واشنطن تستعدّ لشنّ حرب نوويّة ضدّ موسكو وبكين…!
محمد صادق الحسيني
في الوقت الذي ينشغل فيه الرأي العام والإعلام الأميركيين بمهرجان الانتخابات الرئاسية الأميركية فإن المخططين الاستراتيجيين العسكريين في واشنطن منشغلون بالتخطيط لحرب نووية ضدّ كل من موسكو وبكين.
اي انّ الولايات المتحدة قد تجاوزت مرحلة الحشد الاستراتيجي ضدّ هاتين القوتين العظميين، الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وانتقلت الى مرحلة الاستعداد العملياتي لتنفيذ ضربات نووية ضدهما، وذلك بعد فشل كل المشاريع الأميركية، في كل من غرب آسيا وجنوب شرق آسيا (بحار الصين) وأميركا الجنوبية (فنزويلا)، التي كانت تهدف الى استعادة الهيمنة الأميركية المطلقة على العالم والتي بدأت بالذوبان، بعد صعود القوى الدوليّة، روسيا والصين، والقوى الاقليمية الدولية، الجمهورية الاسلامية، وبعد ان بدأ الاقتصاد الصيني يقترب بتوأدة / بثبات من التربع على الكرسي الاقتصادي الاول في العالم.
فقد نشر موقع جيرمان فورين بوليس / دوت كوم / الألماني (German Foreign policy.com) تقريراً، بتاريخ 14/10/2020، حول تدريبات جوية، يجريها سلاح الجو الألماني بالتعاون مع سلاح الجو الأميركي وأسلحة الجو، لكل من بلجيكا وهولندا وايطاليا، في الاجواء الألمانية للتدرب على قصف أهداف في الصين وروسيا بقنابل نووية “تكتيكية” تسمّى B 61 – 12 s. وهي قنابل موجودة في مخازن قواعد جوية في الدول المشاركة في التدريبات المشار اليها أعلاه، بالإضافة الى خمسين قنبلة أخرى من هذا الطراز موجودة في قاعدة انجرليك التركية.
وبالنظر إلى أهمية هذا الموقع الإخباري، الذي تديره وزارة الخارجية الالمانية، بشكل غير مباشر، ويرأس تحريره هورست تويبرت (Horst Teubert)، المعروف بارتباطاته الوثيقة ليس فقط بالخارجية الألمانية، وإنما باجهزة الاستخبارات الالمانية، وفِي مقدمتها الاستخبارات العسكرية، وبالنظر الى ما جاء في التقرير من تفاصيل غاية في الأهمية، والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً، وانطلاقاً من ردود الفعل الروسية، الدبلوماسية والإعلامية، على هذه الاستعدادات العسكرية الأميركية الأطلسية الخطيرة، فإن من الضروري التأكيد على النقاط المهمة التالية:
أولاً: امتلاك القيادة السياسية والعسكرية الروسية والصينية معلومات دقيقة جداً، عن خطط الحرب النووية التي يجري التخطيط لها، في البنتاغون الأميركي وفي دوائر حلف شمال الأطلسي في أوروبا، وهو:
– ما حدا بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإطلاق مبادرته المسؤولة، حول اقتراح تمديد العمل باتفاقية الحدّ من الأسلحة النووية، لمدة عام كامل وبدون شروط، لإتاحة المجال امام إجراء المزيد من المفاوضات، بين البلدين، حول تمديد العمل بهذه الاتفاقية الاستراتيجية الهامة، وذلك حرصاً منه على الامن والاستقرار الاستراتيجي في العالم.
لكن الولايات المتحدة، وعلى لسان مستشار الامن القومي الأميركي شخصياً، رفضت هذا الاقتراح ووضعت شروطاً للموافقة على التمديد، حتى دون ان تطلع على تفاصيل الاقتراح الروسي او تقوم بإجراء دراسة معمقة له ولأبعاده.
– كما ان المعلومات الدقيقة نفسها، التي تمتلكها الصين الشعبية، حول الخطط الجهنمية الأميركية المتعلقة بإطلاق حرب نووية، هي التي دفعت بالرئيس الصيني قبل أيام، وخلال زيارته لقاعدة بحرية صينية بالطلب من جيش بلاده ان يكون دائم الاستعداد للحرب وأن يواصل تطوير قدراته ووسائله القتالية، كي يكون دائماً في وضع يسمح له بالدفاع عن أمن البلاد واستقرارها.
ثانياً: وهنا يجب التأكيد على أن هذه الخطط الأميركية، لشن ضربات نووية ضد بكين وموسكو، ليست بالشيء الجديد، إذ ان واشنطن قد خططت لذلك، خلال الحرب الكورية، وتحديداً سنة 1950، عندما بدت هزيمتها وعملاءها في جنوب كوريا، واضحة للعيان.
فقد قامت الولايات المتحدة الأميركية آنذاك، سنة 1950، بنقل عشر قاذفات قنابل، من طراز (B 29 S)، الى قاعدة غوام غرب المحيط الهادئ، وعلى متن كل منها قنبلة نووية من طراز Mark 4، كي تكون جاهزة لضرب موسكو وبكين بها، إذا ما تواصل تقدّم قوات كوريا الشمالية المتسارع، في الجنوب ووصولها الى أقصى جنوب شبه الجزيرة الكورية (ما يُعرف اليوم بكوريا الجنوبية).
ومن الجدير بالذكر ان الولايات المتحدة الأميركية قد خططت لغزو برّي للبر الصينيّ (جمهورية الصين الشعبية) بالتعاون مع قوات العميل تشين كاي تشيك، الذي كان يحكم جزيرة تايوان، بعد هربه وجيشه من البر الصيني إثر انتصار قوات الثورة الصينية، بقيادة الزعيم الثوري الصيني ماوتسي تونغ.
وقد كلفت وزارة الدفاع الأميركية، الجنرال النازي راينهارد غيلين Reinhard Gehlen، الذي كان قد انشأ وكالة استخبارية، أسماها منظمة غيلين، وتعاون مع الجيش الأميركي منذ سنة 1946، ثم اصبح رئساً لوكالة الاستخبارات الخارجية الالمانية، منذ انشائها سنة 1956، وحتى تقاعده من العمل سنة 1969، على الرغم من انه كان جنرالاً في الجيش النازي وقائداً لفرقة دبابات، شاركت في الهجوم على موسكو سنة 1941، كلفته البنتاغون بتنسيق عملية الاجتياح البري، لأراضي الصين الشعبية، مع العميل الصيني، الجنرال تشين كاي تشيك، والتحضير لعملية الغزو البري. ولكن كلّ هذه الاستعدادات قد فشلت طبعاً.
ثالثاً: ومن الملاحظ انّ ردود الفعل الروسية الصينية، على التقرير الذي نشره الموقع الإخباري الالكتروني الالماني المذكور أعلاه، لم تقتصر على ما قام به الرئيسان الروسي والصيني، من مبادرة دبلوماسية روسية وأوامر عسكريه صينية برفع جاهزية قواتها المسلحة، وانما هناك رداً أكثر وضوحاً يقترب من ان يكون تهديداً عسكرياً مباشراً للولايات المتحدة، جاء على لسان أستاذ العلوم العسكرية الروسي الدكتور كونستانتين سيفكوف، في حديث مع موقع NSN الروسي، حيث قال:
“إنّ شنّ حرب نووية من قبل ألمانيا ضد روسيا هو عمل انتحاري وذلك لأن روسيا تمتلك ترسانة نووية من شأنها تحويل اي أرض لأيّ عدو الى مجرد صحراء مُشِعَة”.
وأضاف سيفكوف قائلاً: “انّ روسيا لديها غواصة كالمار، التي تحمل 16 صاروخاً نووياً وقد جُهِزَ كل منها بعشرة رؤوس نووية، ونحن نتحدث هنا عن غواصة واحدة بينما لدى روسيا 13 غواصة من هذا الطراز”.
وتابع د. سيفكوف قائلاً: إنّ الولايات المتحدة تريد بدء حرب نووية على أراضي دولة أخرى، لهذا السبب، قاموا بصناعة رؤوس نووية صغيرة الحجم “ (كي لا تتدحرج الحرب الى حرب نووية شاملة حسب تخطيط الاستراتيجيين الأميركيين – المترجم). واردف قائلاً: “يمكنهم خوض حرب محلية صغيرة على أراضي دولة اخرى، لكننا لن نقف عند هذا الحد، وسنطلق الصواريخ دفعةً واحدةً على الولايات المتحدة من كلا جانبيها”. (يقصد من الشرق والغرب – المترجم).
وفِي ذلك كلام واضح لا غبار عليه، مؤداه أن القيادة الروسية والصينية تأخذ المعلومات، التي نشرها الموقع الاستخباري الألماني على محمل الجد، وأن الكلام الذي أدلى به أستاذ العلوم العسكرية الروسي، كونستانتين سيفكوف، لا بدّ انه كان منسقاً مع الجهات العسكرية والأمنية الروسية المعنية، التي لم تشأ أن يصدر هذا التهديد عن جهات حكومية روسية كي لا يتخذ ذريعةً من قبل واشنطن، لاتهام روسيا بالتصعيد.
ولكن هذا التصريح أكد على الطبيعة الخطيرة، للمعلومات التي نشرها الموقع الألماني، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- نفذ الجيش الألماني مناورة “ الظهر الثابت “ (Stead fast Noon) السنوية، للتدرب على الحرب النووية، في اطار ما يسمّى “التشارك النووي” Nuclear Sharing « (التشارك النووي هو دول الناتو التي تخزن قنابل نووية أميركية على اراضيها في استعمال هذه القنابل، او بالأحرى السماح لها بإطلاقها من طائراتها الحربية، الى جانب الطائرات الأميركية صاحبة العلاقة الاولى بهذا السلاح – المترجم)، مطلقاً هذه التدريبات من قاعدة نيرڤينيش (Nörvenich) الواقعة بالقرب من مدينة كولون الالمانية. وهي القاعدة المصنفة قاعدة احتياط، لتخزين العشرين قنبلة نووية، المخزنة حالياً في قاعدة Büchel، حيث يوجد سرب قاذفات القنابل الالمانية، من طراز تورنادو، والمجهّزة لحمل القنابل النووية، من طراز B 61- 12، وقصف أهداف “معادية” بها.
علماً أن طائرات حربية إيطالية وبلجيكية وألمانية وهولندية قد شاركت في هذه التدريبات النووية السرية، التي استمرت من يوم 28/9/2020 حتى يوم 15/10/2020.
كما شاركت في هذه التدريبات منظومات دفاع جوي ألمانية، بينها صواريخ باتريوت، وكذلك الأمر مشاركة منظومات صاروخية ألمانية في هذه التدريبات بهدف حماية البنى التحتية في الدول المعنية، حسب كلام المسؤولين العسكريين الألمان والأميركيين.
- إن أهمية هذه التدريبات النووية المشتركة، حسب رأي المختصين، (هذا كلام الموقع الالماني طبعاً)، لا تنبع فقط من وجود عشرين قنبلة نووية أميركية، مخزنة في قاعدة بيشيل (Büchel) الجوية الالمانية، وانما تنبع هذه الاهمية أيضاً من وجود مثل هذا العدد، من القنابل النووية الأميركية، في كل من قاعدة: كلاياني بورغِل (Kleine Borgel) البلجيكية وقاعدة فولكيل (Volkel) الهولندية وقاعدة غيدي / أڤيانو Ghedi Aviano الإيطالية. الى جانب خمسين قنبلة نووية أميركية أخرى، من هذا الطراز، موجودة في قاعدة انجيرليك التركية.
- ويضيف الموقع الالماني قائلاً “إنه وبعيداً عن نزع السلاح النووي، فإن مفاوضات تجري منذ زمن، بين الحكومتين الألمانية والأميركية، لبحث تحديث قاذفات القنابل التورنيدو الالمانية، المخصصة لحمل القنابل النووية الأميركية، من طراز B 61، وكذلك لتحديث القنابل النووية نفسها لتصبح اقل تدميراً لأسباب تكتيكية، وسيصبح اسمها B 61 – 12 S وهذا يعني ان واشنطن تريد استبدال القنابل القديمة بقنابل مُحَدَّثَه وليس تحديث القديمة، ما يشكل عبئاً كبيراً على الحكومة الألمانية.
واضاف الموقع “ان المفاوضات شملت أيضاً موضوع استبدال طائرات التورنيدو الالمانية (بسبب قدمها) بطائرات F 18 الأميركية، وهي من صناعة بوينغ. ويتوقع الخبراء ان تصل قيمة هذه الصفقة ما بين 7,7 و8,8 مليار يورو”.
ملاحظة: كانت هذه الصفقة هي السبب الذي دفع الرئيس الأميركي “للغضب” من ألمانيا واتهامها بعدم الالتزام بدفع ما “يجب” عليها أن تدفعه لحلف شمال الأطلسي (القنابل النووية معتبرة جزءاً من اسلحة الحلف)، عند ما قرر سحب عشرة آلاف جندي أميركي من المانيا، التي كانت تعتبر أن لا ضرورة لاستبدال طائرات التورنيدو الالمانية بطائرات F 18 الأميركية، ولكن خضوع ألمانيا أدى إلى تراجع ترامب الصامت عن سحب الجنود من المانيا.
- يقوم الاستراتيجيون الأميركيون بالترويج “لأهمية” هذا النوع من السلاح النووي الصغير، انطلاقاً مما يسمّونه: مراجعة الموقف النووي (من قبل الولايات المتحدة) وهو مبدأ نشر في شهر شباط 2018 ويدعو الى توجيه ضربات نووية صغيرة أو محدودة للعدو، بشكل يسمح باستخدام الأسلحة النووية في ميادين القتال (أي ضد القوات المدرعة للعدو او ضد تحصيناته ومراكز قيادته الميدانية). وهم يعتبرون ان هذا الاستخدام المحدود، لهذا النوع من القنابل النووية، يعزز الردع الأميركي، لكل من الصين وروسيا وإقناعهما بالحد من نشر أسلحتهما النووية.
ولكن منتقدي هذه النظرية، من أصحاب الاختصاص، يقولون إن من المشكوك فيه أن الولايات المتحدة نفسها ستكتفي بالردع، اذا ما اندلعت حرب (محدودة)…. وهم بذلك،
حسب تقديرنا، يريدون القول إن الولايات المتحدة تخطط لاستخدام هذا النوع من السلاح لتصل الى حرب نووية شاملة، تعتقد أنها قادرة من خلالها على تدمير روسيا والصين والبقاء سالمة من دون أن يلحقها ضرر…!
ولكن هذا الأمر نفاه أستاذ العلوم العسكرية الروسي، الدكتور كونستانتين سيفكوف، عندما قال إن روسيا، في حالة استخدام الولايات المتحدة للقنابل النووية، المذكورة اعلاه، ستحول أي أرض معادية الى صحراء مشعة وأنها لن تقف عند هذا الحد، اي الرد على الدولة التي سينطلق منها العدوان النووي، وانما ستطلق الصواريخ دفعة واحدةً على الولايات المتحدة من كلا جانبيها، كما ذكر أعلاه.
- وفِي إطار الاستعدادات الأميركية المتواصلة، لشن حرب نووية ضد روسيا والصين، فقد ذكر موقع جيرمان فورين بوليسي، المذكور أعلاه، “ان رؤساء دول حلف شمال الاطلسي قد اطلعوا على وثيقة سرية، اثناء القمة التي عقدها الحلف، بتاريخ منتصف 12/7/2018 في بروكسل، مؤداها (الوثيقة السرية) أن هؤلاء الرؤساء قد اقروا، للمرة الاولى في التاريخ، مبدأ تلازم الدفاع التقليديّ والردع النووي وأنه لم يعد ممكناً الفصل بينهما”.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة، مستخدمة حلف الاطلسي، سوف تستخدم هذه القنابل النووية التكتيكية في أي حرب مقبلة.
بينما ذهب وزراء حرب دول الحلف، خلال القمة الافتراضية، التي عقدوها منتصف شهر حزيران من العام الحالي، الى أبعد من ذلك، بعد ان أقروا خطة سرية جداً، أعدها الجنرال الأميركي تود والترز Tod D. Walter، قائد القيادة الأوروبية العليا Supreme Allied Commander Europe / تسمّى انتصاراً Sceur /، والتي جاء فيها ان حلف شمال الاطلسي سوف يتصدّى لكل الاخطار في كامل منطقة عملياته، براً وبحراً وجواً، في المجالين السيبراني والفضائي، وبكل الاسلحة الدفاعية والهجومية التي يمتلكها، بدءاً بالدفاع الصاروخي وصولاً الى الضربة النووية الأولى (الاستباقية).
كما يحتفظ الحلف بحق نشر منظومات صواريخ تقليدية متوسطة المدى، يمكن تجهيزها برؤوس نووية، في اوروبا، اذا رأى انه بحاجة إليها.
من هنا فإن ما أعدّه جنرالات البنتاغون، من خطط لحرب نووية ضدّ روسيا والصين، هو في الحقيقة اكبر خطر من كل مشاريع العدوان الأميركية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. خاصةً أن هذه الحرب ستكون حرباً للدمار الشامل وليست حرباً محدودة الدمار كما يدّعي جنرالات البنتاغون وهم يتحدثون عن قنابلهم النووية الصغيرة B 61 – 12.
الحرب النووية خطر داهم والتصدي لها ضرورة ملحة جداً ولا بد لوسائل الإعلام ان تضطلع بدور أكبر في فضح هذه المخططات الجنونيّة والمساهمة بالعمل على تشكيل اوسع جبهة عالمية للتصدي لخطر الإبادة الجماعية للمجتمع البشري وتحويل الأموال، التي تنفق على تطوير مثل هذه المشاريع الإجرامية، الى تمويل مشاريع إنتاجية تفيد البشرية وتسهم في التصدي للأمراض والاوبئة التي تفتك بها، وفِي مقدمتها وباء كورونا، الخطير والعابر للقارات.
آن لهذا العالم أن يتخلص من جنون العظمة والهيمنة والبلطجة الأميركية المعادية للإنسانية.
وهو قادم لا محالة مع تطور الوعي والبصيرة لدى العديد من شعوب العالم الحر، ومع سقوط أقنعة الشر المطلق المتمثل بالشيطان الأكبر..
ومكر أولئك يبور.
بعدنا طيبين قولوا الله…