من العدوان الثلاثي على مصر إلى العدوان الثلاثيني على العراق الى العدوان الثمانيني على سورية إلى العدوان الشامل المستمرّ على فلسطين والأمة
} معن بشور
في التاسع والعشرين من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1956، شنّ الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي العدوان على مصر بقيادة جمال عبد الناصر، فيما كان الجيش “الإسرائيلي”، في اليوم ذاته، يرتكب مجزرة كفرقاسم الفلسطينية التي استشهد فيها 49 فلسطينياً بينهم 23 طفلاً ممن دون الثامنة عشرة من العمر.
في أواسط يناير/ كانون الثاني 1991 شنّت ثلاثون دولة عدواناً على العراق، توّجته بمجزرة العامرية التي استشهد فيها المئات من المدنيين، وما زال العدوان على العراق مستمراً خصوصاً بعد أن توّجه بالاحتلال عام 2003.
في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شنت ثمانون دولة، حكامها معادون للأمة العربية، جمعتها مؤتمرات “أصدقاء سورية”، حرباً كونية على سورية ما زالت مستمرة رغم استشهاد مئات الآلاف من المواطنين السوريين، وتشريد الملايين، وتدمير المدن والحواضر والمرافق والبنى التحتية وحرق المحاصيل الزراعية، والسعي لتقسيم بلد عربي كان منذ استقلاله عام 1946 قلعة للصمود في الأمة بوجه كل المشاريع والأحلاف الصهيونية والاستعمارية، وتحوّل إلى حاضنة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وداعاً للمقاومة العراقية.
وخلال العقود السبعة التي مرّت على الأمة، عرفت شعوب ودول عربية عدة حروب واعتداءات لم تتوقف بدءاً من ثورة الجزائر (1954- 1962)، المعروفة فرنسياً بحرب الجزائر، الى العشرية الدامية في أرض الجزائر، الى حرب لبنان 1975-1990)، وصولاً الى الاحتلال الصهيوني ومجازره وعدوانه طيلة العقد الأول من هذا القرن، الى السودان الذي لم تتوقف الحرب في جنوبه على مدى ستين عاماّ حتى وقع الانفصال المشؤوم عام 2010، الى اليمن التي شهدت حروباً أبرزها الحرب في أوائل ستينات القرن الماضي والحرب المستمرة منذ عام 2015، الى ليبيا التي غزاها الناتو عام 2011، وما تزال تداعيات غزوه لليبيا مستمرة حتى اليوم، الى… الى… الى..
والقاسم المشترك بين هذه الحروب جميعاً، انها حروب كانت تستهدف إرادة الصمود والمقاومة والاستقلال والتنمية في الامة كلها عبر أحد أقطارها المؤهلين لحمل شعلة المشروع النهضوي العربي.
وتجمع بين هذه الحروب كلها أيضاً، انها كانت في الأصل حروباً استعمارية – صهيونية شارك فيها، بالسر والعلن، حكام عرب يرون في قادة آخرين أرادوا تغييبهم لأنهم كانوا رموزاّ للكرامة والعزة والاستقلال، ولعلّ أبرز الأمثلة نصيحة نوري السعيد، حاكم العراق، لأنطوني أيدن رئيس وزراء بريطانيا عام 1956، بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس بأنّ الفرصة قد حانت للتخلص من القائد العربي الكبير .
ومن أبرز الأمثلة أيضاً هو نصائح بعض الحكام العرب لواشنطن بالانقضاض على العراق عامي 1991 و 2003 ومشاركتهم في الحصار الجائر لمدة 13 عاماّ ضدّ شعب لم يخذل أشقاءه العرب يوماّ…
ومن أبرز الأمثلة أيضاً هو انخراط الحكام العرب لا سيما بعض الخليجيين منهم، في اشعال الحرب في سورية وعليها، ومدّ المسلحين بالسلاح والمال والآلة الإعلامية الضخمة وصولاً الى تعليق عضويتها، وهي العضو المؤسّس، في جامعة الدول العربية…
ومن أبزر الأمثلة هو ما شهده لبنان من أهوال خلال العقود الماضية، كان لبعض الحكام العرب ضلع فيها، سواء كان عسكرياّ أو أمنياً، أو اقتصادياً، أو طائفياّ ومذهبياً…
أما في فلسطين، فالمثال أكثر وضوحاً، حيث لم يكن بإمكان الاحتلال الصهيوني ان يتمادى كلّ هذا التمادي في الاستيطان والمجازر والحروب وتدنيس المقدسات وقتل البشر، وهدم الحجر، وحرق الشجر، لو لم يكن هناك “أياد رسمية عربية” تمتنع عن ردعه، وتشاركه في عدوانه، وصولاّ الى توقيع اتفاقات تطبيع معه مكافأة له على ما ارتكبه من جرائم…
ولعلّ ما شهدته ليبيا واليمن يؤكد هذا الارتباط بين الحروب الخارجية والمساندة الرسمية التي قلنا مراراً إنها القبة الفولاذية الحقيقية التي تحمي الكيان الصهيوني والمشروع الاستعماري.
إلا ان المشترك في كلّ هذه الحروب والاعتداءات، انها شكلت نقاط تحول استراتيجية في خرائط الصراع وموازين القوى في المنطقة والعالم..
فالمقاومة المصرية للعدوان الثلاثي المدعومة من أبناء الأمة العربية، لا سيّما في سورية، أنهت مرحلة الاستعمار القديم بإمبراطوريتيه البريطانية والفرنسية وفتحت الآفاق لحركة التحرر الوطني في الوطن العربي والقارات الأفريقية والأسيوية والأميركية اللاتينية، بل بات الاتحاد السوفياتي بعد حرب السويس قطباً عالمياً ثانياً مع الولايات المتحدة الأميركية.
والمقاومة العراقية الباسلة، عجلت باعتراف كثيرين، في أفول الإمبراطورية الأميركية وفي تفاقم أزماتها البنيوية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي نشهد كل يوم فصولاً من تداعياتها..
ومقاومة سورية للحرب وأهدافها ساهمت بشكل كبير في إعادة تشكيل النظام الإقليمي الجديد، كما النظام العالمي نفسه، بحيث انتقل العالم، من أحادية قطبية أميركية الى تعددية قطبية، كما انتقل النظام الإقليمي الجديد من نظام تابع الى نظام فيه قوى متمردة على الاملاءات الاستعمارية..
أما المقاومتان اللبنانية والفلسطينية، فقد شكلتا مع محور المقاومة الممتد عبر سورية الى إيران، مصدر تهديد خطير للكيان الصهيوني على المستويات كافة، وبات العدو عاجزاً عن العدوان سواء في لبنان (لا سيما في تموز 2006) او حتى في قطاع غزة الذي هزم بمقاومته العدو في حروب عدة شنها عليه.
والشارع العربي، رغم ما طرأ عليه من ارتباك وترهّل، بفعل الانقسام بين تياراته الرئيسية في ظلّ تباين المواقف والتقديرات من الأوضاع التي فجرتها تحركات ما سُمّي بالربيع العربي، غير منتبهة لـ “الأجندات المشبوهة” التي تسللت الى “المطالب المشروعة” للشعوب وعملت على تجويفها وحرفها عن مسارها الصحيح…
إنّ جردة الحساب هذه التي يمكن لكلّ من يرغب أن يستكملها بعوامل أخرى مؤيدة لها او مناقضة، باتت ضرورية اليوم لكي نرى نصفي الكأس معاً، فلا نغرق في التشاؤم بسبب ما نراه أمامنا من خيبات، ولا نفرط في التفاؤل في ضوء إنجازات مهمة ومحدّدة نراها هنا وهناك…
وليكن التاسع والعشرون من تشرين الأول/ أكتوبر، يوم الهجوم على الأمة كلها، من خلال مصر، يوماً للمراجعة الدائمة لحال الأمة نضع أصبعنا على السلبيات لنتخلص منها، وعلى الإيجابيات لنطوّرها، مدركين ان بقدر ما نقوم بهذه المراجعة، كأنظمة وأحزاب وفئات ومفكرين ومناضلين، وبعيداً عن أسلوب التشهير والتبرير الذي حكم الكثير من مواقفنا الفكرية والسياسية، بقدر ما نفتح لأمتنا طريقاً جديداً لتحقيق مشروعها النهضوي العربي الذي ما حمله قائد أو حزب أو فئة أو دولة إلآ وانصبّت نيران الحقد والعدوان عليهم.