نقاط على الحروف

سيّد الكرامة وروح المسؤوليّة

 ناصر قنديل

لم يكن ممكناً أن يمرّ كلام الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، بما فيه من رواية لوقائع مفاوضات تأليف الحكومة التي تولاها علناً الرئيس المكلّف مصطفى أديب، وقادها فعلياً نادي رؤساء الحكومات السابقين كحزب حاكم جديد، من دون أن تقدّم المقاومة وحزب الله رواية موازية من موقع الشريك الكامل في صناعة الوقائع، والشاهد عن كثب وقرب لهذه الوقائع، ومن طالته سهام الاتهام وفقاً لرواية ماكرون. كما لم يكن ممكناً كلام ماكرون ألا يلقى تعليقاً وتفنيداً وتحليلاً من جانب حزب الله، طالما أن المعلوم للقاصي والداني، أنه كما كانت الأزمة التي تعصف بلبنان في شق رئيسيّ منها ثمرة قرار أميركي بإسقاط لبنان أملاً بأن يسقط حزب الله، وفقاً لكلام حرفي قاله ماكرون، فإن المبادرة الفرنسية التي قادها ماكرون تتركّز بنسبة كبيرة منها على فتح الطريق لمقاربة مختلفة للعلاقة مع حزب الله، وبالتالي يحتل حزب الله موقعاً موازياً لموقع ماكرون في الوقوف على طرفي ثنائية تمسك بخيوط المشهد، ما يعني أن مسار المقاربة للعلاقة الفرنسية بحزب الله يشكل المحور الحاكم لمسار المبادرة الفرنسيّة. وبعد سماع كلام ماكرون، لا بد من أن يخرج صوت حزب الله، لتكتمل صورة الثنائية وتتركز عناصر المعادلة.

بالتوازي مع هذا الاعتبار السياسي يحضر بقوة اعتبار أخلاقي ومعنوي وقيمي، ربما تزيد قيمته عن قيمة الاعتبار السياسي، فالحزب الذي يمثل المقاومة بكل قيمها وروح التضحية التي تمثلها، لن يصمت وقد تركزت عليه سهام ماكرون بصفته واحداً من أحزاب السلطة، ومن المتربّحين من المال العام، والمتعيّشين على المصالح الطائفية، والذين يفضلون مصالحهم على حساب مصالح شعبهم، وصولاً للدفع بحزب الله الأبعد بين أقرانه عن السلطة ومغانمها ومكاسبها وفسادها، لتصدُّر واجهة المستهدفين بالتهم السوداء، خصوصاً عندما يكون الاتهام بهذه اللغة الرعناء، وهذا التعالي المفعم بروح المستعمر، وعقل الوصاية، وما بين السطور من أستذة تدعو المقاومة للاختيار بين ما أسماه ماكرون بالخيار الأسوأ، وبين الديمقراطية، لمقاومة نال حزبها الرئيسي ديمقراطياً أعلى نسبة تصويت بين الأحزاب اللبنانية.

إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التي جاءت في سياق ممارسة هذا الحق وهذا الواجب، تضمنت من حيث الشكل تحجيماً لكلام ماكرون، حيث توزع كلام السيد نصرالله على ملفات عدة، من تعزية الكويت برحيل أميرها، إلى تنامي خطر داعش منذ جريمة داعش الإرهابية في بلدة كفتون، وصولاً للتوقف بلغة التحدي أمام مزاعم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول وجود مستودعات صواريخ في منطقة الجناح قرب منشآت الغاز، فكانت دعوة فورية لوسائل الإعلام للملاقاة في المكان، إسقاطاً لمشروع تشويش على الإطلالة أراده نتنياهو قبل دقائق من موعدها، ليأتي الردّ على طريق يوم ساعر، انظروا إليها إنها في البحر تحترق، ليصل بهدوء إلى الملف الحكومي وفي قلبه كلام ماكرون، وبدا أنه يتعمّد عدم منح كلام ماكرون مكانة الصدارة من خلال الدخول الى كلامه من سردية تفصيلية لمسار العملية الحكومية والتعامل مع المبادرة الفرنسية من جميع الأطراف ومن ضمنها حزب الله، وثنائي حزب الله وحركة أمل، كاشفاً بالتفاصيل كيف تحوّلت الحكومة من مشروع إنقاذ قائم على تشارك الجميع خارج قضايا الخلاف الى مشروع انقلاب واستفراد بالحكم من خراج الدستور والأعراف لصالح جهة ذات لون واحد سياسي وطائفي، بقوة التهديد بالعقوبات والعصا الفرنسية، وبتغطية فرنسيّة تحت شعار السعي لإنجاح المبادرة، بلغة التهديد بالعواقب الوخيمة، وصولاً لحكومة تستعيد مسار حكومة 5 أيار 2008، والتآمر على المقاومة، لتصير الحكومة حكومة مهمة حدّدها الملك سلمان بنزع سلاح حزب الله، وليست حكومة المهمة التي تحدّث عنها ماكرون ووافق عليها الجميع. وهذا ما لا يمكن التساهل مع تكراره مرة أخرى، فلن تقبل حكومة الانقلاب ولن تقبل حكومة توقِّع من دون نقاش على شروط مجحفة لصندوق النقد الدولي، أو حكومة تبيع اصول الدولة، وحكومة تفرض ضرائب مرهقة على اللبنانيين، وكل ذلك كان يجري بشراكة فرنسا وتحت عباءة تهديداتها، متسائلاً هنا من الذي لجأ للتهديد والترويع، فرنسا ماكرون أم حزب الله؟

بكل هدوء، انتقل السيد إلى مناقشة كلام الرئيس الفرنسي، طارحاً السؤال المفتاح، هل القضايا التي سقطت عندها الحكومة كانت من ضمن المبادرة الفرنسية، أم هي قضايا وعناوين ابتدعها نادي رؤساء الحكومات السابقين وحدهم، مورداً جواباً رسمياً فرنسياً يؤكد أن ما طرحه نادي الرباعي جاء من خارج المبادرة، ليسأل إذا كيف يكون الجميع مسؤولاً؟ والسؤال الأهم، ما هي عهود المقاومة التي تنكّرتْ لها، أليس ما قام به حزب الله وحلفاؤه ورئيس الجمهورية هو عين التسهيل المطلوب، وهو عين الوفاء بالوعود والعهود، وللمقاومة سجل حافل بمصداقية الوفاء بالوعود والعهود؟ أما الدعوة للاختيار بين ما أسماه ماكرون بالخيار الأسوأ والديمقراطية، فجوابها واضح بالتمسك بحقوق الغالبية النيابية بمنع انقلاب بعض الأقلية النيابية لوضع اليد على البلد في ظلال المبادرة الفرنسية عكس المسار الديمقراطي، والمقاومة عنوان خاطئ لكل توصيفات ماكرون حول الفساد والمصالح، وعنوان خاطئ حول السلاح وتوظيفه في السياسة، والمقاومة لم تشهر سلاحها إلا رداً لعدوان أو مواجهة لاحتلال، أو تصدياً لإرهاب.

تفوق السيد نصرالله على ماكرون بالقيمة المضافة لا بفائض القوة، بقوة الحق لا بحق القوة، بالوقائع والحقائق ودقة التدقيق لا بالمزاعم والتوهّمات والتلفيق. تفوّق السيد نصرالله بحفظ الكرامة من دون حرب، وخاض ماكرون حرباً فقد فيها كرامته، فرض السيد نصاً تفسيرياً لمبادرة خانها صاحبها، ووضع آلية لإنقاذها من تخاذل كان يصاحبها. ورسم السيد سياق الصداقة خارج نفاق المواربة خشية ترهيب أو طلباً لترغيب، وخسر ماكرون فرصة صداقة لأنه تحت ترهيب حليف وترغيب مغانم حليف آخر، لكن رغم كل ذلك مد السيد يده لكلمة سواء، وأغلق باب الهدم وفتح مجدداً باباً واسعاً لخيار البناء، فانتصر السيد بكلام في قمة المسؤولية من موقع خارج المسؤولية الرسمية على كلام بعيد عن المسؤولية من أعلى مواقع المسؤولية الرسمية، ورمى الكرة في ملعب ماكرون قائلاً، لمن قالوا إن كلمة ماكرون تعادل كش ملك لحزب الله، إن اللعبة مفتوحة ولم تنته، والرمية التالية لرئيس فرنسا فإن أحسن لاقيناه وإن أساء فليلاقينا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى