لسان حال الأهل أنّ الصحة أولوية وسنوات الدراسة يمكن تعويضها
العودة إلى مقاعد الدراسة بين شبح «كوفيد 19» وسوْط الأقساط الخيالية
يستمرّ عداد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ بالتصاعد متخطياً 1000 إصابة في اليوم الواحد، وبناء على توصيات لجنة متابعة التدابير والإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا اتخذ وزير التربية القرار القاضي بتأجيل بدء العام الدراسي الى 12 تشرين الأول المقبل، مع بقاء الخطة الوقائية التي ستُعتمد في المدارس الرسمية بحيث يتمّ تقسيم الطلاب إلى مجموعتين مع التشديد على التباعد وتوفر كافة المستلزمات الصحية من مواد تعقيم وكمامات، أما في ما يتصل بالمدارس الخاصة فيعود لكلّ مدرسة اعتماد السياسة التي تراها مناسبة لجهة التنسيق بين الحضور والتعليم المدمج.
في المقابل هناك نسبة لا يُستهان بها من الأهل ترفض إرسال أولادها الى الثانويات جراء ارتفاع حالات الإصابة بوباء كورونا في صفوف الأساتذة والطلاب على حدّ سواء.
الفيروس ليس العائق الوحيد أمام شريحة كبيرة من المواطنين وحتى لو تمّ اعتماد التعليم عن بعد تبقى مشكلة الأقساط الخيالية قائمة يُضاف إليها أسعار الكتب والقرطاسية وفقاً لسعر صرف الدولار، وبطء خدمة الانترنت مما يشير إلى العام الدراسي الحالي لن يكون أفضل من الذي سبقه.
لعلّ السؤال الأساسي هو حول إمكانية تنفيذ الإجراءات الوقائية في ظلّ غياب تامّ للوعي وفق ما نشهده من تفلت، خاصة أنّ الفيروس أصبح واقعاً ملازماً للبشرية جمعاء بانتظار إيجاد لقاح ولا يمكن التكهّن بالمدة التي يتطلبها خروج هذا اللقاح الآمن من دائرة التسابق الدولي ليتمّ التوافق عليه عالمياً واعتماده بشكل رسمي.
العلم يقول إنّ التعايش مع الفيروس ضرورة ولكن بعقلانية ووعي منا يستدعي الكثير من الانضباط، خاصة عندما يتصل الأمر بالعودة إلى مقاعد الدراسة حضورياً ولو وفق خطة وقائية، بيّد أنّ جزءاً كبيراً من الأهالي غير متحمّس لهذه العودة ويرى أنّ العام الدراسي يمكن تعويضه وتبقى الصحة هي الأولوية.
حمية: التأقلم مع الفيروس بتدبّر وعقلانية
وفي هذا السياق أكد نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) المتخصص في علوم الجزيئيات الذرية والنانوتكنولوجيا الدكتور محمد حمية أنّ العام المقبل سيكون قاسياً من ناحية انتشار الوباء، إلا إذا طبق اللقاح الفعلي، لافتاً إلى أنّ العودة إلى مقاعد الدراسة ضرورة ولكن وفق استراتيجية عقلانية، وقال: «من الخطأ اختصار البرامج واعتماد الدوام الجزئي، ولو تأخرت العودة الى المدارس قليلاً لكن عليهم إعطاء المنهاج التعليمي كاملاً من خلال التأسيس لمكتبة رقمية لجميع المراحل العلمية وليست للثانويات فقط، كما يمكن للجهات المعنية ان تطلب من الأهالي الحضور أسبوعياً في اجتماع عام لوضع أبنائهم في الصورة، وهذا أمر يجب أن تعتمده كلّ المدارس. وبالنسبة للمدارس التي تطلب الحضور الإلزامي ولا تعتمد الأونلاين المفروض أن يكون هناك فريق رقابي طبي حاضر بشكل يومي وأن لا يتعدّى الصف أكثر من عشرة طلاب، كما يجب أن يُمنع حضور الطلاب من الصف الرابع نزولاً وما دون بمعنى أنّ مرحلة الابتدائية تكون من المنازل بمواكبة الأهل».
أضاف: «من هنا أؤكد أنّ العودة إلى المقاعد الدراسية أمر ضروري، ولكن بتدبّر وعقلانية غير المنظور الحالي، فليس نصف الدوام هو الحلّ الأمثل، كونه يكفي ساعة واحدة لانتقال العدوى بين الطلاب، وهنا أحبّ أن أشير أننا لسنا مجهّزين كلياً للتعليم عن بعد ومستوانا في هذا الإطار منعدم تقريباً مقارنة مع الطالب في البلاد الأوروبية مبرمج الكترونياً منذ الطفولة مع تقنية التعليم أونلاين، ولذلك علينا الانتباه إلى هذه النقطة والسعي إلى ابتكار الطرق المناسبة لواقعنا».
التعليم عن بعد أهون الشرّين
«أن يخسر أولادي عام دراسي أفضل بكثير من أن يصيبهم مكروه وأخسرهم»… هكذا اختصرت سوزان المقداد كلّ ما يمكن طرحه للنقاش في هذا الإطار، وتابعت رداً على سؤال «البناء» حول فرضية التعليم عن بعد كحل بديل: «التعليم عن بعد ليس هو الحلّ خاصة في بلد لا تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة وكثيرين لا يمتلكون القدرة لاعتماد هذه التقنية سواء لجهة كلفة الاشتراك في خدمة الانترنت أو حتى لتأمين أجهزة الكمبيوتر في المنزل بحيث يكون لكلّ ولد جهازه الخاص، وبالطبع هذا أمر مستحيل في ظلّ ارتفاع الاسعار، وفي المقابل أرفض فكرة العودة الى المدرسة في ظلّ تزايد الإصابات بكورونا ولست مقتنعة بالخطط الوقائية المعتمدة في المدارس لذلك لم أسجل أولادي ولا أنوي فعل ذلك هذا العام لأنّ صحّتهم بالنسبة لي أولوية وسنوات الدراسة يمكن تعويضها».
لا يختلف رأي فاطمة عطوي كثيراً وقالت: «إدارة المدرسة تواصلت معي في هذا الخصوص كونها تستطلع آراء الأهالي في ما يتصل بموضوع العودة الى مقاعدة الدراسة وبصراحة لا أنوي إرسال ابني الصغير مطلقاً كونه من الصعب على طفل في المرحلة الابتدائية ان يحافظ على الانضباط لجهة الإجراءات الوقائية، وأفضل اعتماد التعليم عن بعد حتى مع أبنائي الأكبر سناً رغم عدم اقتناعي الكامل بالأمر».
ورأت عطوي أنّ الجميع يفتقر الى الوعي: «التفلت يسيطر على الجميع وقد ثبت أنّ الوعي مفقود كلياً، فنحن لا نشهد التزاماً حقيقياً بالإجراءات الوقائية، وهناك غياب تامّ للمسؤولية لذلك من الأفضل تأجيل العودة الى المدارس إلى أن نبلغ مرحلة انخفاض فعلي في أرقام الإصابات مع العمل بشكل جدي على مسألة التوعية بدءاً من المنزل مروراً بالقطاعات المهنية كافة وحتى في الأماكن العامة وفي الشوارع أيضاً في محاولة لاستعادة الثقة بما يتمّ تداوله عن الخطط التي ستعتمدها المدارس لتجنّب طلابها التعرض لخطر الإصابة بالفيروس».
واعتبرت عبير تاج الدين «أنّ الخطر موجود في ظلّ الانتشار الكبير للفيروس المستجدّ، ولكن هذا لا يجب أن يكون على حساب تحصيل العلم». وقالت: «بالطبع أخاف على ابني ولكن في المقابل لا أريده أن يخسر عامه الدراسي وبما أنّ إدارة مدرسته اعتمدت التعليم عن بعد فلا مشكلة حيث أني أواكبه في المنزل، إضافة إلى انّني أحضرت له معلمة لكي لا يفوته أيّ شيء من المنهاج، من هنا لست مع مبدأ عدم تسجيل الأولاد في المدارس من قبل بعض الأهالي بحجة الحفاظ على سلامتهم طالما هناك إمكانية لتحصيل العلم رغم كلّ المشاكل المتصلة بخدمة الانترنت، وفي النهاية علينا التعايش مع الواقع بوعي حيث انّ اللقاح لم يتوفر حتى الآن وقد تطول الأزمة الصحية لسنوات فهل نترك أولادنا بلا علم أم نعمل على توعيتهم؟»
الكلفة المرتفعة إلى جانب الواقع الصحي وضعت فاطمة زين الدين في حيرة لجهة تسجيل أولادها الثلاثة في المدرسة التي طلبت رقماً خيالياً رغم أنها تعتمد التعليم عن بعد، مع العلم أنّ زين الدين لم تتمكّن بعد من تسديد كامل الأقساط عن العام الدراسي المنصرم، وقالت: «مبدئياً لست مع عودة التلاميذ الى مقاعد الدراسة وأفضّل التعليم عن بعد فهو أهون الشرين، إلا أنّ المشكلة الفعلية تكمن في الأقساط التي بلغت 18 مليوناً أضف إليها ما يترتب عليّ من العام الماضي، وفي ظلّ الواقع الاقتصادي القائم وتدني قيمة الراتب حتى لمن يعمل في القطاع العام كيف يمكن للأهل تأمين هذا المبلغ؟ قد يقول البعض إنّ المدرسة الرسمية هي الحل الأمثل ولكن إلى أيّ مدى يمكن الوثوق بتطبيق الإجراءات الوقائية فيها خاصة في المراحل الابتدائية…»
برامج التعليم أونلاين مجانية…
اعتمدت مدرسة دون بوسكو ـ حدث بعلبك خطة عودة آمنة إلى مقاعد الدراسة، ولفتت جانين حمية المسؤولة عن خدمة الأونلاين في المدرسة إلى أنّ الإدارة ملتزمة بقرار وزير التربية، وحول الإجراءات المتخذة قالت: «الدراسة ستبدأ في الثامن والعشرين من الشهر الحالي كوننا ملتزمين بقرار وزارة التربية، وفي ما يتصل بالإجراءات الوقائية فنحن نعتمدها بالشكل المطلوب انْ لجهة المسافة بين الطلاب والتعقيم وتقسيم الدوام ووضع الكمامات، وطبعاً لن يكون هناك اختلاط في الملعب حيث أنه لحظة وصول الطلاب يتوجّهون فوراً إلى صفوفهم ويلتزمونها على مدى أربع ساعات دون توقف وبعدها ينتهي يومهم المدرسي بالتوجه فوراً إلى منازلهم. في المقابل القسم الثانوي ملزم بالحضور يومياً حيث انّ عدد الطلاب فيه قليل.
أما في حال تمّ تعديل قرار الوزارة بناء على المعطيات المرتبطة بالواقع الصحي لدينا تطبيق أونلاين، وبالتالي نحن في جهوزية تامّة لاعتماد التعليم عن بعد وبرامجنا مكتملة التحضير، كما إننا جاهزون للتعليم المدمج».
ولفتت حمية إلى «أنّ المدرسة لديها تطبيق الكتروني قبل أزمة كورونا والهدف منه التواصل مع الأهل بشكل دائم وحول الكلفة المترتبة على الأهالي في هذا الإطار»، قالت: «التطبيق الخاص بالمدرسة للتواصل مع الأهل قبل كورونا كلفته تتحمّلها المدرسة لجهة تجديد الاشتراك، ولكن في ما يتصل بالتعليم أونلاين فهو برنامج مجاني ولا يترتب عليه أيّ كلفة كي يتمّ تحميلها للأهالي. لعلّ الكلفة الفعلية تتمثل بضرورة اشتراك الأهالي في خدمة الانترنت وشراء أجهزة كمبيوتر لأولادهم».
الرسالة التربوية أولوية
بدأت إدارة مدرسة علي وهبه ـ شمسطار العام الدراسي أونلاين مع استعداد كامل للمرحلة التي تتطلب تواجد الطلاب حضورياً في المدرسة، وقال الأستاذ حسين العزير في هذا الإطار: «بدأنا التدريس أونلاين وفقاً لأول قرار صدر عن وزارة التربية، وكوننا نعتمد التدريس عن بعد فلا داعي للانتظار حتى منتصف الشهر المقبل حيث تمّ تأجيل استقبال الطلاب في المدارس بناء على تعديل قرار الوزير جراء تزايد الإصابات بفيروس كورونا، وفي حال استمرت الأزمة الصحية سنكمل العام الدراسي أونلاين رغم الكلفة والمشاكل المتصلة بضعف خدمة الانترنت، حيث سيكون هناك «راوتر» في كلّ صف مع شاشة بهدف الحفاظ على مستوى التواصل مع جميع الطلاب بوتيرة ثابتة».
وأضاف: «بعد أربعين سنة على تأسيس مدرستنا نجد أننا مسؤولون بشكل كبير لجهة الحفاظ على الرسالة التربوية بالدرجة الأولى، من هنا نشدّد على أهمية التعايش مع الواقع القائم من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية وأن لا يخسر الطلاب سنوات دراسية من عمرهم فماذا لو استمرّ الوضع لسنوات هل يكون الحلّ بترك مقاعد الدراسة أم بنشر التوعية ومتابعة التعلم ولو عن بعد؟ أما في حال حضور الطلاب ستكون الإجراءات حاسمة لناحية التعقيم والتباعد والالتزام بالكمامة».
وختم: «لا أنكر أنّ خسارتنا المادية كبيرة ولكن الأولوية للرسالة التربوية وخدمة أهلنا ومجتمعنا وبيئتنا كي لا يسيطر الجهل على هذا الجيل ويصبح الكسل سمة مرافقة له خاصة أنّ الأزمات التي نعيشها كثيرة وتتطلب تحصيل العلم والمعرفة بشكل مستمرّ، والتنسيق قائم بين إدارة المدرسة والأهالي للخروج بنتائج جيدة».
الجهل أشدّ فتكاً من أيّ وباء
من جهته أكد اسامة الديراني (مدّرس ثانوي) «أنّ المدارس الرسمية غير مجهّزة كما يجب»، وقال: «الإجراءات التي يتمّ التسويق لها إعلامياً حول تجهيز المدارس الرسمية بالشكل المطلوب للوقاية من انتشار الفيروس المستجدّ ليست واقعية ونحن في ثانوية علي النهري بدأنا بالدوام الإداري ولم تقدّم لنا الوزارة الكمامات وهذا على سبيل المثال لا الحصر، كلّ ما نقوم به من تعقيم هو بجهد شخصي من قبل الأساتذة في الثانوية، الوزارة أجّلت فتح المدارس الى منتصف الشهر المقبل، وبالطبع نحن نلتزم بقرارها ولكن برأيي يجب ان لا يتكرّر هذا التأجيل والتعايش مع الفيروس ضرورة ومن لديه مناعة سينتصر عليه، والجهل هو فيروس أشّد فتكاً من ايّ وباء، لذلك علينا المخاطرة رغم كلّ شيء للحفاظ على ما تبقى من هذا الوطن».