الغرب يبحث عن بديل للإسلام السياسيّ؟
} د.وفيق إبراهيم
منظمات الإسلام السياسي نحو أفول سريع بعد فشلها في تحقيق المهام المسندة إليها من داعميها في الغرب بالمباشر وأصحاب المشروع الفعلي في السياسة الغربية الأميركية والأوروبية الكامنين في خلفية المشهد.
يشمل هذا التراجع المميت، المنظمات المتفرّعة من «القاعدة»، وفصائل الاخوان المسلمين والحضور السياسي للوهابية في السعودية وقطر، وتداعياتها على الكثير من البلاد والمنظمات في العالم الإسلامي.
لقد كان واضحاً أن صعود الإسلام السياسي ارتبط بالمشروع الأميركي الذي حاول منذ السقوط التاريخي للاتحاد السوفياتي في 1989 إعادة تشكيل العالم الإسلامي خصوصاً الشرق بدولتيه الأساسيتين العراق وسورية مروراً بمصر.
فجرى استيلاد داعش من رحم القاعدة وأنيط بها دور التفتيت المذهبي للعراق لتسهيل مهمة الاحتلال الأميركي له.
هنا بدا الدوران السعودي والاماراتي والقطري من جهة والتركي من جهة ثانية على درجة كبيرة من الخلاف الظاهري والتكامل في الأهداف البعيدة، بشكل دفعوا فيه العراق نحو مزيد من الشرذمة المذهبية الداخلية، داعمين الأكراد في تأسيس كانتون خاص بهم في الشمال لا يحتاج الا الى اعتراف دولي حتى يصبح دولة كاملة المواصفات.
هذه المحاولات تصاعدت مع دفع داعش الى الميدان السوري لتأسيس الفتنة المذهبية والطائفية للنيل من مكانة الدولة السورية.
فأصبحت هيئة تحرير الشام وحواملها وسطع نجم الاخوان المسلمين مغطياً الاحتلال التركي المباشر للشمال الغربي السوري فيما تولت داعش تمهيد الطريق للاحتلال الأميركي – الأوروبي المباشر لشمال شرق سورية.
لا بد أيضاً من الإنارة على دور الارهاب الاسلامي في اليمن وليبيا ومحاولاته الفاشلة في لبنان مع الاشارة الى الدور الاخواني في مصر الذي حظي في البداية بتأييد أميركي أوروبي.
لكن هؤلاء عادوا الى دعم الجيش المصري بديلاً من الاخوان لخشيتهم من تصاعد ادوار اخوانية كبيرة في عموم المنطقة العربية والإسلامية، وصولاً الى الخليج الذي يشكل بقرتهم ذات الضرع الذي لا يجفّ.
لكن اقتفاء أثر هذا الارهاب في المهام المكلف بها، يوضح انه فشل في سورية وازدادت دولتها قوة وتمكنت من ضربه في مساحاتها الكبيرة كما أنه تعثر في العراق بنجاح الحشد الشعبي في مكافحته من حدود كردستان وحتى عمق بغداد مروراً بكامل مناطق الوسط باستثناء المناطق الحدودية التي يسيطر عليها الاحتلال الأميركي في الأنبار عند حدوده مع سورية والأردن والسعودية وكذلك حدود الوسط مع سورية وتركيا.
هذا الفشل الإسلاموي، انتقل الى اليمن التي نجح انصار الله فيها في تحرير مناطق استراتيجية كبيرة فيما سحبت السعودية والإمارات تغطيتها لداعش وانتزعت منها أدوارها بشكل مباشر.
ولم ينجُ إلا الاخوان المسلمون في حزب الإصلاح المقبلين بدورهم على هزائم مرتقبة إنما من قوات دولة صنعاء وليس من الحلف السعودي – الإماراتي.
اما ليبيا فهناك دور للإرهاب الإسلامي في القسم الموالي للسراج وبالتالي تركيا لكنه يصطدم بدولة حفتر الأقوى والمغطاة من معظم اوروبا وروسيا ومصر والسعودية والإمارات.
هذا يظهر ان الإسلام السياسي في أزمة وجودية مع اقتراب ضمور دوره الارهابي في العالم العربي والاسلامي، فكيف يمكنه الاستمرار مع توقف داعميه السعودي والقطري والإماراتي والتركي عن إسناده؟ وهزائمه في الميادين؟
ولأنه اصبح عبئاً على مشغليه العرب والغربيين فأصبح لازماً التخلي عنهم إما بنقلهم الى مناطق اخرى جديدة في افريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى او بتسديد ضربات لهم تنقلهم الى مرحلة الدوائر الصغيرة المتفرقة.
يبدو أن الغرب وتركيا بدأوا باستعمال الأسلوبين معاً، فهناك محاولات تركية لنقل اعداد كبيرة من التنظيمات الارهابية السورية الموالية لهم الى ناغورني قره باخ بين اذربيجان وارمينيا.
وهذا مطلع الخطة الجديدة التي تعمل على نشر تأثير الاسلام السياسي في دول آسيا الوسطى الاسلامية المحيطة بروسيا وحتى داخل بعض جمهورياتها ذات الغالبية الاسلامية، بما يؤدي الى عرقلة الصعود القطبي الروسي، حسب ما يعتقد الأميركيون الملهمون للخطة وأصحابها.
كما يتبين ان هناك محاولات لاستعمال الاسلام السياسي والاعلام الخليجي والتعليم الديني في مناطق الايغور الصينيين لإثارة توتر كبير مع الدولة الصينية.
والهدف هنا مماثل وهو اختلاق عراقيل للصين تبدأ مع المسلمين فيها، وتتصاعد نحو خلافات بين التعددية السكانية اللغوية فيها وصولاً الى صراعات طبقية كامنة يعتقد الغربيون انها صالحة لابتكار معوقات داخلية تلجم الاندفاعة الصينية الخارجية نحو احتكار القطبية الاولى قريباً جداً.
الإسلام السياسي المهزوم في البلاد العربية متجه بسرعة هائلة لمرحلة اختفاء طويلة الأمد مقابل الإحياء الغربي للجيوش على طريقة السيسي والممالك على نمط الإمارات والسعودية وقطر مع استعمال الممكن منها في الضغط على روسيا والصين وبعض الخدمات المتنوّعة في باطن أفريقيا.
هل يعني الاستغناء عن الإرهاب الإسلامي اتجاهاً نحو التحرر في الشرق الأوسط؟
الحقيقة ان الانظمة العربية التقليدية والجيوش ليست إلا محاولات غربية للمزيد من اعتقال العرب عند زاوية القرون الوسطى مع الاستمرار في السطو على ثرواتهم والحيلولة دون انبثاق نظم سياسية معاصرة بشكل فعلي.