نحمل اسماً واحداً ونقدّم للعالم قلوباً شتى!*
} صادق النابلسي
يمكن أن نكون َمسلمين ولسنا بمسلمين. ليس الاعتقاد ُوحدهُ هو العنصرُ الجوهري الذي يجب أن يأخذَ مكانَه في الفكرةِ التوحيدية. السلوكُ الذي يعكسُ أننا مسلمون لم يتقرّرْ بجلاء في مساراتِ حياتنا. نحن نحملُ اسماً واحداً وعنواناً واحداً لكننا لا نحمل الخيارات نفسها ولا نلتزم القرارات ذاتها عندما يقف شيطان العدوان في وجهنا.
أيّ أزمة نعيشُ، عندما يطلقون علينا اسماً واحداً ولكننا لا نقدّم للعالم إلا قلوباً شتى.
كيف لنا أن نتحرك، نواجه، نقطع دابر المستكبرين، المعتدين، المستهزئين برسول الله والاسم لا ينطبق على المسمّى.
سنكون ُكالثوب المتسخ الذي لن يقبل لوناً من الألوان، أو كقبور الموتى ظاهرها مزيّنة وباطنها نتنة.
ثم ما لم تحصل التخليةُ لن تحصلَ التحليةُ ولن تستعدَّ الأمة للفيوضاتِ الحضارية. لا نخترعُ شيئاً عظيماً إن أظهرنا حبنا وعاطفتنا لرسول الله. لن تكتب الدراسات وتنشر التحليلات من أجل ذلك! ولكن ستكتب الدراسات وتنشر التحليلات حين نقرن حبنا بالولاء العملي. لن تحصل متغيّرات كبرى إنْ رتَّل المسلمون القرآن وأقاموا الندوات والاحتفالات وتغنّوا بأصواتهم الجميلة وحافظتهم الدقيقة. ولكن ستكتب الدراساتُ وتعقد الاجتماعاتُ وتتخذ القراراتُ حين يعمل المسلمون بالقرآن في أبعاد حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
مشكلتنا أننا بذلنا جهداً كبيراً في التفاصيل والفروع ولم نولِ الاهتمامَ بالكلياتِ والتحديات. نظرنا إلى الآخروياتِ فانشغلنا بيوم حساب الظالمين في الآخرة ولم نعتنِ بيوم حساب الظالمين في الدنيا. جلسنا نتحدث بمباهاة عن قيَم ديننا وكتابنا ونبيّنا، ونسينا أن نعكس ذلك كلّه في أقوالنا وأفعالنا.
أحلنا هذا المشهد الرائع من المبادئ السامية التي جاء بها رسولنا إلى حالة بدائية تضطرنا إلى أن نستغيث للدفاع عن المظلومين في فلسطين وبورما ومناطق أخرى، ثم تدوسنا ثقافات الغرب المتحلل ونحن بلا أدوات ولا سلاح يضمن انتصار النص الإلهي والوحي الإلهي!
من يستطيع منا أن يجيب عن حجم التحديات التي تواجهنا في عالم الوسائط الاجتماعية والتطبيقات الذكية التي تعرضُ عبرها ملايينُ الأفكار والأفلام المخادعة والخليعة وشتى أنواع الرذائل والبذاءات ونحن كمسلمين لا نقوى على فعل شيء لأنها ليست من صنع علمائنا ولسنا قادرين على التحكم والسيطرة على ما ينشر ويبث عبرها.
كثيرة هي المسائل التي يمكن أن نستعرضها لتفصيل تلك الهشاشة التاريخية المقدّر لها أن تستمر إنْ لم نغيّر أفهامنا وسيرتنا.
لقد اكتشف أعداؤنا أننا لسنا مسلمين إلا بالاسم فأوغلوا في نهب ثرواتنا واحتلال أرضنا وتدنيس مقدساتنا. واكتشفوا أننا لسنا من حملة القرآن إلا ادّعاء فأفرغوا هويتنا وتاريخنا وتراثنا من توليد المعرفة ومن إنتاج قيم الخير العليا وتأسيس مشروعات العدالة والتعاون والسلام. فقد سُلبت منا الإرادة وتنازعنا في العرق واللون والجغرافيا. فبتنا نتنابز بالألقاب ونتمايز بالأعراق ونتواكل بالمسؤوليات حتى قسّمنا أنفسنا في قضية فلسطين إلى بلاد مواجهة وبلاد مساندة هروباً من الواجب!
ثم ها هي فلسطين في أسفل قضايا المسلمين. بقيت من دون حسم بسبب انحرافات النخبة المنحرفة والجماهير الهزيلة أو الساذجة التي عاشت على التعبوية الكاذبة سنين طويلة. أفلا يحق لبعض الصادقين والمقاومين المخلصين أمام كلّ هذه التراجعات والهزائم أن يشتعل رأسه شيباً.
أيها السادة: الاستهزاء بالرسول هو مقياس دقيق لنعرف موقعنا كمسلمين بين الحضارات والأمم. والتزامنا بالمقاومة، إمامية كانت، أم سلفية، أم زيدية هي المقياس في تحديد البوصلة. ونصرة الشعب الفلسطيني واليمني والسوري مقياس لوقوفنا إلى جانب الحق.
نحن تركنا رسولنا وحيداً عندما انقطعنا عن قرآنه وكلماته ولن نعود إليه ولن نسمّى باسم دينه ما لم نعد إلى ذاتنا ولن يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
*كلمة ألقيت في منتدى الوحدة الإسلامية الذي أقيم في مجمع السيدة الزهراء – صيدا