منصور الحناوي: الفنّ التشكيليّ السوريّ متين وقويّ وينبّئ بالأفضل
كتب محمد سمير طحان من دمشق ـ سانا : يرتبط التشكيلي منصور الحناوي بالمكان بطريقة فريدة مسخراً موهبته لالتقاط لحظات جمالية من المحيط، سواء كان المشهد من الريف الذي ينتمي إليه ببساطته وتداخل بيوته وتفاصيله مع الطبيعة، أو من مدينة دمشق القديمة بحميمية البيوت وتكاتفها والتفافها بعضها على بعضها الآخر، لتشكل بتكوينها كتلا لونية تشير الى عمق ارتباط الفنان بمكوّنات محيطه وروح المكان.
عن علاقته بلوحته يقول التشكيلي الحناوي: اللوحة عالمي ومرآتي، إنّها تعكس ما يجول في داخلي، وهي وسيلتي الأمثل للتعبير. الموضوع والتقنية والأسلوب كلٌّ متكامل لديّ في اللوحة ونتيجتها النهائية. مذ بدأت في رسم المدن القديمة كان هاجسي التقنية المناسبة والمختلفة عما طرح سابقاً فهي مع بقية المكونات الفنية للوحة وحدة متكاملة، ما يستلزم بحثاً دائماً في التقنية لإظهار العلاقة بين هذه المكونات والخروج بالنتيجة التي أريدها. صخب التكوين يتاتى من غنى الحي القديم الذي يحمل الكثير من الزخم والعفوية، أما هدوء اللون فمن التناغمات اللونية وقيم الظل والنور ذات النسيج المنسجم الذي يدخل جميع الالوان بنسب مدروسة غير مخلة بقانون التصوير الزيتي».
أما لناحية تأثر لوحته بالأزمة فيرى الحناوي أنه رغم تأثر الجميع بهذه الأزمة إلاّ أن إيمانه بأن الحياة يجب أن تستمر ساعده في إكمال دوره في الحياة، إنطلاقاً من أهمية العمل الفني الذي ينجزه، مشيراً إلى أن بعض التشكيليين السوريين بدا تأثرهم بالأزمة مباشراً في لوحاتهم، وبعضهم غير مباشر، فالفنان السوري لو رسم الفرح الآن لبدا حزيناً لكن الفن السوري في نظره يحمل مقومات الاستمرار لأنه عميق وصلب.
حول وجود عدد من التشكيليين السوريين خلال السنوات الأخيرة في الخارج يشير الحناوي الى أن الفن التشكيلي السوري أفاد من هذا التواجد من خلال غزارة الإنتاج والحضور في مختلف الساحات الدولية، لكنه انعكس بنسب مختلفة على الفنانين، فبعضهم استغل هذا الواقع لمصلحة شخصية بحتة، وبعضهم واجه صعوبات ترتبط بخلفيات سياسية تبعاً لموقف تلك الدول من الأزمة في سورية، علماً أن تداعيات الحوادث لفتت الأنظار إلى الحركة التشكيلية السورية لرصد منعكسات الأزمة عليها.
يرى الحناوي أن الفن السوري حاضر في الساحة التشكيلية العالمية كتجارب فردية، لكنه ما برح إلى اليوم مفتقداً هوية محددة كفن ينتمي إلى الثقافة والحضارة السوريتين، لافتاً الى أن التشكيلي السوري معروف عامة في الخارج بإمكاناته الإبداعية العالية.
يؤكد الحناوي أن ثمة توجهاً لدى عدد كبير من التشكيليين السوريين نحو الحداثة وما بعد الحداثة التشكيلية، داعياً إلى التمييز بين نوعين من هؤلاء الفنانين، فبعضهم يمتلك الرؤية الفنية والفكرية وهو متمكن من أدواته وتقنيته ويريد دمج عمله الفني بالفن العالمي، وهناك البعض ممن وجد في الحداثة هرباً من ضعف القدرة الفنية لديه ومعرفته بتقنيات التصوير وعلوم الفن فقدم فناً هزيلاً فنياً وفكرياً لإخفاء ضعف موهبته وقدراته الفنية. ويضيف: «أعتقد أن وجود هذه التجارب الفنية الهزيلة ضمن سياق الحركة التشكيلية السورية يشكل خطراً كبيراً على هوية الفن السوري وسوّيته، خاصة عندما يمتلك بعض هؤلاء الفنانين الإمكانات المالية ويتحكمون في التقويم الفني في الوسط التشكيلي.
عن واقع السوق الفنية وأسعار الأعمال التشكيلية، يشير الحناوي الى أن السوق الفنية السورية تأثرت كثيراً بالأزمة عبر انحسار حالة العرض وإغلاق معظم الصالات الفنية الخاصة أبوابها وابتعاد الفئة المقتنية للأعمال الفنية الى الخارج، ما انعكس سلبا على حركة اقتناء اللوحات داخل سورية، لافتاً الى انتعاش أسعار اللوحة السورية خارج البلاد بحسب تجربة كل فنان وحضوره والجهة التي تسوق لعمله الفني، مع الإشارة إلى نشاط مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة خلال الأزمة، وانحسار دور الجهات الأخرى المعنية بالفن التشكيلي.
يضع الفنان الحائز جائزة الذكرى السنوية للانتفاضة عام 1989 نفسه في المدرسة الواقعية التي تجعله أكثر انسجاماً مع ذاته قائلاً: «إن التغيير في أسلوبي ومواضيعي لا يخضع لقرار أو لسياق معين، إنما يأتي كامتداد طبيعي لتجربتي التي أسعى دوماً إلى أن تكون متجددة. ولدي اليوم تجارب خجولة في الفن الحديث التي تحبو ببطء، لكنني أترك لريشتي الحرية كي تأخذني حيثما شاءت». ويرى أن التعليم في كلية الفنون الجميلة والمعاهد الفنية يتجه في مناح مختلفة، بعضها ينزع إلى الحداثة الفنية، وبعضها إلى التعليم الأكاديمي وتعليم تقنيات الرسم والتصوير، ومن ثم التوجه إلى الفن العالمي مثلما يحدث في كليتي الفنون الجميلة في دمشق والسويداء، مشيراً الى ان العملية الأكاديمية الفنية تسير عامة في الطريق الصحيح .
يلفت المحاضر السابق في كلية الفنون الجميلة في دمشق إلى أن لدى الجيل الجديد من الفنانين شغفاً وجرأة للتجريب، والتحديث ويتوجه إليه بالنصح أن يتقن الرسم وتقنيات التصوير، مع كثرة القراءة والاطلاع لاكتساب الثقافة الفنية الضرورية للإنتاج، والإفادة من تجارب الفنانين الآخرين، السوريين والعالميين.
يعبر الحناوي ختاماً عن تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري قائلاً: «إن الفنان السوري يحمل إرثاً حضارياً والعمل الفني السوري غني ومتنوع ومتجدد، ما يكسبه أهميته على مستوى العالم ومع وجود فنانين محترفين ومتمكنين من مختلف المدارس الفنية وتوجهاتها. هذا يجعل المحترف التشكيلي السوري متيناً وقوياً ومبشراً دوماً بالأفضل».
الفنان منصور الحناوي من مواليد السويداء عام 1963، خريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم الاتصالات البصرية، عام 1989، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، ويحمل جائزة الذكرى السنوية للانتفاضة عام 1989. حاضر في كلية الفنون الجميلة في دمشق بين عامي 1997-2003 وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها، وأعماله مقتناة في سورية وعدد من دول العالم.