الإدارة الأميركية الآتية والتحديات الشرق أوسطية
} د. حسن مرهج
في غمرة السباق الانتخابي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية، ثمة العديد من القضايا التي تشكل مثار بحث وجدال، خاصة إذا ما نظرنا إلى واقع النظام الدولي والهيمنة الأميركية عليه، إذ لا يمكن تجاهل الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وماهية عناوينها العريضة في المرحلة المقبلة، ولا نجافي الحقيقة إن قلنا بأنّ غالبية دول المنطقة تقوم بهندسة سياساتها وفق رغبات الإدارة الأميركية، وعليه فإنه بغضّ النظر عن بقاء دونالد ترامب رئيسا أو فوز جو بايدن، فإنّ ما يهمّنا من خلال هذه الانتخابات قضايا المنطقة، وما تعانيه في ظلّ الحروب التي اجتاحت الشرق الأوسط خلال السنوات السابقة.
لا شك بأنّ قضايا كالمناخ أو سباق التسلح، أو الحرب الاقتصادية الأميركية الصينية وتأثيراتها على دول المنطقة، لها أهمية كبيرة على المستوى العالمي، إلا أنّ هذه القضايا لا تشكل أهمية قصوى بالنسبة لشعوب هذه المنطقة، وعطفاً على كلّ الوقائع والمعطيات التي تؤطر المنطقة، فإنّ هناك ثوابت ثلاث تعدّ بمثابة المشهد البارز في الشرق الأوسط، أولى تلك الثوابت يتعلق بالقرار الأميركي الاستراتيجي بالتحّل نحو آسيا وإعطائها الاهتمام الأكبر، وثانيها اعتمادها الانتقائية حيال قضايا الشرق الأوسط بمعنى التدخل وفق معيار تقدير المصلحة الأميركية العليا وأهلية الحليف للدعم في قضية أساسية لأميركا، وثالثها أمن «إسرائيل».
ضمن ما سبق من ثوابت أميركية، تبرز قضية أساسية ومحورية بالنسبة للولايات المتحدة، فالملف الإيراني يشكل عقبة حقيقية أمام جلّ التوجهات الأميركية في المنطقة، من هنا يُفهم أنّ المواجهة الأميركية مع إيران اعتمدت على أنماط ثلاثة تتلخص في الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، كلّ ذلك بسبب ملف رئيسي يتعلق بالطموح النووي لإيران، وقد اتخذ الخلاف مع إيران أبعاداً أخرى بسبب توطيد علاقتها مع الصين وروسيا والتي تسهم في تخفيف حدّة العقوبات الأميركية المفروضة عليها، كما ظهر جلياً مع توقيع الاتفاق الاستراتيجي مع الصين.
وبالتالي، يمكننا القول بأنّ القاسم المشترك بين ترامب وبايدن هو علاقاتهما الوطيدة مع «إسرائيل»، مع تفصيل مغاير هو أنّ ترامب يرتاح أكثر مع شخصية مثل بنيامين نتنياهو وسياساته فيما يرتاح بايدن مع شخصية مثل بيني غانتس.
الجانب المتعلق بنتائج الانتخابات الأميركية على الشرق الأوسط، يبدو أنّ المنطقة لن تشهد تغيّرات جوهرية على مدى أربع سنوات قادمات خلال ولاية أيّ من المرشحين، لكن قد نشهد المزيد من التغيّرات الداخلية في غالبية دول المنطقة، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار التكتيك الأميركي الجديد، المتعلق بآليات الضغط على الشعوب لتأليبها ضدّ الأنظمة، خاصة أنّ مسار الصراع العربي الاسرائيلي قد تغيّر بنيوياً، لا سيما أنّ قطار التطبيع ليس له وجهة محدّدة يقف عندها، ناهيك عن الملف الايراني الذي يؤرق حقيقةّ كلا المرشحين.
ومع هذا، يمكن القول إنه في حال فوز بايدن، قد يشهد الملف الإيراني تغييرات تستمرّ معها العقوبات ولكن تتراجع إمكانية العمل العسكري والتركيز على الدبلوماسية بفضل عودة الحرارة إلى العلاقات مع الأوروبيين والحلفاء.
وسواء فاز ترامب أو بايدن، من المتوقع أن يستمرّ مسلسل الاختراق الميداني للكيانات العربية سواء من قبل تركيا التي تخترق سورية وليبيا، ما يشكّل أخطر التحديات التي تواجه الساحة العربية، أما النزاع العربي الإسرائيلي، فلا تفاؤل بقيام دولة فلسطينية، إنما قد نشهد تراجعاً على مستوى تنفيذ صفقة القرن ونشهد نوعاً من احتواء لها على ضوء محاولات باتجاه تسويات إقليمية أكبر.
في المحصلة، إذا كانت الولايات المتحدة سبب المشكلات في المنطقة كما يرى البعض، فإنها أيضاً مفتاح الحلول، فالمشكلة أنّ سياستها الخارجية تواجه تحديات تتجاوز اليوم قضايا الشرق الأوسط كالمناخ وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتأثيرات تنامي الثورة التكنولوجية وتداخلها مع قضايا كثيرة.
من هنا، نقول إنّ الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة لن تتغيّر لدى ترامب أو بايدن، وإنما الآليات التكتيكية للسياسة الأميركية ستتغيّر، بناءً على معطيات عدة أبرزها التفوّق الروسي والصعود الصيني، ولا ننسى قوة إيران الاقليمية المقبلة.