تغيير الاسم لا يعني تبديل المواقف…
جمال العفلق
إنه الموت، لا يعرف أميراً ولا فقيراً وهو قدر محتوم على كلّ من وُلد، حمل معه ملك السعودية هذه المرّة وجاء ملك جديد، وتردّدت عبارة «مات الملك عاش الملك». أما في السياسة، فلا شيء تغير ولا أعتقد أنّ هناك تغيراً قريباً سيشعر فيه من ظُلم من قبل السعودية وسياستها الخارجية التي تعتمد، في الأساس، على تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وهي لم تكن في يوم من الأيام مستقلة عن المصالح الغربية ورغباتها في إبقاء المنطقة تحت النفوذ البريطاني والأميركي، وخصوصاً في السيطرة على منابع النفط والتحكم بالأسعار، ارتفاعاً وهبوطاً.
ولأنّ سياسة المملكة أصبحت معروفة وانتقلت من السرّ إلى العلن، فلا يجب أن نثق كثيراً بأنّ هناك متغيراً في قاعدة التعامل مع القضايا العربية والإقليمية، فسياسة المملكة اعتمدت، في الأساس، سياسة استمرار العائلة الحاكمة وضمان البقاء، وإن اقتضى ذلك أن يكون التحالف مع أعداء الأمتين العربية والإسلامية … وهذا ليس اتهاماً سياسياً أو تلفيقاً متعمَّداً. فمنذ تبنّيها سياسة محاربة الدول العربية التي تعادي أميركا وإطلاقها «مبادرة السلام العربية»، اتخذت المملكة موقف التسليم والمهادنة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وفي المقابل، دعمت الحروب الطائفية والصراعات المذهبية في العراق وسورية ولبنان. ولا يخفى على أحد دور السعودية في تمويل الإرهاب وتوفير الغطاء السياسي للإرهابيين من «جماعة الإخوان المسلمين» السورية أو من خلال دعم ما يسمى «ائتلاف الدوحة» بجناحه الإسلامي، عدا عن دعم المملكة لفصائل إرهابية مستقلة تعمل على إشعال القتال في سورية والعراق.
القائمة تطول، فماذا يمكن أن تحمل سياسة الملك الجديد تجاه القضايا العربية الساخنة، لا سيَّما موضوع محاربة الإرهاب الذي تدّعي المملكة أنها تساهم فيه من خلال دعم التحالف الدولي المزعوم الذي يدّعي محاربة «داعش» من خلال ضربات جوية لم تحقق حتى الساعة أي شيء يذكر؟
من الصعوبة بمكان، أن يتخلى الملك الجديد عن اتفاقيات تجاوز عمرها الخمسين عاماً مع الغرب، ولا تستطيع المملكة اليوم ولا بعد أعوام، تغيير مواقفها، بما يخالف مصالح الدول الحلفاء. فهي تسعى إلى أخذ دور شرطي المنطقة من خلال رفع وتيرة الخلاف مع إيران ومن خلال الهيمنة على مجلس التعاون الخليجي وإبقاء جزء من لبنان تحت قيادتها، كما تسعى إلى دعم الموالين لها في العراق وفي سورية. في هذا الإطار، تعكس السعودية السياسة الأميركية في الهيمنة على المنطقة، وفق ما يضمن أمن «إسرائيل».
قد لا يختلف اثنان حول حقّ أي دولة في إقامة التحالفات التي تخدم مصالحها وتضمن استمرارها وديمومتها، وخصوصاً أنّ سياسة التحالفات هي سياسة قديمة تطورت أدواتها ووسائلها مع تطور الزمن، لكنّ السؤال: لماذا توافق المملكة على تنفيذ رغبات الولايات المتحدة في تدمير المنطقة ومحاربة شعوبها؟
منذ دعمها العدوان الأميركي ـ البريطاني على العراق واحتلاله، تلتزم المملكة بخطة لتدمير الشرق الأوسط وتفتيت الدول العربية، وما الحرب على سورية إلا واحدة من الأعمال التي تساهم فيها السياسة الخارجية السعودية، بقوة، والهادفة إلى الإمعان في قتل الشعب السوري وحصاره.
وللواقعية السياسية، يعلم الجميع أنّ المصدر التشريعي للمملكة هو الفكر الوهّابي، أي الفكر نفسه، الذي أنتج «القاعدة» والجماعات الإسلامية المتطرفة التي تطورت اليوم في شكل تنظيم «داعش». وفي بالمقابل، تدّعي المملكة أنها تحارب الإرهاب وتوافقها أميركا الرأي في ذلك، كما الغرب، وهنا تكمن القضية في حقيقة دور الولايات المتحدة المتحكم بسياسة المملكة الخارجية، بما يتوافق مع مصالحها وليس مصالح المملكة، كما أنها تتحكم بسياسة حلفائها الآخرين في المنطقة.
أمام هذه السياسات، نجد أننا غير معنيين تماماً بانتظار تبدل أو تغير في التعامل السعودي مع الأوضاع العربية والإسلامية، على عكس ما طرح في الخطاب الأول للملك الجديد، حول حرصه على العلاقات العربية والإسلامية ورغبته في لمّ شمل الأمتين العربية والإسلامية. وإذا لم تتوقف المملكة عن دعم وتمويل وتسهيل الإرهاب الذي يضرب كلاً من سورية والعراق ولبنان، فلا شيء سيتغير في المدى المنظور، بل ستزداد الأمور والأوضاع تعقيداً، وخصوصاً أنّ الفكر الإرهابي لا يحتاج إلى دخول أراضي المملكة وعبور حدودها لأنه، أصلاً، موجود فيها ولكن متى وكيف يتحرك، فهذا يرتبط برغبة المشغلين الذين يديرون حركة الإرهاب العالمي العابر للحدود، وفق مصالحهم السياسية والعسكرية والاقتصادية.