الاقتصاد العالميّ يسير نحو ركود عميق والصين الوحيدة التي ستشهد نمواً..
ذكر صندوق النقد الدولي أول أمس، أن «الاقتصاد العالمي يسير نحو ركود عميق في عام 2020 وسط استمرار تفشي جائحة كوفيد-19، وستكون الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سيشهد نمواً هذا العام».
في أحدث تقرير لها حول آفاق الاقتصاد العالمي، قامت المؤسسة المقرضة متعددة الأطراف بتعديل توقعاتها للاقتصاد العالمي لعام 2020 إلى الانكماش بنسبة 4.4 في المئة. وعلى الرغم من التعديل التصاعدي، إلا أن صندوق النقد الدولي قال إن الخروج من هذه الأزمة من المرجّح أن يكون «طويلاً، ومتفاوتاً، ومشوباً بقدر كبير من عدم اليقين».
وأعرب خبراء اقتصاد عن اعتقادهم بأن «انتعاش الصين بصورة أفضل مما كان متوقعاً – مدعوماً باحتواء الفيروس والإنفاق الحكومي والصادرات القوية – له آثار غير مباشرة على جيرانها وشركائها التجاريين، وسيدعم الصعود الصعب للاقتصاد العالمي في المستقبل».
ومن ناحية أخرى، فإن عودة ظهور الفيروس تشكل خطراً على آفاق الاقتصاد العالمي، ما يدعو إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف لإنهاء هذه الأزمة الصحية لضمان تحقيق انتعاش مستدام.
في تقريره الصادر حديثاً حول آفاق الاقتصاد العالمي، يواصل صندوق النقد الدولي توقعه لركود عميق في عام 2020. فمن المتوقع أن يتقلص الناتج العالمي بنسبة 4.4 في المئة، وهو أعلى بواقع 0.8 نقطة مئوية عن توقعات حزيران.
وقالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحافي افتراضي عُقد أول أمس الثلاثاء خلال الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إن «هذا الصعود يرجع إلى حد ما إلى نتائج أقل خطورة في الربع الثاني، فضلاً عن مؤشرات على انتعاش أقوى في الربع الثالث، تقابلها جزئياً تراجعات في بعض الاقتصادات الناشئة والنامية».
وذكرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا في خطاب ألقته مؤخراً إن «الانتعاش الأفضل من المتوقع يرجع إلى حد كبير إلى إجراءات غير عادية متعلقة بالسياسات»، من شأنها أن تضع أرضية تحت الاقتصاد العالمي.
ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، قدّمت الحكومات في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 12 تريليون دولار أميركي كدعم مالي للأسر والشركات، إلى جانب إجراءات «غير المسبوقة» بشأن السياسة النقدية.
وأشارت جوبيناث إلى أن»هذه الأزمة، مع ذلك، لم تنته بعد، والخروج من هذه المحنة من المحتمل أن يكون طويلاً، ومتفاوتاً، ومشوباً إلى حد كبير بعدم يقين».
وقالت كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي إن «الانتعاش الاقتصادي من المتوقع أن يكون قوياً في الربع الثالث، لكنه قد يتباطأ في المستقبل».
وذكرت جوبيناث «لأننا ما زلنا نعيش مع الجائحة في أجزاء كثيرة من العالم، فإن ذلك سيبطئ الانتعاش لأن قطاعات الخدمات كثيفة الاتصال على نحو خاص لن تتعافى تماماً طالما أن الجائحة لم توضع بعد تحت السيطرة».
ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالميّ، لا تزال هناك حالة عدم يقين هائلة تكتنف آفاق الاقتصاد العالمي مع تواجد مخاطر على الجانب السلبي والجانب الإيجابي على حد سواء. وتشمل المخاطر على الجانب السلبي عودة ظهور الفيروس وتنامي القيود على التجارة والاستثمار، فضلاً عن تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي.
وقالت جوبيناث «نحن قلقون للغاية بشأن الموجات الثانية المحتملة»، مضيفة «وإذا كانت هناك بالفعل موجة ثانية خطيرة، تؤدي إلى إجراءات احتواء وإغلاق واسعة النطاق، فسيكون ذلك بالتأكيد خطراً سلبياً كبيراً لتوقعاتنا».
ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر مؤخراً، من «المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 1.9 في المئة هذا العام، وهو الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سيشهد نمواً هذا العام. وهذه النسبة أعلى بواقع 0.9 نقطة مئوية عن توقعات حزيران».
وأشارت جوبيناث إلى أن «التعديل بالزيادة لنمو الصين نتج جزئياً عن أداء أفضل من المتوقع في الصادرات»، مضيفة أن «الطلب على المعدات الطبية وأجهزة المكاتب للعمل من المنزل، شهدت ارتفاعاً. وزادت صادرات الصين بسبب ذلك».
وتابعت قائلة إن «العامل الثاني يكمن في الحافز القوي المنبثق عن الاستثمار العام في البنية التحتية. وقد كان هذا أيضاً عاملاً مفاجئاً في الاتجاه الصعودي».
ومن ناحية أخرى، توقع البنك الدولي مؤخراً أن «ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 2.0 في المئة هذا العام، وهي أعلى من توقعات بتسجيل نمو نسبته 1 في المئة صدرت في حزيران»، وفقاً لتقرير تشرين الأول 2020 حول مستجدات الوضع الاقتصادي لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ.
وذكر البنك الدولي أن «النمو سيتعزّز بالإنفاق الحكومي، والصادرات القوية، وانخفاض معدل الإصابات الجديدة بكوفيد-19 منذ آذار»، لكن بطء الاستهلاك المحلي سيقيده.
وأشار تقرير نشرته شبكة «سي إن إن» مؤخراً إلى أن «الصين حققت تعافيها السريع نسبياً من خلال إجراءات عدة، تشمل الإغلاق الصارم وسياسات تتبع السكان التي هدفت إلى احتواء الفيروس».
ولدى تسليطه الضوء على إنفاق الحكومة على البنيّة التحتيّة وتقديمها حوافز نقدية لتعزيز الاستهلاك، قال التقرير إن «المردود كان واضحاً»، حيث انتعشت السياحة والإنفاق خلال عطلة الأسبوع الذهبي التي استمرت ثمانية أيام.
ولفت جيفري غاريت، عميد كلية مارشال لإدارة الأعمال بجامعة جنوب كاليفورنيا، إلى أنه «قبل الجائحة، انخفضت فجوة النمو السنوية بين الاقتصادات المتقدمة والصين إلى نحو 4 نقاط مئوية».
والآن تقدر توقعات صندوق النقد الدولي لهذا العام بأن يصل نمو الصين إلى 1.9 في المئة مقارنة بأن يصل نمو الاقتصادات المتقدمة إلى سالب 5.8 في المئة، ما يشير إلى نطاق أوسع بكثير، حسبما ذكر غاريت.
وقال غاريت «بشكل عام، يعمل كوفيد على تسريع الاتجاهات التي كانت قائمة بالفعل – أحد أهمها هو الصعود الاقتصادي للصين».
ولدى تعليقها على دور الصين في الانتعاش العالمي، قالت جوبيناث إن «النمو في الصين وهي اقتصاد رئيسي له آثاره»، خاصة على جيرانها، مشيرة إلى أنه «من خلال التجارة العالمية، من الواضح أن الصين تلعب دوراً مهماً في توفير المعدّات الطبية التي تشتد الحاجة إليها».
في الوقت الذي جاء فيه الانتعاش في الصين أسرع من المتوقع، فإن صعود الاقتصاد العالمي على مدى فترة طويلة حتى يصل إلى مستويات النشاط ما قبل الجائحة يظل «عرضة للنكسات»، وفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
من المتوقع أن يكون النمو التراكميّ لدخل الفرد في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (باستثناء الصين) خلال الفترة 2020-2021 أقل من النمو في الاقتصادات المتقدّمة، ما يعني أنه من المتوقع أن يزداد التباين في آفاق الدخل بين المجموعتين سوءاً، حسبما أشارت جوبيناث.
وقالت كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي «ستكون هناك حاجة إلى دعم دولي، خاصة للدول النامية منخفضة الدخل»، مضيفة «وستكون هناك حاجة إلى المزيد من التمويل بشروط ميسّرة، والمزيد من المساعدات، والمزيد من المنح، والمزيد من الإعفاء من الديون».
فقد أدى الإنفاق المالي المطلوب وانهيار الإنتاج إلى دفع مستويات الديون السيادية العالمية إلى مستوى قياسي نسبته 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.
وأقرّت مجموعة العشرين مبادرة تعليق خدمة الديون في وقت سابق من هذا العام لمساعدة أشدّ البلدان فقراً على إدارة تأثير الجائحة. ومن المقرّر أن يجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من اقتصادات مجموعة العشرين افتراضياً اليوم، وقد يتخذون قراراً بشأن تمديد تخفيف خدمة الديون.
وقالت جوبيناث «من المرجّح أن تترك هذه الأزمة ندوباً على المدى المتوسط» لافتة إلى أن «أسواق العمل تستغرق وقتاً للتعافي، والاستثمار يتراجع بسبب حالة عدم اليقين والمشاكل المرتبطة بالميزانية العمومية، فيما يتسبب التعليم المفقود في ضعف رأس المال البشري».
وتشير التقديرات إلى أن «الخسارة التراكميّة في الناتج مقارنة بالمسار المتوقع لما قبل الجائحة ستزداد من 11 تريليون خلال 2020-2021 إلى 28 تريليون خلال 2020-2025»، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وشددت كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي على الحاجة إلى تعاون دولي أكبر لإنهاء هذه الأزمة الصحيّة. وقدر صندوق النقد الدولي بأنه «إذا أمكن توفير الحلول الطبية بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع بالنسبة لخط الأساس الخاص به، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تراكمية في الدخل العالمي بنحو 9 تريليونات دولار بحلول نهاية عام 2025».
وقالت جوبيناث إن «أهمية التعددية لم تكن في أي وقت مضى أكبر مما هي عليه الآن»، مضيفة أنه «مع وجود هذه الجائحة، فإنه إذا لم نتمكن من السيطرة عليها في كل مكان في العالم، لن يكون أي مكان في العالم آمناً، وبالتالي يتعين على البلدان العمل معاً».