ماكرون والمفوّض السّامي الأميركي الجديد
} شوقي عواضة
لم يكنِ اعتذار الرئيس المكلّف مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة نتيجة لإصرار الثنائي الشّيعي على التمسّك بحقيبة وزارة الماليّة، أو لعدم تعاونهما إنّما هو نتيجة الإصرار الأميركي على أن يكون حزب الله خارج الحكومة. اعتذارٌ ممنهجٌ ضمن خطّةٍ متدرّجة، فمن حيث التوقيت جاء الاعتذار بعد كلمة حاكم السّعودية سلمان بن عبد العزيز التي ألقاها عن بعد أمام الأمم المتحدة إذ حمّل في كلمته حزب الله مسؤوليّة انفجار مرفأ بيروت متهماً إيّاه بالإرهاب والسيطرة بالقوّة على البلاد، ومطالباً المجتمع الدولي بتجريد الحزب من سلاحه. موقف حاكم الرياض جاء بالتزامن مع موقف نائب وزير الخارجيّة الأميركي ديفيد هيل الذي سبقهم إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لتختم الرّسالة الأميركية بموقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ظهر كمفوّضٍ سامي مكلّفٍ من إدارة ترامب مستعملاً لغة التّرغيب والتّرهيب متجرّداً من دور الوسيط الفرنسي، ومتبنّياً المواقف الأميركية الإسرائيليّة بكلّ وضوحٍ ليعلن مسؤولية حزب الله عن فشل تشكيل الحكومة دون أن يقدّم أيّة مقاربةٍ لتفاصيل ما جرى ودون الحديث عن العراقيل الأميركية التي شكلّت سدّاً منيعاً في وجه ولادة الحكومة ذات الرؤوس الأربعة للسنيورة وميقاتي والحريري وأديب الذين شدّدوا على أن تكون الحكومة غير سياسيّة أو حزبيّةٍ أو تابعة، في حين كانوا ينفّذون الأجندة الأميركيّة الفرنسية السعودية الإسرائيليّة بحذافيرها ويتعاملون مع الثّنائي الشيعي بلغة الإقصاء والتعامل معه كقاصر غير قادر على اتخاذ القرارات مستندين إلى القوّة الأميركيّة والتهديدات بتشديد الحصار مجدّداً إضافةً إلى استقوائهم بموقف ماكرون الذي يتبنّى من الأساس الموقف الأميركي بوجه فرنسي والذي تجلّى أكثر وضوحاً في كلمته الأخيرة التي صوّب بأغلبها على حزب الله وسلاحه قائلاً بأنّه لا يمكن لحزب الله أن يكون جيشاً محارباً لـ “إسرائيل” وميليشيا إلى جانب سورية وحزباً محترماً في لبنان لأنّه يظهر عكس ذلك وعليه أن يفهم أنّه يخسر لبنان بأسره معتبراً بأنّه قد حان الوقت لحزب الله بأن يوضح اللّعبة ولا يمكنه أن يُرهب الآخرين بقوّة السلاح ويقول أنّه طرفٌ سياسيٌّ مضيفاً بأنّ حركة أمل وحزب الله قرّرا عدم تغيير أيّ شيء يجب تغييره من خلال إصرارهما بوضوح على تسمية الوزراء الشّيعة محمّلاً حزب الله مسؤوليّة عدم احترامه لوعوده معه ومحدّداً ستة أسابيع إضافية لتشكيل الحكومة وفي حال لم تشكّل سنضطر وفقاً لقوله إلى سلوك خيارٍ آخر لإعادة تشكيل طبقة سياسيّة جديدة دون تحديد ذلك الخيار…
على كلّ حال لا بدّ للرئيس ماكرون أن يعيد قراءة تاريخ فرنسا قبل التدخّل في الشّؤون الداخلية للبنان والتصويب على حزب الله واتهامه بترهيب الآخرين وبأنّه لا يمكنه أن يكون جيشاً محارباً لـ “إسرائيل” التي ما زالت تحتلّ جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانيّة، عليه أن يصوّب في قراءته على المقاومة الفرنسيّة التي لم تستقبل المحتلّ الألماني بالورود بل قاتلت بكلّ شراسةٍ من أجل استعادة سيادتها واستقلالها، وعليه أن يتذكّر بأنّ المقاومة التي يتهمونها بالإرهاب وتهديد الآخرين لم تصبّ جامّ غضبها خلال تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000على العملاء والخونة، ولم تحاكم ولم تعدم أحداً منهم، بل قدّمتهم المقاومة للمحاكمة أمام القضاء اللّبناني ولم تشهد المناطق المحرّرة عمليّات تصفيات لعملاء المحتلّ الإسرائيلي كما فعلتِ المقاومة الفرنسيّة مع عملاء ألمانيا، ولم تشهد شوارعنا عمليات إهانة وسحل وتنكيل شبيهة بتلك التي شهدتها فرنسا خلال فترة الثّورة، ولم يُسَق العملاء في شوارع لبنان رجالاً ونساء حليقي الرأس ليبصق النّاس عليهم كما شهدت شوارع فرنسا.
أمّا في التاريخ القريب جداً والذي يذكره ماكرون فعليه أن يدرك بأنّ الإرهاب الذي ضرب قلب فرنسا وتصدّى له الفرنسيون هو نفسه الإرهاب الذي هزمه هذا السلاح وأرعبَ من يدعمه، تلك هي مقاومتنا التي لا يعلم عنها ماكرون سوى ما خطّته أقلام “السياديين” في قوى 14 آذار، وما رسمته إدارة ترامب من صورةٍ مشوّهةٍ لها.
سقط ماكرون في فخ ترامب ومعه سقطت مبادرته التي باتت في حقل سباقٍ زمنيٍّ مع الانتخابات الأميركية التي لن تغيّر شيئاً من سياساتها تجاه لبنان المقاوم سواء نجح ترامب أو بايدن وغيره بالوصول إلى البيت الأبيض، وفي ظلّ الاستمرار بسياسة عدم تدوير الزوايا فلا أفق قريباً لولادة حكومةٍ بدون حزب الله قبل نهاية العام الحالي.