الحوار الضائع في الوقت الضائع
وليد زيتوني
يقول المثل العامي: «الجمل بنيّة والجمّال بنيّة». ينطبق هذا المثل بشكل كبير على واقع القوى المتحاورة في لبنان. إنْ كان الحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل، أو بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. كلّ منهم ينظر إلى الحوار بمنظاره الخاص. بكلمة أخرى، هو تكتيك سياسي متبع للوصول إلى أهداف مضمرة، وهي مسألة طبيعية لو كانت هذه القوى فعلاً أقدمت على الحوار انطلاقاً من حرصها فقط على مصلحة بقاء الوطن واستمراره. غير أنّ البحر سيكذّب الغطّاس آجلاً أم عاجلاً. فهل نستطيع تبيان نقاط التقاء عملية غير تلك المعلنة؟ ولو كانت الأهداف المعلنة هي فعلاً ما يبحث عنه المتحاورون، لما مرّت الأشهر والسنوات من دون أي مبادرة جدية للحوار، ولما اقتصر الحوار على الأطراف المذكورة. أليست طاولة الحوار الوطني مكاناً مناسباً يجمع القوى المتصارعة كافة؟
إذا كانت النقاط التي بقيت موضوع خلاف على طاولة الحوار الوطني، جرى تجاوزها، وهي نقاط أساسية في مسار الوصول إلى بناء حالة ثقة بين هذه القوى، فهل هوامش الالتقاء بين الأطراف الثنائية وهي أطراف أكثر تشدّداً من غيرها تكون بمتناول اليد، أم هناك عوامل أخرى تفرض اللقاء؟ عوامل يمكن أن تكون إقليمية ودولية.
الجميع في الواقع الآن مع الحوار. على رغم أنّ هذه القوى نفسها كانت تضع شروطاً تعجيزية للمباشرة بالحوار. فتيار المستقبل حتى وفي ظلّ الحوار اليوم ينبري بعض مسؤوليه إلى التذكير بوجوب عودة حزب الله من سورية. وأن دخول حزب الله سورية هو من استجلب الإرهاب إلى لبنان. فعلى رغم استحالة القبول بهذا الشرط من المقاومة، دخل المستقبل حواراً مباشراً مع الحزب. فهل سعد الحريري وأعوانه تبدّلت قناعاتهم أم هناك تعليمات سعودية وأميركية أوجبت هذا السلوك، ولغاية لا يعرفها تيار المستقبل، بل محصورة في الدوائر الأميركية والسعودية؟ انها مرحلة إعادة التموضع الأميركي الجديد، وهي مرحلة ضائعة في المشروع الأميركي، وبالتالي وضع الحالة اللبنانية في الثلاجة حتى إشعار آخر، ربما تمتد إلى ما بعد الانتهاء من الملفات الأخرى. من الملف النووي الإيراني إلى الملف الأوكراني إلى ملف النفط وتبيان النتائج الحقيقة التي ستسفر عنها الحرب الاقتصادية التي تشنّها أميركا على كلّ من روسيا وإيران.
في هذه المرحلة الضائعة أيضاً، دخل سمير جعجع على الخط بإيحاء من معلميه الأميركيين بهدفين، وهو مقتنع تمام الاقتناع أنه لن يتنازل للجنرال في معركة الرئاسة وهي مؤجلة حالياً، وفي الوقت نفسه أنّ الجنرال لن يعطيه الوصول إلى الرئاسة. الهدف الأول، يتعلق بكسب الشرعية المسيحية الكاملة بعدما اكتسب الشرعية من السنة وتنظيف أو تبييض سجله من الجرائم السابقة. والهدف الثاني، استمالة المسيحيين المحايدين في الصراع بينه وبين عون.
الحقيقة أنّ هذه الحوارات لن تصل إلى نتائج مرجوة حتى في ما يتعلق بالإرهاب. فلكلّ من هذه القوى تعريفها الخاص وسلوكها الخاص وأهدافها الخاصة في ما خصّ هذا الموضوع.
في هذه اللحظة الضائعة، دخلت «إسرائيل» على الخط وطوعت «جبهة النصرة» ووجهتها إلى ما يخدم أهدافها. فالقيادة الشمالية لجيش العدو، باتت تمتدّ من درعا مروراً بالجولان والقنيطرة وصولاً إلى منطقة القلمون، وهي تتدخل إما مباشرة كما حصل الأسبوع الماضي بالقنيطرة، أو بالوكالة كما حصل في اليومين الأخيرين في رأس بعلبك. إنّ معركة رأس بعلبك، لا يمكن وصفها بعملية عابرة، بل هي خطيرة بمكانها وزمانها وتوجهاتها وأبعادها. إنها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في ما خصّ المشروع التكفيري بإقامة إمارة في الشمال، لكن هذه المرة بتخطيط ودعم لوجستي وعملياتي من قبل «إسرائيل» مباشرة.
لنقل إننا في هذا البلد منقسمون في معسكرين ومحورين لم يلتقيا في السياسة ولا بالاقتصاد ولا بالأهداف الكبرى ولا الأهداف المحلية. إننا لم ولن نتغيّر ما دمنا نستلهم المشاريع الخارجية ونجعلها مشروعنا الفئوي.
لنتفق بداية على الهوية، لنتفق على الصديق والعدو، لنتفق على المواطنية، لنتفق على تعريف الإرهاب، يصبح بمقدور أطراف الحوار الوصول إلى بناء دولة.
بانتظار العابرين إلى المواطنية لا إلى الدولة فقط. فالمواطنية شرط من شروط الدولة وليس العبور إليها.
عميد ركن متقاعد