كي لا تضيع الفرصة… إتفقوا
البروفسور فريد البستاني _
خلال شهر بدأ بتكليف الدبلوماسي مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة في ظلال المبادرة الفرنسية تفاءل اللبنانيون بأنهم سيجدون نقطة ضوء خارج النفق المظلم المحيط بهم من كلّ اتجاه، ووجدوا أنفسهم في نهاية الشهر أنهم ما زالوا في بداية النفق، ولأنّ الجميع يقول إنه ليس لدينا ترف الوقت، نقول ليس لدينا ترف ترجيح منطق على آخر والأخذ بعذر بوجه آخر، فما كنا ننتظره نخشى أن يضيع، وقد سمعنا الجميع يكرّرون أنهم يرون في المبادرة الفرنسية فرصة يجب ألا تضيع، وربما تكون هذه نقطة إجماعهم الوحيدة، والنقطة الوحيدة التي تهمّ اللبنانيين من إجماعهم.
طالما أنّ الشعب والقادة متفقون على اعتبار المبادرة الفرنسية فرصة يجب ألا تضيع، وطالما أنّ المبادرة الفرنسية لا تزال على الطاولة كما قال صاحبها، فهذا يعني أنّ الأولوية ليست لما نسمعه وسمعناه، سواء في تبرير الذات، أو في توزيع المسؤوليات، وفي إعلان البراءة من دم إضاعة الفرصة والإنشغال بتقديم الإثبات، فما يهمّنا هو ما يهمّ اللبنانيين، الموزعين بولاءاتهم والمنقسمون على خياراتهم، لكنهم مجمعون على أنهم يرون في المبادرة الفرنسية فرصة ومجمعون على أنهم لا يريدون لها أن تضيع.
ربما يكون مفيداً أن نقول بلسان اللبنانيين للمعنيين، جولة أولى انتهت لا غالب ولا مغلوب، ولأنّ الحلبة هي أرزاق اللبنانيين وأعصابهم ومستقبل أبنائهم، وودائعهم، وأرواح الذين سقطوا في تفجير المرفأ وجرائم الإرهاب، ولا ضمانة لنا أنها نهاية المطاف نقول إرحمونا وجنّبونا جولة ثانية، فلا داعي لاستعراضات القوة، ولا لاختبارات عضّ الأصابع، فتلك أعناقنا التي تعضّون عليها وليست أصابعكم، فهل يحقّ لنا أن نتوقع منكم الانتقال من جولات المباريات العبثية لتسجيل النقاط، ولعبة الثعالب، بركب الموجات ونبش المطالب ونشب المخالب، وتناتش الحقائب وقد باتت خاوية كبطون اللبنانيين، واللبنانيون لا يريدون منكم سوى ذلك، أن تشكلوا حكومة تتوافقون حولها، تحت سقف المبادرة الفرنسية وخطتها الإصلاحية، ولا يهمّهم ولا يهمّنا كيف، ولا حول ماذا تتفقون وعلى ماذا تختلفون، سواء في توزيع الحقائب، أو في تبادل المناصب، أو التضحية ببعض المكاسب، المهمّ أن تتفقوا.
حكومة برئيس وسطي أو رئيس يسمّيه طرف ويرضى به الآخرون، حكومة تكنوقراط يرضاها الجميع، أو حكومة تكنوسياسية يتمثل فيها الجميع، كما عاد الكلام إلى بازار التكليف والتأليف، أو حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع أو حكومة أقطاب من باب التسريع، المهمّ أن تتفقوا.
حسناً فعل رئيس الجمهورية أنه بقي خارج الصراع على جنس ملائكة المواد الدستورية، وقد شاهدناها تتطاير من حولنا، وهو المؤتمن وحده بينهم على الدستور، أو حول مفاهيم وشروط الميثاقية، وهو المعني بحمايتها ورعايتها، ذلك أنّ الرئيس أراد أن يقول للبنانيين إنّ همومه هي همومهم، وإنّ ما يعنيه هو أن تولد حكومة وألا تضيع الفرصة.
عود على بدء والكلّ عاد يقول إنه رغم كلّ شيء لا يزال يرى المبادرة فرصة يجب ألا تضيع، وهذا تصريح الجميع، فهل يمكن أن ترحمونا وتتفقوا؟
قبل شهور كانت سقوف أحلام اللبنانيين عالية، وكانوا يحلمون بتغيير، وكانوا يتحدثون عن ثورة، ونحن نعترف اليوم أنه إذا كان هدف البعض دفعنا إلى اليأس من التغيير فقد نجح، وإنْ كان هدف بعض آخر سرقة التغيير ولعب لعبة التجيير، فقد نجح، والتغيير لم يعد أولوية، ومكافحة الفساد وسوء الإدارة والمحاصصة وتقاسم المغانم، التي كانت عنوان كلّ كلام يردّده المواطنون تتقدّمها اليوم أولوية ردّ خطر المجاعة، ومنع وقوع الفوضى، وأولوية منع سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، ومنع الانهيار الكبير، فالذين كانوا يرغبون ببلوغنا هذه النقطة ليطمئنوا إلى أنّ مصالحهم مصانة، بإمكانهم الاطمئنان إلى أننا نزلنا عن شجرة الأحلام، وما عاد يعنينا إلا قدر قليل من نبض حياة كريمة تليق بشعب ضحّى كثيراً وتحمّل كثيراً، ويبحث عن آخر فسحة أمل، قبل أن تروا الوطن الجميل قد صار قارباً كبيراً يحمل أهله في هجرة نحو المجهول، فمن ستحكمون إنْ غادر الشعب وترك لكم البلاد خراباً.
اتفقوا، وليس مهمّاً على ما تتفقون، المهمّ اتفقوا قبل أن تجدوا أنفسكم في أحد السوادين، سواد شعب جائع غاضب ثائر يحرق الدور والقصور، وسواد شعب هائم على وجهه في البحار أو في القبور.
إتفقوا قبل أن تفوت الفرصة وتضيع، لأنها إنْ ضاعت لن يرحمكم اللبنانيون، ولا التاريخ…
*عضو في مجلس النواب اللبناني