الانتخابات الأميركية المقبلة… معركة غير تقليدية في توقيت صعب
} أمجد إسماعيل الآغا
بعيداً عن النظريات السياسية المؤطرة للنظامين الإقليمي والدولي. لا يمكن للمتابع والقارئ للسياسات الغربية، أن يخفي حقيقة أنّ الانتخابات الأميركية تعدّ من أهمّ وأشهر الانتخابات الديمقراطية في العالم، وذلك لاتصالها بحجم الولايات المتحدة ووزنها الدولي، والاستراتيجيات المؤثرة التي تعتمدها أيّ إدارة أميركية، في التعاطي مع جلّ الملفات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يضفي بموجبه على الانتخابات الأميركية وترقب الرئيس القادم، مشهد الانتظار الشامل، مع الإحساس العام بأنها دائماً آلية فاعلة في تشكيل السياسة الأميركية، بل والسياسة الدولية عموماً.
بطبيعة الحال نحن أمام انتخابات غير تقليدية، تختلف عن النمط السائد في سابقاتها، وذلك بناءً على معطيات ثلاث:
أولاً– الرئيس الحالي دونالد ترامب تاجر عنيد يقف على واحد من أهمّ وأبرز أهرامات رجال الأعمال، يضاف إلى ذلك، أنه لا يمتلك تاريخاً سياسياً طويلاً، أو أنه قائد حزبي كبير، ما يُفسّر أداءه المثير للجدل خلال السنوات الأربع الماضية.
ثانياً– ترامب ملأ الدنيا وشغل الناس بتصريحاته غير المألوفة، ومواقفه غير المسبوقة وصراحته الشديدة، وخروجه عن قواعد اللياقة السياسية والدبلوماسية.
في المقابل، فإنّ منافسه جو (جوزيف) بايدن يمتلك شخصية باهتة غير مؤثرة بالمعنى السياسي للناخب الأميركي، إضافة إلى أنّ بايدن يدخل المعركة الانتخابية ضدّ تاجر مخضرم، يعلم تماماً من أين تؤكل الكتف الأميركية، بما لها وعليها من سياسات داخلية وخارجية، تهمّ بشكل واقعي وعملي الناخب الأميركي.
ثالثاً– بايدن الديمقراطي يُنظَر إليه أميركياً بطريقة لا تحقق آمال غالبية الأميركيين، وبمعنى أوسع فإنّ بايدن لا يؤسّس لعهد جديد، ولا يبشّر إلا بتكرار إدارة الديمقراطيين، خصوصاً في عهد باراك أوباما.
ضمن ذلك، يبدو واضحاً أنّ أدبيات الحملات الانتخابية لكلّ من ترامب وبايدن، تأتي في إطار التأثير الإيجابي على الناخب الأميركي، وتأسيس مشهد يُراد من خلاله هندسة رأي عام أميركي مؤثر وفاعل في توجهات كِلا المرشحين، وعليه ثمة فوارق جوهرية في طريقة التعاطي في مختلف القضايا الإقليمية والدولية بين ترامب وبايدن، يمكن إيجازها ضمن معطيات ثلاث:
أولاً– دونالد ترامب لديه سياسة واضحة تجاه الصين ودورها بكل ما له من أبعاد إقليمية ودولية، فالرجل يكّن عداءً شديداً للصين، خاصة بعد تفشي فايروس كورونا، ليختزل ترامب حالة العداء بعبارة الفايروس الصيني، وفي جانب أخر، فإن دونالد ترامب سخّر استراتيجيته الخارجية في سياق تعبئة الخزينة الأميركية، فـ ممارسات السطو السياسي على أموال الخليج، وخلق نظرية إيران فوبيا، كانتا بمثابة الرقم السري للخزينة الأميركية، فمنطق رجل الأعمال وبراعته في الاستثمار والجذب، أتقن دونالد ترامب ممارسة هذا الجانب، وتوظيفه في سياق سياساته الخارجية.
بايدن بدوره يحرص بشكل خاص ووفق سياسته، على زيادة الضغط على الصين، لكن مع احتواء بكين ومهادنتها، إذ تتلخص الاتهامات الأميركية للصين، لجهة تسبّبها بزيادة انبعاثات الكربون، من خلال المشاريع التي تنفذها بكين كجزء من مبادرة الحزام والطريق، كما يلوم بايدن روسيا على نشاطها في القطب الشمالي، وينوي السعي في إطار مجلس القطب الشمالي، إلى إدخال توقيف عالمي للتعدين على الجرف القطبي الشمالي بحجة حماية النظم البيئية الهشة في المنطقة.
ثانياً– يأمل جو بايدن في استعادة احترام أميركا في العالم، ولهذه الغاية يعتزم بايدن، قبل كل شيء إصلاح الضرر الذي ألحقته إدارة ترامب بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وإعادة بناء التحالفات التقليدية وترميم العلاقات مع المؤسسات الدولية.
إذ يعتزم بايدن الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، وانضمام الولايات المتحدة مجدداً إلى منظمة الصحة العالمية، واستئناف مشاركة أميركا في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، كما يعتزم بايدن الحفاظ على اتفاقيات الحدّ من الأسلحة، وتجديد معاهدة ستارت الجديدة.
التركيز على أجندة تغيّر المناخ، التي وصفها بايدن بأنها تهديد رئيسي للأمن القومي، ستكون التحوّل الرئيسي للسياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن. وهذا يعني أن العقوبات الأميركية يمكن أن تستهدف أولئك الذين يقوضون الإجراءات الرامية إلى التغلب على العواقب السلبية لتغيّر المناخ. يتعهّد بايدن، بالاستعارة من خصومه السابقين في المعسكر الديمقراطي “اليساري”، بجعل السياسة التجارية الأميركية وسيلة مهمة للحصول على تنازلات من الدول الأخرى بشأن المعايير البيئية ومعايير العمل، فضلاً عن قضايا حقوق الإنسان.
ثالثاً– من المؤكد أنّ جدول أعمال بايدن سيكون له صدى في أوروبا، وكذلك وعده بالعودة إلى السياسة الأطلسية التقليدية. ولكن انتخاب بايدن سيغيّر على الأرجح شكل السياسة الخارجية لواشنطن بدلاً من جوهرها، وسيصبح أكثر ليونة مع الخارج، وستكون معاملة الحلفاء أكثر تهذيباً مقارنة بنهج ترامب، لكن الجوهر قد يظلّ كما هو.
حقيقة الأمر، أنّ الاتحاد الأوروبي يحاول استعادة دوره كحجر الزاوية في النظام الدولي، أو حتى باعتباره ثقلاً موازناً للولايات المتحدة، خاصة بعد سياسة ترامب التي أطرت جلّ التوجهات الأوروبية في قضايا متعددة، فقد كان لسياسات الرئيس ترامب تأثير مزدوج على أوروبا، والإشكالية التي تنتظر قيادة الاتحاد الأوروبي تتلخص في تيارين، أحدهما يريد الابتعاد عن الولايات المتحدة لاستعادة الدور الكامل والحقيقي للاتحاد الأوروبي، والآخر يتمثل في توق العديد من الأوروبيين إلى الحفاظ على القيادة الأميركية في المقام الأول، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الدفاع والبيئة والمناخ، إذ لا يزال الأوروبيون يأملون في استخدام أميركا “كثقل موازن” في علاقاتهم مع موسكو وبكين.
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الأميركية، لكن في عمق المشهد الأميركي المقبل، فإنّ المواجهة بين أميركا والصين، ستبقى صراعاً أساسياً له محدّدات ناظمة تتعلق مباشرة بتحجيم دور الصين الدولي، على الرغم من أنّ بايدن لم يهتمّ حتى الآن بالصين في خطابات حملته الانتخابية، لكن الاختلافات بينه وبين ترامب تبدو الآن دبلوماسية بشكل كليّ حيث يوجد إجماع قوي من الحزبين في الولايات المتحدة على الحاجة إلى ضرورة احتواء الصين.