أزمة جنوب القوقاز.. الهدف روسيا والوسيلة تركيا
سماهر الخطيب
أدى تجدّد الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا إلى نشوء قلق من أن تصبح منطقة جنوب القوقاز ساحة صراع جديدة بين الأطراف الدولية الفاعلة، ورغم أنّ أرمينيا لا تمتلك ميزان القوى، فإن لديها ورقتين رابحتين بالنسبة لها وهما الموقف الفرنسي والروسي.
وأمام ذلك، تثار التكهنات، حول الموقف الروسي والتركي، من الأزمة المتصاعدة في جنوب القوقاز، وهل سيقود التوتر لفتح جبهة جديدة بين أنقرة وموسكو هناك على غرار سورية وشرق المتوسط وليبيا.
في هذه الأثناء، جاء الموقف التركي داعماً ومؤيداً لـ«الشقيق» الأذري محملاً أرمينيا المسؤولية عن «احتلالها» إقليم قره باغ، رافضاً استمرار هذا «الاحتلال». كما وضع كل الصناعات الدفاعية التركية، بكل خبراتها وتقنياتها وقدراتها، بما فيها الطائرات المسيرة، وأنظمة الحرب الإلكترونية تحت تصرّف أذربيجان، بل وأكثر استقدم «ميليشيات المقاتلين» من سورية وليبيا إلى أذربيجان بحسب تقارير إعلامية سابقة.
وبحسب تصريحات مسؤول كبير في أرمينيا فإنّ اللاعب الرئيسي في هذه الأزمة ليس أذربيجان، بل تركيا، لإنها تسعى وراء مصالحها الجيوسياسية. أي أنّ الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا، ترتبط بشكل مباشر بالمصالح «القومية» التركية كما كانت في الماضي، وبالتالي فإنها ستعتمد في مدتها على كيفية استمرار الأعمال العدائية، وعلى رد فعل المجتمع الدولي.
بالتالي، سيصبح خطر الحرب في جنوب القوقاز، بمشاركة اللاعبين الدوليين وليس فقط طرفا الأزمة على غرار السيناريو السوري والليبي، ولكل من أولئك اللاعبين مصالحه الخاصة وفي المقدمة المصلحة التركية والتي لا تترك فرصة إلا وتنتهزها في محاولة لكسب الأوراق من جهة، وفرض نفسها كلاعب إقليمي فاعل من جهة ثانية، ومحاولة استعادة أمجاد «سلطنتها» من جهة ثالثة..
أما روسيا فإنها فضّلت أن تدعو الطرفين إلى التهدئة والعودة إلى المفاوضات، بل وعرضت أن تكون القرم مكاناً للمفاوضات..
وبالتالي، فإنها لم تدعم طرفاً ضدّ الآخر كما الموقف التركي بالرغم من الأقاويل حول السياسة الروسية التي «تختلق أي ذريعة من أجل العودة من جديد إلى تلك المنطقة». إلا أنّ روسيا تقوم بعكس ما يُقال، فاستراتيجيتها الرئيسية حالياً التركيز على المسار الدبلوماسي في العلاقات الدولية ونبذ الخلافات، والتأكيد على سيادة الدول، وسيادة القانون الدولي، لما يعود إليها من فوائد هذا من جهة..
ومن جهة أخرى تعلم روسيا جيداً أنّ ما عليها القيام به اليوم هو ضبط النفس، وعدم إثارة النعرات في حدودها الجنوبية والشرقية وترتيب الأوراق التي تمتلكها في المجتمع الدولي، لإنّ ما يحاك ضدّها قد تبلورت معالمه في بيلاروس وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا وبولونيا وشرق المتوسط بل وحتى في أوروبا مع تصعيد قضية تسمم نافالني..
وإذا ما أمعنّا النظر في كل تلك الأزمات فإننا نجد المحرّك الرئيسي لها «الكونترول» بيد الأميركي وذراعه «الناتوي» ليكون الهدف إلهاء روسيا بحدودها ريثما تتبلور نتائج الإنتخابات الأميركية والتأكد من عدم استحصال روسيا على نقاط قوة مضافة سواء أكانت نقاط قوة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية..
في حين لم تفوّت تركيا الفرصة، ولم تتخلَّ عن مراوحتها بين الغرب والشرق طالما أنّها تحقق أرباحاً في سجلاتها السياسية وإن لم تجنها فلن تخسرها في النهاية. وهذا المكنون في العقلية التركية حين تكسب بعض الضغوط على روسيا لاستحصال بعض المكاسب، وكذلك على الغرب؛ وهو ما برع فيه الرئيس التركي منذ سنوات مضت..
أضف إلى ذلك العلم المسبق لكل من أرمينيا وأذربيجان، بأنّ أيّ حرب بغض النظر عن القوقاز، ليست لصالح تركيا، أو لصالح المصالح الوطنية للاعب الآخر روسيا.
فروسيا ليست الحليف والشريك الرئيس لأرمينيا فحسب، بل هي أيضاً الضامن لوجودها كدولة، وإذا رفعت موسكو الدعم عنها فذلك يعني زوالها، في ظل واقع اقتصادي متدهور، ونشاط غير فاعل سياسياً، وبيئة غير مستقرة، وهجرة الشباب منها.. فأرمينيا بلد فقير، ليست لديه موارد ولا إنتاج، وهي في وضع يعتمد اعتماداً كبيراً على روسيا اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، ويتم التعامل معها كأنها «ولاية» روسية.
أما بشأن المخرج لحل الأزمة، على أرمينيا وأذربيجان، أن تضعا تدريجياً خريطة طريق جديدة بينهما، وبدعم إقليمي من تركيا، ودعم دولي من روسيا خاصة أنّ روسيا تتطلع لأن تكون وسيطاً في هذه الأزمة، لكن محاولتها أن تكون طرفاً فاعلاً وحدها، سيشكل خطراً في المعادلة الإقليمية.
وإذا ما استمر التصعيد، فإنه يمكن لأرمينيا دعوة موسكو للمساعدة، وفقاً لاتفاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي بينهما وبين روسيا، إنما تحرص روسيا على أن تقول في كل منعطف، إنها ليست طرفاً في الاشتباكات التي اندلعت، بل الإعلان عن إمكانية القيام بوساطة بين البلدين. وهو ما فعلته مؤخراً..
وبالتالي، تدرك روسيا جيداً أنها بحاجة لعلاقات وثيقة مع الجانبين الأذري والأرميني، في وقت تحاول الولايات المتحدة محاصرتها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجورجيا، لذلك فإن من غير الممكن لإدارة موسكو الانحياز بشكل كامل للتصرفات الأرمينية، لأنها بحاجة لعلاقات جيدة مع أذربيجان.