عشائر العراق حصان طروادة لعودة الاحتلال الأميركي والتقسيم؟
حميدي العبدالله
يرفض بعض زعماء العشائر في غرب العراق، وكذلك بعض الأحزاب العاملة في المنطقة التي شاركت في العملية السياسية منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي- الغربي للعراق، ترفض هذه الأطراف جميعها الاستعانة بقوات الحشد الشعبي للقضاء على تنظيم «داعش»، وتوجه الانتقادات إلى الحكومة العراقية لأنها لا تقدّم لها الدعم الكافي للقضاء على «داعش» واستعادة المناطق التي سيطرت عليها.
قد يكون إحجام الحكومة العراقية عن تقديم الدعم السخي للعشائر المنتشرة في غرب العراق مبرّراً، وهو الخشية من سقوط هذا الدعم بيد «داعش» التي تتمتع ببيئة حاضنة تختلف عن مناطق العراق الأخرى، أو قد لا يكون مبرّراً، لكن الأمر الخطير هو أنّ هذا الموقف يشكل ذريعة لاستقدام قوات أميركية إلى غرب العراق، بحجة أنّ سكان المنطقة يثقون بالقوات الأميركية أكثر من ثقتهم بقوات الحشد الشعبي، وعلى الرغم من أنّ مثل هذا السلوك ينطوي على تحوّل خطير في مقاربة الأوضاع في العراق، حيث يصبح المحتلّ الأميركي الذي عانى منه سكان غرب العراق أكثر من أيّ منطقة أخرى مخلصاً، في حين أبناء الشعب العراقي من المناطق الأخرى يحرّم عليهم تقديم العون إلى أشقائهم لاستعادة مدنهم من سيطرة «داعش» وحلفائها، فإنّ الأخطر من ذلك ما سيترتب على مثل هذا السلوك، لجهة إعادة الاحتلال الأميركي إلى جزء كبير من العراق، وهو محافظة الأنبار التي تشغل مساحة تصل إلى 150 ألف كيلومتر مربع، فضلاً عن أنّ هذه العملية سوف تقود إلى تكريس تقسيم العراق.
لكن هل يستطيع التعاون بين الأميركيين وعشائر غرب العراق، أو بعض هذه العشائر، القضاء على «داعش»؟
تجربة الاحتلال الأميركي للعراق ما بين 2003 و2011 تؤكد عكس ذلك، إذ أنّ تنظيمات «القاعدة» تزدهر حين يكون هناك وجود للاحتلال الأميركي، فقبل أن تحتلّ الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون العراق عام 2003 لم يكن هناك أيّ وجود لتنظيم «القاعدة»، وهذا التنظيم جاء إلى العراق، واكتسب الخبرة، وجنّد آلاف المقاتلين في ظلّ وجود الاحتلال الأميركي، وليس بعد رحيل القوات الأميركية عن العراق.
كما أنّ تجارب دول المنطقة تؤكد هذه الحقيقة، ففي اليمن لم يفد وجود المستشارين الأميركيين، ولا الضربات الجوية بطائرات من دون طيار أو يقودها طيار للقضاء على تنظيمات «القاعدة»، بل إنّ نفوذ هذه التنظيمات توسّع جراء الاستعانة بالقوات الأميركية. فالرهان من قبل بعض العراقيين على الأميركيين من جديد يمثل خطراً على وحدة العراق وعودة احتلال جزء منه، بل وأيضاً لا يقود إلى تخليص المناطق التي سوف تنتشر فيها القوات الأميركية من بطش «داعش»، وسيشكل وجود هذه القوات ذريعة لإقناع سكان هذه المناطق بوجود قضية لدى هذا التنظيم الإرهابي، كما سوف يشكل مبرّراً لسلوكه الإجرامي في مواجهة سكان هذه المنطقة، أو بعضهم بتهمة التعامل مع العدو المحتلّ.