انقلاب في القصر السعودي… والتركة منطقة ملتهبة ومملكة محاطة بالخصوم والأعداء
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
«باستثناء سورية والعراق حيث يسيطر تنظيم داعش الإرهابي المتطرّف على أجزاء من أراضيهما، لا دولة تواجه تهديداً مباشراً من المسلحين الإسلاميين أكثر من السعودية، التي يعتبرها المتطرفون خائنة للإسلام بسبب ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة والغرب. لا ملك سعودياً تولى العرش وسط هذه الحالة من الاضطراب الإقليمي أكثر من الملك سلمان، الذي أصبح ملكاً يوم الجمعة الماضي بعد وفاة أخيه الملك عبد الله. فمع استمرار الحرب في سورية وتزايد الاضطرابات مع إيران، السعودية مهدّدة بانهيار الحكومة الوطنية في اليمن عبر حدوده الجنوبية، ومن قبل مسلحي داعش الذين يسيطرون على الصحراء العراقية قرب حدودها الشمالية. وفي خطابه الأول كملك يوم الجمعة، ذكر سلمان بشكل غير مباشر، تهديد العنف المتصاعد وعدم الاستقرار الإقليمي…».
هذا بعض من تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أوّل من أمس، في إشارة إلى التحدّيات التي تواجه العاهل السعودي الجديد، الذي وجد نفسه ملكاً على مملكة محاطة بمنطقة مضطربة من كل النواحي.
وفي تقرير آخر نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أيضاً، نرى أن ما سمّي «ثورات الربيع العربي» التي لم تنل من النظام الملكي في السعودية، فإنها وسعت نفوذه في المنطقة وجعلته قوة لا مثيل لها.
وتقول الصحيفة عن محلّلين ودبلوماسيين: «إن صعود السعوديين تحقق إلى حدّ كبير، نتيجة ضعف ـ أو شبه انهيار ـ عدد من البلدان المجاورة، بما في ذلك العراق وسورية واليمن وليبيا والبحرين ومصر وتونس. كما أن الحفاظ على النظام القديم يعتمد إلى حدّ كبير على تدفق الموارد السعودية باستمرار، لذا فإن هذا التأثير مكلف أيضاً. فالسعوديون يدعمون البحرين ويقاتلون جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة لدعم الحكومة في بغداد. بينما نجد مليارات الدولارات في خزائن السعودية تعمل على دعم الحكومات الصديقة في مصر والأردن. والرياض تدعم الميليشيات المقاتلة في ليبيا وتعمل وسائل إعلامها على تقديم الدعم الحاسم لفصائل بعينها في تونس وغيرها من أنحاء العالم العربي. وفضلاً عن ذلك، فإنه يمكن للمملكة العربية السعودية ادّعاء بعض الانتصارات، بما في ذلك الحكومة المنتخبة في كل من مصر وتونس. لكن الاضطرابات التي يواجهها جيرانها، هي نفسها أسباب للقلق داخل المملكة. فجهودها لم تأت بأيّ علامات على الاستقرار في سورية والعراق أو ليبيا، فيما انهارت الخطة الانتقالية المدعومة من السعودية، في اليمن».
في تقريرنا التالي، مرورٌ على تقارير إعلامية عدّة. بدءاً بمدوّنة «هافنغتون بوست» الأميركية، وكالعادة، يحاول تقريرنا الإضاءة على أهمّ ما كُتب في الصحافة العبرية، كي يدرك القارئ مدى ارتباط إعلام العدو بكل ما يجري حولنا، وكيف ينظر إلى المتغيرات.
البداية مع مدوّنة «هافنغتون بوست» الأميركية، التي أسّستها آريانا هافنغتون مع كينيث ليرير وآندرو بريتبارت وعدد من الكتبة الإخباريين البارزين. وتقدّم هذه المدوّنة أخباراً تشمل السياسة والأعمال والمنوّعات والتكنولوجيا والثقافة والكوميديا والصحة ومواضيع تهمّ المرأة وأخباراً محلية. بدأت العمل في 10 أيار 2005 كموقع تعليقات يسارية وليبرالية في مواجهة مجمّعات أخبار مثل «تقرير درادج».
انقلاب في القصر السعوديّ
دام أمر الملك عبد الله إثني عشر ساعة. وفي غضون تلك الفترة، عاد صراع الأجنحة الداخلي ـ السّديريّين ـ وهي عشيرة سياسية غنية وقوية، والتي قاد الملك عبد الله ما أمكن تسويته بالانقلاب على السديريين عبر تقوية حلفائه وإخوانه من غيرهم. وهكذا تجدّد الصراع برحيل الملك عبد الله، ما أنتج انقلاباً في كلّ شيء إلا بالإسم.
سارع سلمان إلى إفساد عمل أخيه غير الشقيق، مقرّراً عدم تغيير وليّ عهده الأمير مقرن، الذي اختاره له الملك عبد الله. لكنه قد يختار التعامل معه في المستقبل. ومع ذلك، فإنه سرعان ما عيّن قيادياً آخر من عشيرة السديريين ـ وزيراً للداخلية على أن يكون أيضاً نائباً لوليّ العهد ـ وهو محمد بن نايف، وليس سراً على أحد أنّ عبد الله كان يريد ابنه متعب لهذا المنصب.
واللافت للاهتمام، أن سلمان، وهو نفسه سديرياً، تعمّد القيام بحماية الجيل الثاني بمنح ابنه محمد البالغ من العمر 35 سنة، صلاحيات كبيرة في وزارة الدفاع. غير أن المنصب الثاني الذي تولاه محمد، كان أكثر أهمية بكثير. فهو يشغل حالياً منصب الأمين العام للمحكمة الملكية. كلّ هذه التغييرات أُعلنت حتى قبل دفن الملك.
تولّى الأمانة العامة للمحكمة الدولية في عهد الملك عبد الله، خالد التويجري. وهي تجارة مربحة جداً، انتقلت من الأب إلى الإبن، والتي بدأ بها عبد العزيز التويجري. فالتويجريون لطالما كانوا الحراس الأساسيين للملك، ولم يكن ممكناً عقد أيّ لقاء للجمهور الملكي من دون إذنهم، تدخلهم أو معرفتهم. فالتويجريون هم اللاعبون الأساسيون في المؤامرات الخارجية التي خرّبت الثورة المصرية، وإرسال قوات لسحق الانتفاضة في البحرين، تمويل تنظيم «داعش» في سورية في المراحل الأولى من الحرب، جنباً إلى جنب مع حليفهم السابق الأمير بندر بن سلطان.
إن الارتباط بين التويجري وزملائه من المحافظين الجدد في منطقة الخليج ـ وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد ـ وثيق جداً. أصبح التويجري الآن خارج اللعبة، مع قائمة طويلة من العملاء الأجانب، والتي بدأت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والذي بدأ يشعر برياح البرودة تهبّ سريعة من الرياض. فشل السيسي في الوصول إلى المأتم يوم الجمعة الماضي. هل هذا بسبب الطقس السيء؟
حالة سلمان الصحية تستدعي القلق، ويُقال أنه أوكل ابنه مزيداً من التعيينات غير المعلنة. والمعروف عن سلمان إصابته بالألزهايمر وهو في عمر 79، غير أن الدولة أكدت أن خرفه ليس سوى إشاعات وتكهنات. ومن المعروف أنه نجح بعقد محادثات مقنعة في تشرين الأول الماضي، لكنه كان ينسى ما يقوله بعد دقيقة من مجرّد ذكره، أو تتدفق الذكريات حول كامل حياته دفعةً واحدة، وذلك وفقاً لشهود آخرين. هذا هو واقع المرض بطبيعة الحال، ونتفهّم كثرة زياراته للمستشفى في الآونة الأخيرة وقلّة تجواله على عكس ما كان يفعل سابقاً. لذا، فإن قدرته على إدارة دفة السفينة في دولة مركزية، ينعدم فيها وجود الأحزاب السياسية أو حتى السياسة الوطنية، هو سؤال قيد البحث والتساؤل. لكن مؤشراً واحداً لتغيير الاتجاهات مؤخراً تكمن في محاولات إقامة جسور تواصل مع شخصيات المعارضة المصرية.
قيل لنا إنّ كبار مستشاري سلمان كانوا قد اقتربوا من سياسي مصري ليبرالي معارض، وأجروا اجتماعاً منفصلاً مع محامٍ. كلا الشخصيتين لا تنتميان إلى الإخوان المسلمين، لكن لديهما صلات معهم. وقد عقدت محادثات في الشهرين الماضيين في السعودية حول سبل المصالحة في ما بين الطرفين. لم يتمّ الاتفاق على مبادرة، لكن سلمان ومستشاريه، استطاعوا خلال هذه المحادثات نفسها اعتماد نهجٍ أكثر براغماتية، أو لنقل، أقلّ حربية. ومن الواضح أنّ هذه الاجتماعات جاءت كخطوة تحضيرية لمبادرة ممكنة من سلمان سيُعلن عنها ما أن يتسلّم زمام السلطة.
اعتمد الملك الراحل سياسة الإعلان عن الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أسوةً بتنظيمَيْ «داعش» و«القاعدة». وحتى قبل أن يقوم السديريون بحركتهم هذه، بدا الصراع واضحاً داخل البيت السعودي. وبمجرّد أن ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي ـ والتي تشكل المصدر الرئيس للمعلومات السياسية في المملكة ـ بالإشاعات حول وفاة الملك، حتى قابلها نفيٌ رسميّ، إلى أن غرّد صحافيّ سعوديّ في «الوطن» معلناً الخبر.
اضطرّ القصر إلى الرضوخ للواقع بعدما غرّد اثنان من الأمراء بأن بخبر وفاة الملك صحيح ومؤكّد. قطعت محطة «MBC» الإرسال المعتاد على الشاشة لتستبدله بتلاوة الآيات القرآنية، في إشارة إلى الحداد، في حين أبقى التلفزيون الوطني على برامجه العادية. وفي هذا دلالة على أن عشيرة معينة من العائلة المالكة استعجلت إعلان الخبر، فيما كانت الأخرى لا تزال تماطل بسبب خوضها في مزيد من المفاوضات.
إن الحاجة إلى تغيير المسار أصبح واضحاً للغاية. وفي ليلة الدراما الملكية، كان زلزال سياسي ضخم يجتاح فناء المملكة الخلفي، اليمن. استقال رئيس وزراء حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد أيام من الإقامة الجبرية من قبل الميليشيات الحوثية. تركت استقالة هادي خلفها قوتين مسلّحتين في البلاد: ميليشيا مدعومة من إيران ويدرّبها حزب الله، و«القاعدة» التي تدافع عن المسلمين السنّة.
يمثل هذا الواقع كارثة بالنسبة إلى المملكة السعودية، ولما تبقى من قدرة مجلس التعاون الخليجي على عقد الصفقات. فقد تقابل وزراء خارجيتهم قبل يوم واحد فقط. وتؤكد مكالمات هاتفية سُرّبت مؤخراً أن الرئيس القوي علي عبد الله صالح والذي كان قد أُخرج من السلطة قبل نحو ثلاث سنوات، يشجّع الحوثيين على كيفية استعادة السلطة والدعوة إلى انتخابات جديدة، وإلى ضرورة تقسيم الشمال بعيداً عن الجنوب.
وبهذا، نستطيع القول، إن اليمن قد أصبح فعلياً رابع دولة عربية فاشلة في الشرق الأوسط. إن هذا الصعود اللولبي للحوثيين لم يأتِ نتيجة احتراق تلقائي. بل كان مخططاً له من قبل صالح والإمارات العربية المتحدة. فابن صالح، وهو سفير اليمن في الإمارات العربية المتحدة، يعدّ شخصية رئيسية في حياكة المؤامرات الأجنبية، وكما ذكرنا سابقاً، فقد التقى وفداً إيرانياً في روما. وصُمّم هذا اللقاء بوساطة الاستخبارات الأميركية فضلاً عن دور واضح لها فيه. وكان رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر قد عقد اجتماعاً مع الوفد الحوثي في لندن السنة الماضية. وأعادت السعودية ـ وبشكل لا يكاد يُصدّق ـ فتح العلاقات مع الإيرانيين الذين يدعمون الأيزيديين والطائفة الشيعية اللتين خاضتا حروباً مريرة.
كان المخطط السعودي ـ الإمارتي، زجّ الحوثيين لتدمير هدفهم الأساسي، والذي كان التجمّع اليمني للإصلاح، والحزب الإسلامي وهو كبير ممثلي القبائل السنيّة في اليمن. وكما في أيّ مكان آخر في العالم العربي، تتجه الأنظار إلى سياسة الملك عبد الله الخارجية بعد عام 2011، ومن أهمها توقيف مسارات «الربيع العربي» في تونس ومصر، وسحق كلّ القوى القادرة على شنّ معارضة فعالة في دول الخليج. وكأيّ أمر آخر، أصبح الهدف الأسمى للسعودية كما لمنافسها الإقليمي الأبرز ـ إيران ـ سحق الإسلام السياسي الديمقراطي.
أثمر المخطّط اليمني نتائج عكسية حين رفض التجمع اليمني للإصلاح حمل السلاح لمقاومة زحف الحوثيين. وكنتيجة لذلك، تمكّن الحوثيون من السيطرة بشكل أكبر من المتوقع، وبالتالي، وقوف اليمن على شفا حرب أهلية. كما أن ادّعاء مسلّحي تنظيم «القاعدة» بأنهم الوحيدون القادرون على الدفاع عن القبائل السنيّة، أعطاهم دفعاً قوياً وحقيقياً للقيام بذلك.
ومن السابق لأوانه التنبؤ بما إذا كان الملك سلمان قادراً على، أو حتى مدركاً لمدى الحاجة إلى تغيير المسار. كلّ ما نستطيع قوله وبكثير من الثقة، هو أن بعض الشخصيات الرئيسية التي تدير دفة المؤامرات الخارجية الكارثية أصبحوا الآن خارج المشهد. فقد قلّ تأثير متعب إلى حدّ كبير، في الوقت الذي تمّ إقصاء التويجري.
ليس من مصلحة أحد انتشار الفوضى في المملكة. قد تكون وفاة الملك عبد الله عشية ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، مجرّد صدفة. لكن توقيت موته هي إشارة في حدّ ذاته. فعلى العائلة المالكة أن تفطن لأهمية وعي سيل مزاج التغيير الذي انبثق في «25 يناير» قد يستمرّ بالتدفق. وأن أفضل دفاع ضدّ الثورة، يكون في قيادة إصلاح سياسي حقيقي وملموس داخل المملكة عن طريق السماح لها بالتحديث، بناء علاقات دولية، أحزاب سياسية، انتخابات تنافسية حقيقية، السماح للسعوديين بمشاركة أكثر فعالية في السلطة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
هناك نظريتان اثنتان تفسّران الحال التي آل إليها حادث القطار البطيء في الشرق الأوسط. تتمثل الأولى في الديكتاتورية، الاستبداد، والاحتلال، في مواجهة فوضى دوّامات الحرب الأهلية ونزوح السكان. والأخرى في أن الطغاة هم السبب في التطرّف وعدم الاستقرار.
يصحّ تطبيق نموذج النظرية الثاني على عبد الله. فقد ترك حكمه السعودية ضعيفة من الداخل، ومُحاطة بالأعداء كما لم تكن سابقاً. فهل سيستطيع سلمان إحداث أيّ فرق؟ إنها لمهمة صعبة للغاية، لكنه قد يكون محاطاً بأشخاص يتلمّسون الحاجة الماسة إلى إقامة تغييرات أساسية في النهج المساري. إنها الطريقة الوحيدة التي سيتمكن منها ملك سعوديّ من كسب تأييد شعبه. وقد يستطيع ـ وفقاً لذلك ـ تحويل نفسه صورياً، إلى حاكم دستوريّ، لكنه، وفي النهاية، سيؤسس للاستقرار في المملكة كما في المنطقة.
سلمان والمرض
أمس تحديداً، كتب تسفي برئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:
«حاولت البحث عن طربقة لأوضح من خلالها لسكان إسرائيل أنّ العرب لا يرفضونهم أو أنهم يمقتونهم، ولكن العرب يعترضون على أعمال القمع غير الانسانية التي تمارسها قيادتهم ضدّ الفلسطينيين. واعتقدت أنّ هذه ستكون رسالة ممكنة للإسرائيليين». هكذا عرّف الملك عبد الله عندما كان ولياً للعهد المبرّر الذي دفع إلى بلورة المبادرة العربية. في عام 2002 صرّح بذلك لمراسل «نيويورك تايمز» توم فريدمان، وبعد شهر من ذلك، عرض المبادرة في مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت، والذي كان بمثابة اختراق تاريخيّ في السياسات العربية إزاء «إسرائيل»، والذي أصبح بعد ذلك جزءاً من الحل السياسي في أيّ من المفاوضات الفاشلة التي واكبت المسيرة.
بعد ثلاث سنوات ونصف، تُوّج عبد الله ملكاً على السعودية بعدما كان لمدة عقد من الزمن قبل ذلك بمثابة الحاكم الفعلي للسعودية بسبب مرض أخيه الملك فهد. وقد انتهى قبل أيام حكم الملك عبد الله بعد عشر سنوات من تولّيه عرش السعودية في ظلّ وضع معقّد ومركّب من الضغوط الداخلية والدولية، حوّلت السعودية إلى دولة مبادرة ورائدة أبعدت دولاً مثل العراق وسورية ومصر عن القيادة العربية للشرق الأوسط .
تحوّلت السعودية من دولة تعمل من وراء الكواليس إلى دولة تسير مع الإجماع العربي، وكانت السعودية رأس الحربة في «النضال ضدّ منظمات الإرهاب، بعدما قام مواطنوها بتنفيذ هجمات 11 أيلول 2001، و«قادت النضال ضدّ نظام بشار الأسد»، وأقامت السور الواقي ضدّ النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ولم تتردد في قطع علاقاتها مع قطر كجزء من نضالها ضدّ الإخوان المسلمين. وهي تشارك في الحرب ضدّ «داعش»، وتحوّلت من دولة تسرق الخيول مع النظام الأميركي إلى أكبر دولة مصدّرة للخيول ولربما الوحيدة في المنطقة.
ولربما يكون هذا هو الإرث الذي نقله الملك عبد الله إلى وريثه سلمان ابن السنوات الـ79، والذي توّج يوم الجمعة ملكاً على السعودية. والذي كان وزير دفاع وعضو مجلس الأمن القومي. وقد تعهّد في خطاب العرش أن يتمسك بسياسات الملك عبد الله والتي تتضمن في ما تتضمن كبح إيران، ومواصلة سياسة تصدير النفط التي أدّت إلى انخفاض الأسعار وتطوير العلاقة المتينة مع الولايات المتحدة، على رغم الخلاف معها في موضوع النووي الإيراني والمصالحة مع إيران. وتتضمن هذه السياسات مواصلة دعم مصر والسلطة الفلسطينية إلى جانب النضال ضدّ الاخوان المسلمين .
وفي داخل المملكة، سيضطر الملك سلمان إلى تهدئة الاجيال الشابة من الأمراء الذين يحاولون منذ زمن زيادة تأثيرهم في الحكم. والملك سلمان الذي عانى من حدث دماغيّ في الماضي، يؤدي مهامه بشكل جزئي. وبحسب تقارير أجنبية لم تؤكدها السعودية أنه يعاني من شرود دماغي أو «فركنسون»، وهذا السبب يقف وراء تعيين وليّ عهد لنفسه عندما كان وليّ عهد، الامير مقرن بن عبد العزيز والذي واجه معارضة غير قليلة. ومقرن 69 سنة كان رئيس الاستخبارات السعودية ومستشار خاص للملك عبد الله، وهو المسؤول عن ملف سورية وملف أفغانستان، وهو الابن الصغير لمؤسس المملكة الملك سعود. ومن هنا فلاحقاً سيضطر المجلس العائلي السعودي أو مجلس الامناء المقام في عام 2007 الذي مهمتة إقرار تعيين الوارثين ليقرّر من الذي سيرث مقرن، وماذا سيكون نظام الوراثة. ولكن المملكة ستعيش الآن حالة من الهدوء السياسي.
والتقديرات الآن، أنّ وليّ العهد مقرن سيكون الشخصية المسيطرة في إدارة سياسات المملكة السعودية، وهو مثل الملك عبد الله سيتطلّع إلى الحفاظ على التوازنات والكوابح التي حافظت على استقرار المملكة. وهذه هي المهمة الصعبة والمركبة التي ستضمن مستقبلاً اقتصادياً وأماكن عمل ملائمة لشباب المملكة ممن يشكلون نصف عدد السكان، وتقليص العمالة الاجنبية بشكل كبير. والمناورة بين مطالب الليبراليين السعوديين والسماح بالمزيد من الحرية التعبير للنساء والسماح لهم بقيادة السيارات وزيادة عدد الوظائف التي يسمح لهم القيام بها وبين معتقداته الأصولية الوهابية المحافظة.
لقد نجح الملك عبد الله من تفادي تأثير الثورات في الدول العربية من خلال تخصيص مبالغ كبيرة لتحسين الرواتب وبناء عشرات آلاف الشقق لقليلي الدخل، وإرسال آلاف الطلاب السعوديين للتعلم في الخارج، وحسّن حجم المساعدة للفقراء ووجّه دعاة الدين إلى صدّ التطرّف الديني. ولكن وعده بمنح النساء حق قيادة السيارات لم يتحقق. ولا يمكن للنساء أن يعملن في سلسلة طويلة من الاعمال، وحرية التعبير اعتمدت على توجيه البلاط الملكي. وهنا يكمن الفرق الهائل بين صورة السعودية كدولة مؤيدة للغرب، وبين الطبيعة الحقيقية للنظام البعيد جداً مما هو دارج رؤيته كقيم غربية. ولكن مقابل مصر التي وبختها الولايات المتحدة كثيراً على السلوك غير الديمقراطي للنظام، فإن السعودية التي تشتري السلاح الأميركي بمليارات الدولارات معفية بالطبع من الحاجة إلى شهادة حسن سلوك.
صراع القوى
ومنذ يومين، كتب تسفي برئيل في «هاآرتس» أيضاً:
لم ينتظر الملك الجديد، سلمان، أن تبرد جثة أخيه المتوفي، وسارع بالإعلان عن تعيين محمد بن نايف وليّاً لوليّ العهد. وسيضطر محمد إلى الانتظار قليلاً. سلمان 79 سنة وهو مريض كما يبدو بـ«آلزهايمر»، لكنه كان ولياً للعهد وهو أصغر من الأمير مقرن، ومع ذلك فإن مقرن سيفقد اللقب إذا نجحت مخططات سلمان في إقناع مجلس الأمناء استبداله بمحمد المحسوب على الجناح السديري في العائلة، وهو خصم للجناح الذي ينتمي إليه الملك عبد الله المتوفي.
بالنسبة إلى محمد، مقارنة مع مقرن، هناك علاقات جيدة له في جميع أرجاء المملكة، خصوصاً مع القبائل الكبيرة. وهو مقرّب أيضاً من الادارة الأميركية ويعتبر مقاتلاً عنيداً ضدّ الإرهاب. ومن ناحية أخرى يعتبر محافظاً في كل ما يتعلق بحقوق الانسان.
وتدور معركة الوراثة وتصارع القوى في المملكة وتؤثر ليس فقط على مصير أبناء العائلة والمواطنين السعوديين، إنما تحمل في ثناياها تهديداً جدّياً لمكانة المملكة في الشرق الأوسط، وتأثيراً جدّياً أيضاً على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وهذا ما يفهمه الرئيس باراك أوباما الذي اختصر زيارته إلى الهند من أجل الوصول إلى السعودية لتقديم التعازي، ولضمان ألّا يخرج الملك سلمان عن التقليد الطويل الذي بُنيت عليه العلاقات مع الولايات المتحدة…
محمد بن نايف
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس، إن الأمير محمد بن نايف، وليّ العهد السعودي ووزير الداخلية، دعا خلال لقاء جمع مسؤولي أمن في أنحاء العالم العربي، في المغرب، آذار الماضي، إلى التسلّح والقيام بجهود مشتركة للقضاء على الإخوان المسلمين. وبحسب اثنين من المسؤولين العرب المطلعين على اللقاء، فإن كثيرين من الحاضرين فوجئوا بجرأته. ويضيفون أن الإخوان المسلمين جزء مقبول في السياسات داخل عددٍ من البلدان العربية بما في ذلك تونس وليبيا والأردن والكويت والبحرين والمغرب، فضلاً عن الترحيب بهم في قطر.
ويقول محللون ودبلوماسيون الذين يعرفون محمد بن نايف، إن الأمير يجسّد تحوّل المملكة العربية السعودية إلى سياسة خارجية أكثر حزماً إزاء دعم الحلفاء والقضاء على الخصوم. داخل المملكة، وكان محمد بن نايف القوة الدافعة في هزيمة الشبكات المتطرّفة، وخنق المعارضة السياسية.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن ترقيته كوليّ للعهد نذير رؤية بعيدة المدى للقيادة السعودية سواء للدولة أو المنطقة، ولكنها تثير أيضاً أسئلة شائكة حول السياسة الملكية بين مئات من الأمراء الذين قد يشعرون بأنه قد تمّ تجاوزهم.