه بفضل جملة خطوات حصلت في ثلاث سنوات سابقة من عمر العدوان على سورية، تمّ «إسقاط النظام»، أي «إسقاط النمط»، بفضل تغيير الدستور وتغيير التشريعات التي جاءت بالتوازي مع هذا الدستور، إذ بات واضحاً أنّ «النظام» الجديد لإنتاج «السلطة» قد تغيّر، بل تغيّر في رئيسيات أساسية منه، فالقفزة في تفاصيل «النمط» كانت واسعة لجهة عناوين جديدة تجاوزت العناوين والمفاهيم الآسرة في «النمط» السابق، هذا «النمط» الذي كان يحاكي دستوراً سابقاً.
«هل سقط النظام»؟ بلى، بفضل الدستور الجديد، غير أنّ «الدولة» لم تسقط، إذ بقيت «السلطة الجامعة» بعناوينها الثلاثة في حين أنّ العدوان كان يرمي في هدفه الأساسي إلى إسقاط هذه «السلطة الجامعة»، وسقوط هذه السلطة يعني تفكّك الدولة، وتفكّك الدولة سوف يؤدي تلقائياً إلى تذرّر المجتمع، والانقباض باتجاه عناوين ضيّقة تتجاوز العناوين الرئيسية للدولة وللسلطة الجامعة.
بين هذين المفهوميْن، أو هذين الفهميْن، لإسقاط النظام، كانت تدور المعركة، وكان مستقبل الوطن السوري عالقاً في مهبّ الريح، وكانت المهمة الكبرى والأساسية للفريق الوطني الذي يقود الدولة السورية تتمثل في إمكان، أو قابلية، إسقاط النمط، الذي ينتج «السلطة الجامعة» من دون المساس بالدولة ذاتها، ومن دون أن تمرّ لحظة يميل فيها المواطن العادي إلى أن يتخلى عن وتد الدولة وجذرها، ليبحث عن وتد وجذر آخر يؤمّن له أولويات مصالحه في ظلّ هذا العدوان الكبير.
وفق مفهوم «التغيير من الحركة» كانت واضحة وجلية المهمّات الكبرى التي كان الفريق الوطني السوري يؤدّيها، وأنجز منها مساحات واسعة ورئيسية ساهمت في «إسقاط النظام» من جهة، وفي الحفاظ على «الدولة» من جهة أخرى.
المهمة المعقّدة الأخرى التي لا ينتبه إليها كثيرون هي: كيف يمكن لهذا الفريق الوطني أن يدير هذه المعركة على مستويات متعدّدة، إضافة إلى الحفاظ على «دور» الدولة، وهو الهدف الأساس الذي قام العدوان لأجله؟ بمعنى آخر، كيف يمكن لهذا الفريق أن يضع استراتيجية الدفاع عن الذات، ثم يبدأ عملية «إسقاط النظام» ذاتيّاً، مع الحفاظ على الدور الرئيسي للدولة؟
وهنا نفرّق بين «دور الدولة» و»مهمّات الدولة»، باعتبار أنّ همّة مهمّات معروفة لأي دولة، وتكاد تكون متشابهة، غير أنّ دورها في صنع الحوادث والمواقف وترتيب الخرائط وتوزيع القوى والطاقة الكامنة لها، هي عبارة عن معان أخرى تختلف من دولة إلى أخرى. معانٍ تحدّد فاعلية الدولة وقدرتها.
وفق هذا المعنى يمكننا القول بأنّ «النمط» أو «النظام» في سورية قد سقط، غير أنّ «الدولة» بقيت صامدة ولم تسقط، وأنّ الفريق الوطني الذي أدار المعركة هو الذي نقلها من «نظام» إلى آخر، من دون أن يمسّ بدورها وطاقتها الكامنة.
يمكننا أن نقول أيضاً إن إحدى أهمّ تعابير هذا «النظام الجديد» تتجلّى في الآلية التي تحدّد انتخاب رأس الدولة، وهي آلية منحت آلاف السوريين إمكان ومشروعية أن يتطلعوا إلى هذا الموقع، وفق موازين ومعايير مختلفة عن تلك الآلية التي كانت قائمة سابقاً، لأجل الوصول إلى هذا الرأس!