هل الأردن بصدد استدارة كاملة تجاه سورية؟
محمد شريف الجيوسي ـ خاص
كان القصف الذي قامت به طائرات سلاح الجو الأردني لمركبات مموّهة حاولت قبل أيام العبور إلى الأردن عبر منطقة وعرة آتية من سورية، لافتاً وغاية في الأهمية، فقد كان ممكناً إعطاب المركبات الـ 4 بأسلحة خفيفة أو متوسطة على أبعد تقدير، من دون الحاجة لاستخدام الطيران لمنع تلك المركبات من العبور مهما امتلكت المركبات من قدرات على التحدي.
لكن الأردن الرسمي ـ في ما يبدو ـ أراد توصيل رسالة مفادها أنه حزم أمره ولم يعد قادراً على الرضوخ للضغوط المطالبة منه، تسهيل تسلل الجماعات الإرهابية المسلحة عبر أراضيه بالاتجاهين، فقد أدى ذلك إلى الإضرار بأمن الأردن ومصالحه الاقتصادية وإحداث إرباكات اجتماعية هو في غنى عنها في حين لم يكسب من ذلك الكثير مالياً، وأساء له معنوياً وحظيت سياسة التماشي مع الضغوط الخليجية والأميركية بمعارضة أردنية شعبية واسعة هي في ازدياد.
لقد تنامى العنف في المجتمع الأردني على نحو غير مسبوق بين مكوناته، حتى داخل العشيرة الواحدة، وفي الجامعات والنوادي، وعثر على مصانع ومستودعات أسلحة وتوسعت ظواهر تهريب السلاح والمخدرات والسيارات والأغنام والدخان… بالتزامن مع الإبقاء على قرابة 50 معبراً غير شرعي مفتوحاً أمام اللجوء ، والذي برر المسؤولون الأردنيون استمرار فتحها بأن الأردن لا يقدر على إغلاقها في وجه اللاجئين السوريين بموجب الشرعية الدولية.
في حين أن العديد من اللاجئين أجبروا على اللجوء حيث استخدمتهم الجماعات الإرهابية وما يسمى الجيش الحر دروعاً بشرية، فيما جرى تضليل البعض بأنهم سيجدوا في حال لجأوا إلى الأردن أو سواه السمن والأمن والعسل، والاصطفاء لدى الثورة المزعومة لدى انتصارها مصالحاً ومناصب .. بعد أسابيع أو أشهر قليلة.
ومن هنا، فقد صدمت شرائح من هؤلاء اللاجئين عندما لم يجدوا ما وعدوا بهم وطال بهم «مقام» اللجوء، ووجدوا أنفسهم في حالة اختلاط مع أشكال موبوءة من الهاربين من العدالة والمتاجرين بدماء السوريين وأعراضهم والقاصرات، فضلاً عن تجنيد أطفال ونساء وشباب في مقتبل العمر من قبل أميركان وجهات إسرائيلية تسللت تحت مسميات إنسانية، للعمل ضد وطنهم بعد تدريبهم في دورات مكثفة في اليونان وقبرص والكيان الصهيوني. وهو ما كشفت عنه بكثافة تقارير غربية عدة.
وهذا يفسّر قيام بعض اللاجئين السوريين بما يشبه انتفاضات داخل مخيم الزعتري، وفي المقابل تنامي حالتين، حالة استياء شعبي معارض للحكومة جراء الاستمرار في فتح المعابر غير الشرعية وإفساح المجال للغرب إلى اللجوء، ما يسيء إلى سورية، ويفسح المجال لاستخدام اللجوء ضدها معنوياً وأمنياً، وفي آن يضر بأمن البلد واستقراره الاجتماعي.
والحالة الثانية، شعبية أردنية عفوية جراء المنافسة الطبيعية المتولدة عن العمالة السورية الرخيصة والكفوءة في آن، والقادرة على إيجاد فرص مناسبة لها، بما في ذلك التجار والحرفيون ومحلات الحلويات والمعجنات التي ازدادت بشكل ملحوظ.
وبمواجهة ما سبق لم تكن الحكومات الأردنية خلال سنوات الأزمة لتمتلك حلولاً متكاملة لتداعيات اللجوء والملف السوري، وتوقف التبادل التجاري إلى حد كبير وعبور السيارات بالاتجاهين الخ. كما لم يكن لديها حلول حقيقية لأزمات البلد الاقتصادية المتراكمة.
يحدث ذلك، بالتزامن مع وصفات مؤسسات رأس المال العالمي التي تأتي دائماً على حساب الطبقات وشرائح المجتمعات الأكثر فقراً لصالح الأثرياء في الداخل والشركات العابرة للقارات والخصخصة والشركاء الاستراتيجيين!؟ … في الخارج.
ويتوافق تنفيذ وصفات مؤسسات رأس المال العالمي للأردن، مع مصالح متنفذي الاقتصاد والاستثمار والخصخصة وبعامة عالم الفساد والفاسدين من اللصوص والقطط السمان.
ومع ازدياد المديونية سنة بعد أخرى، وازدياد الفقر، تتقن مؤسسات رأس المال العالمي إصدار تقاريرها الصادقة جداً بأن الأردن يسير في الخط الاقتصادي الصحيح. فالأردن سائر على الخط الصحيح من وجهتهم، طالما هو ينفذ أجندة واشنطن تماماً وفوقها حبّة مسك، بأكثر مما ينفذ أوباما أو رئيس الكونغرس أو النواب، حيث تعتور هؤلاء أحياناً اختلافات في المصالح والاعتبارات الحزبية الأميركية الضيّقة، أما نحن فمخلصون كيفما هبت .
ومع إخلاص الأردن الرسمي، لم يُمنح ما يستحق من وفاء لدوره!؟ منذ غزو واحتلال العراق في نيسان 2003، وحتى الآن تجاه سورية. فما قدم الأردن باعترافات تقاريرهم وليست ادعاءات المعارضة الأردنية أحزاباً وتيارات وجماعات، ما لا يقدر بثمن مهما ارتفع أو بلغ.
كل ما سبق يستدعي استدارة أردنية كاملة ومراجعة شاملة.
وفي مقابل ذلك، هناك تغيرات مهمّة في الإقليم وعلى صعيد العالم، فسورية تحقق على الأرض انتصارات مهمّة والجماعات الإرهابية تتساقط يوماً بعد آخر، فضلاً عما بينها من خلافات وتراشقات واقتتال وما بين مموليها كذلك، وما فقدته هذه من حواضن شعبية كانت مضللة بفتح وتشديد الضاد في البدايات، حيث تحولت الحواضن إلى الحياد أو دعم الدولة غالباً، بفضل ممارسات هذه الجماعات، وفيما استمرت الدولة بحفظ الأمن وتأمين مستلزمات مواطنيها، كانت الجماعات المسلحة تحرص على تدمير بنى الدولة التحتية على الأقل وفرض رؤاها المتطرفة المذهبية الطائفية والتمثيل بالجثث.
وإقليمياً، توالى سقوط كبار مجاهري وممارسي العداء لسورية من الحمديْن إلى سقوط نظام الإخوانيين في مصر إلى تراجع مكانة أردوغان وبدء تصدعات نظامه السياسي والحملة على مفتي الفتن، وعزلة قطر وعزل بندر وتراجع مكانة ودور الرياض بالقياس للسابق، وبدء حل معضلة مدينة طرابلس اللبنانية.
ودولياً، لم تعد واشنطن تمتلك قدرة إسقاط من تريد في الوقت والكيفية التي تريد، ومثلها الاتحاد الأوروبي، وأوكرانيا مثال على ذلك، حيث انقلب لصالح روسيا على نقيض ما كانوا يبغون.
من هنا يُرجح أن يكون الأردن الرسمي أدرك اتجاه المعطيات لصالح سورية ولغير صالح أعدائها. بل إن السياسة المتّبعة السابقة لا تتفق ومصالح الأردن الراهنة وفي المديين المتوسط والاستراتيجي، وبهذا المعنى أو هكذا يؤمل فإن استخدام الطائرات في قصف 4 سيارات مموهة، يعني أن هناك توجهاً مركزياً حازماً من صاحب القرار، بعدم السماح في ما كان يسمح به، وأن ذلك ليس اشتباكاً روتينياً تقوم به قوات حرس الحدود الأردنية.
وهو رسالة ليس فقط لتلك الجماعات ولا فقط لمرسليها ومموّليها ومدرّبيها إلخ، ولكن أيضاً لتحالف المقاومة في المنطقة وبخاصة سورية، بأن الأردن الرسمي حزم أمره وقرر عدم السماح بتسلل الجماعات الإرهابية، عبر أراضيه، بمثابة رسالة حُسن نية. أو هكذا يُفترض وُيؤمل.
ومن هنا ربما جاء تصريح وزير الخارجية الأردني قبل أيام ناصر جودة، من أن الأردن، استكفى من اللاجئين السوريين، ومع أهمية التصريح، إلا أنه لا بد من إغلاق المنافذ غير الشرعية لحماية أمن البلد ومصالحه على الأقل، وللحيلولة دون استخدام هذه المنافذ للإضرار بأمن ومصالح سورية الجار العربي الشامي الشقيق.
ولا بد أن خروج سورية من الأزمة وهو ما سيتحقق سيخدم الدولة الأردنية من حيث أنه سينهي كابوس الإخونة الذي جثم على صدر البلد في فترة صعودهم في مصر وغيرها.
يبقى القول إن تعثر المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» وعنجهيات «إسرائيل» تجاه المقدسات المسيحية والإسلامية، يضر بمصالح الأردن كثيراً تجاه ملفات مشتركة، كالمياه والحدود واللاجئين والمقدسات وإضافات ديمغرافية خطيرة.
بكلمات يعتقد أن الأردن بحكم عوامل واعتبارات عدة محلية وإقليمية ودولية، بصدد استدارة كاملة، في موقفه تجاه سورية.