مقالات وآراء

«ملتقى حوار وعطاء بلا حدود» يطلق مسار إنتاج الآلية القانونية لاسترداد الأموال المنهوبة وضمان استقلالية هيئة التحقيق الخاصة

بالتزامن مع الإعلان عن فشل مهمة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان بسبب رفض الحاكم الإجابة على أسئلة الشركة المكلفة بالمهمة، حيث تأكد ما أُشيع حول اصطدام متوقع للعملية بعوائق تحول دون استكمالها، وتفخيخ العقد ببند يخضعه للقوانين المرعية الإجراء في لبنان، وتكبيد الخزينة مزيداً من الهدر، انعقدت الحلقة البحثية العلمية الافتراضية بعنوان: «استعادة الأموال المنهوبة ممرّ إلزامي لنجاح المبادرة الفرنسية وبنودها الإصلاحية»، كما كان مقرّراً، بإدارة البروفسور د. فضل ضاهر والسيدة أميرة سكّر. وشارك في الحلقة، إضافة إلى منسق الملتقى د. طلال حمود، كلّ من النائب ميشال ضاهر والخبراء القانونيين والماليين: د. إيلي يشوعي، د. علي زبيب المحامي ربيع الشاعر. واعتذر كل من نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، الدكتور غسان حاصباني، مكتفياً بمداخلة مكتوبة تضمّنت رؤيته لمراحل خطة العمل على المستوى التشريعي والقضائي. كذلك اعتذر الوزير السابق المحامي زياد بارود. تابع الحلقة عدد من الناشطين والمهتمّين بهذا الملف من لبنان ومن عدة دول في بلاد الاغتراب.

وقد نجحت مداخلات المشاركين في تسليط الضوء على مكامن الضعف القانونية في تشكيل هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، وعلى كشف الثغرات والقطب المخفية في النصوص القانونية المنبثقة عن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد والإرهاب وتبييض الأموال وغيرها من القوانين المتعلقة بالنقد والتسليف والإثراء غير المشروع والسرية المصرفية. وأسست بالتالي لإطلاق مسار إنتاج الآلية القانونية لاسترداد الأموال المنهوبة. وكذلك نجحت في تحقيق خطوة متقدمة باتجاه ضمان استقلالية هيئة التحقيق الخاصة وتأمين الانسجام في تشكيلها مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بما يتلاءم مع التوصيات الصادرة عن مجموعة العمل الماليGAFFI، وذلك من خلال التزام النائب ميشال ضاهر بتقديم اقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى إجراء التعديل اللازم على نص إنشاء الهيئة المذكورة. وقد جاءت خلاصة مداخلات المشاركين كما يلي:

سكر

 بداية، أشارت سكر إلى أن هذه الجلسة تأتي ضمن سلسلة من النشاطات المُكثّفة التي تقوم بها اللجنة المركزية للملتقى بهدف السعي إلى معالجة مختلف القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والمعيشية التي يعاني منها المجتمع اللبناني، في ظلّ التدهور المخيف في الأوضاع الاقتصادية وحالة الإرباك والإهمال والتخبّط السياسي الذي يعيشه لبنان مع هذه الطبقة الحاكمة التي يبدو أن لا نية جدية لديها للشروع في عملية الإصلاح ومكافحة الفساد.

وأملت سكر أن يؤسّس هذا اللقاء لخريطة طريق من أجل استرجاع الأموال المنهوبة والمُحوّلة.

حمود

من جهته، لفت مُنسق الملتقى د. طلال حمود إلى «أن هذا اللقاء يُمثّل إنجازاً كبيراً للملتقى الساعي منذ ٣ سنوات إلى تشكيل «لوبي وطني جامع وعابر للطوائف والمناطق» هدفه الأوّل البحث في كل أنواع الأزمات اللبنانية والسعي إلى مناقشة أسبابها وتداعياتها ووضع خطط ومقترحات عملية للحلول إذا أمكن. وذكّر بأنّ الملتقى باشر مقاربته لملفِّ الفساد منذُ حوالي السّنةِ، حيث نظّم عدّة ندواتٍ حولَ مكافحةِ الفسادِ في لبنان، وكانَ بصددِ إطلاقِ المبادرةِ الوطنية الشّعبيّةِ لمكافحةِ الفسادِ، الّتي أقرَت ورقَتَها الخلفِيَّةَ، وتنظيم مؤتمر وطني جامع حولَ ملفِّ الفساد: أسبابُه وطرقُ علاجِهِ والقوانين الّلبنانيّة الّتي تكافحُهُ وآليّات استردادِ الأموالِ المنهوبة.

وأضاف حمود: «إن لبنان شهد على مدى سنة كاملة، تحرّكات شعبية توحّدت فيها الساحات، وعبّرت عن أوجاع اللبنانيين. وكنا في الملتقى، من أوائل مُحذري هذه السلطة الفاسدة الجائرة والمُنافقة من تماديها في سياساتها المعتمدة على الاقتصاد الريعي واستجداء الهِبات عبر المؤتمرات. وقد أثبتت الوقائع وتسلسل الأحداث تجذّر الفساد وتماسكه في مفاصل الدولة العميقة. وكان الملتقى من أوائل الناشطين في مجال ضخ ثقافة الوعي حول سُبل مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، ممن تحكّموا بنا من زعماء ورجال أعمال وحيتان المال والمصارف، الذين تآمر معهم حاكم مصرف لبنان، عبر هندسات وسياسات مالية ونقدية ألحقت خسائر كبيرة بالاقتصاد اللبناني وبأموال المودعين في المصارف، التي ابتلعها « ثقب أسود» لا أحد يعرف مقدارها حتى اليوم».

وركّز حمّود على أهمية هذه الحلقة التي تتناول استرداد الأموالِ المنهوبةِ والمحوّلة بشكل غير قانوني، في غياب قانون «كابيتال كونترول»، وللبحث في آليات استردادها أو استرجاعها بحضور هذهِ النّخبةِ المتميّزةِ من الخبراءِ والقانونيّينَ والاقتصاديّينَ والماليّينَ والسّياسيّينَ والنّاشطينَ، «لن يدّعي أحدُنا خلالَهُ أو بعد انتهائه مباشرة، أنّهُ سيستطيعُ بسحرِ ساحرٍ أن يضعَ الخطّةَ المُحكَمةَ لاستعادةِ كلِّ تلكَ الأموالِ المنهوبةِ، الّتي تختلف تقديرِات قيمتِها بين الخبراء، وتتراوح بين ِ١٥٠ مليار دولار و٨٠٠ مليار دولارٍ، بحسب تقديراتِ وزارةِ الخزانةِ الأميركيةّ

وذكّر حمود «بالملفّاتِ الدّسمةِ التي تسببت بهدر المال العام وأدت إلى نهبه، ومنها ملف الكهرباءِ وأشغالِ الطّرقاتِ، والمجالس والصناديق وشركاتِ الخليويِّ، وجمعِ النّفاياتِ، والأملاكِ البحريّةِ، والتّهرّبِ الضّريبيِّ، والاستشفاءِ على نفقةِ الدّولةِ، والتي انعكست جميعها وتراكمت في الدّينِ العامّ وتسبّبت بالفوائدِ الضخمة الّتي جمعَتْها المصارفُ، وباستفحال العجز وانهيار المالية العامة».

وذكّر حمود بقول الشّاعر أبو القاسمِ الشّابي: «إذا الشّعبُ يوماً أرادَ الحياةَ فلا بُدَّ أنْ يَستجيب القدر»، وعبّر عن ثقته «بالانتصار في هذه المعركة رغم الصعاب».

 وختم بالتمنّي على المحاضرين «الإضاءة على التشريعات والقوانين اللبنانية النافذة في هذا المجال وعلى الآليات والأدوات الوطنية والدولية الممكنة لاستعادة الأموال المنهوبة، إضافة إلى توفير معطيات وبيانات إحصائية تكسر الحصار المفروض على هذا الملف وتشعّباته».

د. فضل ضاهر

وربط مدير الحلقة في كلمته بين «المآسي والأوضاع الكارثية التي لحقت بالسواد الأعظم من الشعب، والقفز فوق القوانين التي تمكن الجناة من تحويلها إلى ضمانات لإفلاتهم من العقاب على ما ارتكبوه من أفعال أو إهمال أو امتناع عن القيام بواجباتهم، فتسبّبوا بكوارث لا بد من مساءلتهم بشأنها». ولفت إلى «أن استعادة الأموال المنهوبة تشكل ممرّاً إلزامياً لتحقيق أهداف المبادرة الفرنسية، على النحو الذي تطمح لإسناده وتوثيقه حلقة النقاش العلمية هذه، تمهيداً لمعاقبة الفاسدين والمفسدين واستعادة هذه الأموال»، معتبراً أفعالهم «جرائم منظمة ضدّ الإنسانية قياساً على خطورة نتائجها الكارثية على الشعب الذي اختار ركوب قوارب الموت هرباً من الفقر والإذلال وامتهان كرامته وانتهاك حقوقه كإنسان، بصورة متعمّدة فاضحة وفاجرة». وأكد «أنّ آليات ومستلزمات استعادة الأموال المنهوبة متوفرة، على المستويين الداخلي والخارجي، وعلينا تحويل الأدلة المتوفرة إلى قضية رأي عام نحملها إلى أقاصي الدنيا لإنقاذ الوطن والشعب».

وفي إشارة إلى الآليات الدولية، ذكّر د. ضاهر بالاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي أقرّت في ٣١ / ١٠ / ٢٠٠٣ وانضمّ إليها لبنان خلال ٢٠٠٨. كذلك ذكّر باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وبما أوجبته من عدم جواز التذرّع بالسرية المصرفية في إطار التعاون الدولي، وبما أوجبته من تأطير لإجراءات التعاون الدولي لأغراض المصادرة، والتي تعززت لاحقاً بإجراءات التعاون الخاص بالمواد ٣٠ و٣١ من اتفاقية الفساد الدولية، وتجريم عرقلة سير العدالة أياً يكن المرتكب، وتفصيل لأساليب التحري الخاصة، التي يقتضي توفيرها لوحدة التقصي والإشراف المالي».

وأضاف «أنّ لبنان ترجم التزامه بأحكام هاتين الاتفاقيتين، تباعا بصدور القانون ٣١٨/٢٠٠١ وتعديلاته التي أضافت الفساد إلى الجرائم الأصلية المشمولة بالقانون، ثم بقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم ٤٤/٢٠١٥ الذي حدّد في مادته الأولى المفهوم القانوني الشامل لمصطلح الأموال غير المشروعة المتحصلة من ٢١ فعلاً مجرّماً تمّ تعدادها في هذه المادة ومن بينها استغلال المعلومات وإفشاء الأسرار وعرقلة حرية البيوع بالمزايدة والمضاربات غير المشروعة، والفساد والرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإثراء غير المشروع، والسرقة وإساءة الائتمان والاختلاس والاحتيال والإفلاس الاحتيالي، الابتزاز والتهرب الضريبي، نتيجة التزام لبنان بالاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، ولدت هيئة التحقيق الخاصة، غير أن تشكيلها جاء خلافاً لأحكام قانون النقد والتسليف، بحيث تقتضي أولويات أية خطة عمل لاسترجاع الأموال المنهوبة، تصحيح الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون ٤٤/٢٠١٥، استجابة لمستلزمات ضمان استقلالية الهيئة كي تحقق الغاية التي أُنشئت لأجلها، في ضوء المواد ذات العلاقة من اتفاقية باليرمو لعام 2000»

واعتبر د. ضاهر «أن ما يثيره سلوك هذه الهيئة من شكوك وغرابة يدفع إلى الشك بنزاهتها، الأمر الذي يرتب مسؤولية جسيمة على اللجان البرلمانية المختصة وعلى سائر الهيئات الرقابية المعنية وذات الصلة».

يشوعي

بعد عرض المعطيات والإحصاءات الرقمية المتوفرة لديه، أشار يشوعي إلى وجود «تكتّم حول الأرقام والبيانات والإحصاءات التي يصدرها المصرف المركزي، الأمر الذي يبعث على القلق والريبة والشك بإمكانية أن يكون هناك تلاعب كبير وإخفاء مُتعمّد لمعظم تلك البيانات، للتعتيم على الهدر والفساد الذي يطال كل القيّمين على هذا الملف».

 وأضاف أنه «بحسب التقرير السنوي لجمعية المصارف الصادر آخر ٢٠١٩ وبيانات البنك الدولي حول النظام المصرفي والمالية العامة في لبنان، فإنّ مجموع الودائع في المصارف اللبنانية بالدولار الأميركي هو ٩٣ مليار دولار، توزّعت استعمالاتها على الشكل التالي: ١٥ % احتياطي إلزامي، أي ١٤ مليار دولار، و٣١ مليار دولار ديون على القطاع الخاص بالدولار الأميركي، و١٤ مليار دولار ديون على القطاع العام بالدولار الأميركي «يورو بوند»، وأنّ مجموع هذه الاستعمالات هو ٥٩ مليار دولار. وبالتالي هناك ٣٣ مليار دولار من الودائع «مُتبخّرة» او «مجهولة المصير والوجهة». وتابع أنه بين تشرين الأول ٢٠١٩ وتشرين الأول ٢٠٢٠ سحب خارج المصارف ٨ مليارات دولار. فيكون مجموع الأموال المفقودة أو المُحوّلة هو ٣٨ مليار دولار، وأن الدين العام الإجمالي نهاية ٢٠١٩ بلغ حوالي ٩٥ مليار دولار: مُوزّعة بين عدّة دائنين منها ٣٥ مليار دولار ديون على القطاع الخاص تتوزع بين ٢١ مليار دولار إلى الخارج و١٤ مليار دولار للمصارف واليورو بوند، وأن التحقيق في الأموال الضائعة والمُحوّلة من المّمكن أن يسلك عدّة طرق منها القنوات القضائية اللبنانية، تطبيقاً مثلاً للاتفاق الدولي للأمم المتحدة من أجل مكافحة الفساد الموقع عليه لبنانياً في ٢٠٠٩ ، لكن الأمل ضعيف في تحقيق أي شيء في هذا المجال. ومن الممكن أيضاً التوجّه إلى الخارج وإلى كل دولة كبرى لديها «قانون عقوبات بالنسبة للجرائم الدولية» مثل الاتّجار بالمخدرات المهلوسة، أو تمويل الإرهاب أو تبييض الأموال أو التعدّي على حقوق الإنسان أو قوانين مكافحة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية وقوانين السطو على الخزائن المركزية للدول وعلى أموال مودعي تلك الدول. وعلى سبيل المثال فإن من المُمكن التواصل مع الحكومة الأميركية ووزارة الخزانة الأميركية، التي لديها هكذا إمكانيات لمعاقبة الناهبين للمال العام والخاص بهذه التهم، وكذلك للأمم المتحدة من خلال صلاحيتها بفرض عقوبات من دون اللجوء إلى القوة العسكرية. كذلك يمكن الاتجاه إلى معظم دول الاتحاد الأوروبي التي من الممكن أن تفرض أيضاً هكذا عقوبات».

وأكد يشوعي «أهمية التعديلات الأخيرة لقانون الإثراء غير المشروع ولمظاهر الثروة، غير أنّ كل ذلك غير كافٍ لأن المنظومة السياسية الموجودة في لبنان غير جادّة في محاولاتها محاربة الفساد والهدر ولاسترجاع الأموال المنهوبة».

زبيب

افتتح د. زبيب كلمته بالتأكيد على «أن الهدف الرئيسي ليس استبدال القضاء المحلي بالقضاء الدولي أو بالآليات الدولية، ‏وأوضح أنه يتم تهريب مبالغ كبيرة من لبنان إلى الخارج بهدف إيجاد ملاذ آمن لهذه الأموال». ‏وذكَّر بالوعود التي أطلقها رئيس الجمهورية قبيل بداية الأزمة حيث وعد اللبنانيين باستعادة جميع الأموال المنهوبة»، كما اقترح إجراء محكمة خاصة بالجرائم على المال العام واسترداد الأموال المنهوبة».

ثم أشار زبيب إلى وثائق «ويكيليكس» و»بناما ليكس» لكونها فضحت حسابات مسؤولين لبنانيين ورجال أعمال ومصرفيين وشركاء في مشاريع في الحكومات المتعاقبة لناحية وجود حسابات لديهم في المصارف في الخارج، ولكن لم يتحرك القضاء لمساءلة هؤلاء ولم يتم إجراء أي تعقب أو تحقيق تجاههم».

ثم انتقل زبيب إلى شرح الآليات والقوانين الدولية المتعلقة باستعادة الأموال المنهوبة، وأكد أنّ البداية «لا بد أن تكون من لبنان عبر هيئة التحقيق الخاصة، والتي لا تقوم بدورها بالشكل المطلوب». ثم استعرض الآليات بدءاً باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد  (UNCAC)والتي انضمّ إليها لبنان عام ٢٠٠٩، وتنصّ على إرجاع الموجودات والتصرف بها، وشرح خطواتها الثلاث الأساسية. من ثم انتقل إلى شرح مبادرة البنك الدولي المشتركة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة STAR – STolen Asset Recovery ، والتي تهدف إلى تعزيز الجهود الدولية لاستعادة الأموال المنهوبة وآلية تحصيلها. واستعرض عدداً من التجارب الناجحة للدول.

بعد ذلك عرض د. زبيب عملية المساومةPlea Bargaining ، التي تقوم على التفاوض مع المُختلس لإرجاع الأموال والخروج من الحياة السياسية مقابل ضمان عدم الملاحقة القضائية. وفي مقاربته لموضوع التدقيق الجنائي اتهم د. زبيب الدولة والمصرف المركزي والقضاء بالتقصير. وأطلق عليهم تسمية «الثالوث غير المقدس»، وأكّد أنه قام شخصياً بالتنبيه من خطورة المادة ١٥١ نقد وتسليف «كونها تعيق عملية التدقيق الجنائي المالي، ولكن لم يجد آذاناً صاغية».

وختم زبيب مؤكداً «أهمية حكم القانون، وتعديل قانون النقد والتسليف، وتطبيق القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد عبر قضاة مستقلين».

الشاعر

من نايته، ذكّر المحامي الشاعر بنصوص مواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتعلق بحق الفرد في الحياة والحرية والأمان على شخصه، وعدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوّبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة والحق في الضمان الاجتماعي، وبمستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، بما فيه المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية، وبالأمان من الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه».

وأشار إلى ما يتمتع به هذا الإعلان العالمي «من قوة توازي القواعد الدستورية، وإلى حقوق الأمومة والطفولة في الرعاية والمساعدة». وأسف لإشكاليتين «بمثابة عائقين في مواجهة استرداد الأموال المنهوبة، وكذلك إشكالية ملاحقة رؤساء الجمهورية أو مجلس النواب أو الحكومة، أو أي أو وزير يظهره التحقيق مرتكبا ًلجرم سرقة أموال عامة شريكاً، والتي للأسف تقتضي إجراء تعديل دستوري للمواد ٧٠ و ٧١و ٨٠ الدستور، المتعلقة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وتعديل المادتين ٣٩ و ٤٠ من الدستور، المتعلقتين بربط المساءلة بالجرم المشهود». واعتبر الشاعر «أن القضاء متخاذل في مواضيع استرداد الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين والإثراء غير المشروع». وأبدى ملاحظاته حول التعديلات المستجدة على قانون الإثراء غير المشروع. وتساءل «عما إذا كان هناك ما يعيق القضاء، من نيابات عامة تمييزية ومالية ومن قضاة تحقيق ومحاكم مختصة، من تطبيق المادة ١٢ من القانون ١٨٩ / ٢٠٢٠ والتي تنص على إمكانية تجميد حسابات الموظف العمومي بمفهومه الشامل ولمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة مماثلة، أو بوضع إشارات على القيود والسجلات العائدة لأموال منقولة أو غير منقولة لحين صدور حكم مبرم. وكذلك الأمر بالنسبة إلى إلزام المصارف بالإفراج عن أموال المودعين التي استولت عليها ومنعت التحويل منها إلى الخارج».

واعتبر أن كلّ تأخير في هذا المجال «هو تواطؤ مكشوف ومشبوه وتغطية لأكبر عملية احتيال على اللبنانيين»، لافتاً إلى «أن تعاميم مصرف لبنان، خاصة التعميم رقم ١٥٤/. ٢٠٢٠ تثير الريبة، لعدم قانونيتها وعدم دستوريتها، وأن تحويل الأموال إلى الخارج هو جرم جزائي ويجب إرغام المودعين على إعادة جزء من هذه التحويلات». وتساءل الشاعر «عما يمنع مصرف لبنان من تفعيل عمل لجنة التحقيق الخاصة وملاحقة أي شخص طبيعي أو معنوي بجرم تبييض الأموال في حال ثبت عليه هذا الجرم

وفي معرض الإجابة على سؤال يتعلق بإهمال هيئة التحقيق الخاصة لواجباتها بالنسبة إلى ما يتصل باستعادة الأموال المنهوبة، ومدى تطابق النتائج الكارثية التي ترتبت عن هذا الإهمال مع التوصيف القانوني للجرائم المنصوص عليها في المواد ذات العلاقة من قانون العقوبات، تساءل الشاعر عن «مدى استقلالية هيئة التحقيق الخاصة ودستوريتها، لا سيما بالنسبة لبعض أعضائها، وتعارض انتماءاتهم مع مبدأ فصل السلطات». وحول الملابسات التي رافقت التعاقد القسري مع شركة A and M حول التحقيق المالي الجنائي الفني وما إذا كانت تشكل عناصر وقائعيّة لمناورات احتيالية هادفة إلى تضليل الرأي العام الداخلي والخارجي، دعا الشاعر إلى عدم الاكتفاء بالتحقيق في عمليات مصرف لبنان، وإنما في عمليات الوزارات والمجالس والصناديق، لا سيما مؤسسة كهرباء لبنان

وذكّر بالقرار الصادر عن حكومة تصريف الأعمال المتعلق بتدابير آنية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه، والذي طلب بموجبه من وزير المالية إجراء تدقيق ضريبي يطال جميع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين أجروا عقودا أو التزامات مع الإدارة، هذا فضلاً عن الطلب من محاكم التمييز من الدول الفرنكوفونية مساعدة لبنان على استرداد أمواله المنهوبة». ودعا إلى «انتظار كيفية تطبيق الحكومة القادمة قوانين مكافحة الفساد أو تطويرها».

 وأخيراً تمنى الشاعر أن يسمع بقاض أو موظف يقف بشجاعة بوجه الفساد والصفقات المشبوهة وسرقة الأموال العامة، أو بضابط واحد أن يضبط مكالمة لسياسي يطلب منه فيها خرق القانون.

النائب ضاهر

بالنسبة إلى خطة العمل وعلى المستوى الاجرائي، أكد النائب ضاهر على «أهمية استقلالية السلطة القضائية وتطبيق القوانين النافذة حالياً»، لافتاً إلى «أنّ التذرّع بالحاجة إلى إقرار قانون خاص باستعادة الأموال المنهوبة، لا يجب أن يشكل حائلاً دون المباشرة في محاكمة الفاسدين». وأضاف أنه لا يرى حالياً «نيّة حقيقية لدى الدولة اللبنانية لاستعادة الأموال المنهوبة، ولن تكون لديها النيّة أصلاً في حال الاستمرار في السياسة المعتمدة حالياً، فالقوانين، بما فيها قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وقانون الإثراء غير المشروع وقانون العقوبات وقانون الإجازة للحكومة الانضمام إلى اتفاقية الأُمم المتحدة لمكافحة الفساد، النافذة حالياً، كافية بحدّ ذاتها وإلى حدّ كبير لمحاكمة الفاسدين واستعادة الأموال المسروقة والمنهوبة، وينبغي بالتالي تفعيل دور المحاكم اللبنانية وأجهزة الرقابة والتأكيد على استقلالية السلطة القضائية من خلال إقرار التشكيلات القضائية بأسرع وقت وإبعاد التجاذبات السياسية عنها».

وتساءل النائب ضاهر عما إذا كان قد تمّ يوماً اتخاذ أي إجراء جدي لاستعادة الأموال المنهوبة أو حتى توجيه مراسلة أو إصدار أي طلب رسمي للمساعدة القانونية لأية جهة في سويسرا، أو غيرها من البلدان، بخصوص استعادة الأموال المنهوبة».

وعن التطبيقات العملية في بعض الدول، رأى ضاهر «أنّ استعادة الأموال المنهوبة هي عملية شائكة ومعقدة وتستغرق سنوات عديدة في بعض الأحيان، ولكنّها غير مستحيلة، نذكر منها على سبيل المثال:

تجربة نيجيريا: تمّ استرداد حوالي ١.٢ مليار دولار من الأموال المنهوبة من قبل نظام الجنرال ساني أباتشان، استردادها من عدة بلدان (سويسرا، بلجيكا، المملكة المتحدة ولوكسمبورغ)

تجربة بيرو: تمّ استرداد حوالي ١٤٠ مليون دولار من الأموال المنهوبة من قبل الرئيس السابق للاستخبارات والمستشار الرئاسي فلاديميرو مونتيسينوس، وتمّ استردادها معظمها من سويسرا.

تجربة الفيليبين: تمّ استرداد حوالي ٦٨٣ مليون دولار من الأموال المنهوبة من قبل الدكتاتور السابق فرديناند ماركوس، وتمّ استردادها من سويسرا.

وعن الإجراءات الإضافية الواجب اتخاذها، عدّد ضاهر إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية وغيرها من القوانين الضرورية لاستعادة الأموال المنهوبة، والتوقيع على معاهدات واتفاقيات مع جهات ودول أجنبية من أجل تفعيل آلية الرقابة والمحاسبة وتكثيف الجهود في طلب المساعدة القانونية، وإنشاء صندوق وطني لإدارة الأموال المنهوبة المستردة. ودعا إلى إلغاء قانون السريّة المصرفية.

وفيما رأى ضاهر «أنّ الغاية الأساسية من إقرار قانون السرية المصرفية في العام ١٩٥٦ كان استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية إلى لبنان، وبصورة خاصة رساميل الدول العربية، وهذه الغاية انتفت حالياً، وباتت السرية المصرفية تشكّل عائقاً أمام مكافحة جرائم الفساد وتبييض الأموال واستعادة الأموال المنهوبة وتحول دون إمكانية معرفة مصدر الودائع الموجودة في المصارف، وإن أصبح يشكّل نوعاً من الحماية القانونية للمجرمين»، اعتبر «أن الحلّ يقتضي إلغاء هذا القانون». وأعلن أنه بتاريخ ٤ آذار ٢٠٢٠ «تقدّم باقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى الغاء السرية المصرفية

أما بالنسبة إلى قانون الإثراء غير المشروع، أشار ضاهر إلى «التعديلات الإيجابية التي تم إدخالها مؤخراً على قانون الإثراء غير المشروع وسهّلت إمكانية الملاحقة ووسّعت مفهوم الموظف العمومي، وأعفت الشاكي من تقديم كفالة (كانت ٢٥ مليون ل.ل. مع غرامة في حال رد الدعوى)، وألغت مرور الزمن على الجرم، فضلاً عن تعريف جرم الإثراء غير المشروع خارجاً عن مفهوم الإخلال بالواجبات وخاضعاً بالتالي لاختصاص القضاء العدلي، وبقيت مسألة ملاحقة النواب والوزراء موضوع مناقشة قانونية». وعبّر عن اعتقاده «بأنّ الحصانات المنصوص عليها في الدستور ليس من شأنها أن تحول دون إمكانية المحاسبة في حال اعتمدنا المنطق القانوني السليم، علماً أنّ الوقت الحالي ليس مناسباً لفتح المجال أمام تعديلات دستورية قد تكون في غير محلّها». وذكّر بأنّ المادتين ٣٩ و٤٠ من الدستور تتعلقان بحصانة النائب أثناء مدة ولايته عن الدعوى المتعلقة بالآراء والأفكار التي يبديها، مع عدم إمكانية اتخاذ أية إجراءات جزائية بحق النائب أو إلقاء القبض عليه عند اقترافه جرماً جزائياً أثناء دورة الانعقاد، إلا في حالة الجرم المشهود ، وأنّ المادة ٧٠ من الدستور تجيز لمجلس النواب اتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء في حال ارتكابهم الخيانة لعظمى أو الإخلال بالموجبات المترتبة عليهم، أي المتعلٌقة بالطبيعة السياسية لعمل الوزير، وأن محاكمتهم تجري أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، دون أن تحميهم من المساءلة عند ارتكابهم الجرائم العادية أو لمخالفتهم قانون الإثراء غير المشروع، بحيث يبقى القضاء العادي هو المختص».

وختم ضاهر بالقول: «حيث هناك إرادة يكون هناك طريق».

حاصباني

واعتبر حاصباني «أنّ أحد عوامل نجاح عملية استرداد الأموال المنهوبة هو استقلالية وتكوين هيئة التحقيق الخاصة وإخضاعها لمبدأ التمانع، أي بعدم ترأس أو عضوية من قد يكون هدفًا للتحقيق بما فيهم الموظفين والسياسيين الحاليين أو السابقين أو حتى قضاة ومدعين عامين. فالأجدى أن تضمّ خبراء في التدقيق والقانون على مستوى دولي ويتم اختيارهم بآلية شفافة وعلمية. وبحسب المعايير الدولية، لا يجوز أن يرأسها حاكم المصرف المركزي أو أن يكون فيها قضاة يمارسون عملهم خلال فترة عضويتهم».

 وأشار إلى «أنّ استعادة الأموال المنهوبة مسار طويل ومعقد يتطلب تكامل العمل بمنظومة قانونية واجرائية هرمية تبدأ بتطبيق كامل للقوانين والاجراءات الحالية المتاحة حجر الأساس فيها هو قانون العقوبات الذي يعاقب على جرائم الوظيفة، وبعده قانون الإثراء غير المشروع، حيث عبء إثبات شرعية زيادة الأموال على شاغل الموقع العام، كما قانون مكافحة الفساد الذي نص على إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولم تشكل حتى اليوم، وأكثرية أعضائها من المنتخبين، ما يعزز استقلاليتها، كما أن قانون رفع السرية المصرفية الذي أقر في مجلس النواب يخول الهيئة بأن ترفع السرية المصرفية عن الأشخاص المعارضين سياسياً، لكن إضافة إلى هذه المنظومة، ما زلنا بحاجة إلى إنشاء صندوق خاص لإدارة الأموال المنهوبة المستعادة لأن هذه الأموال عادة لا تعاد إلى خزينة الدولة الطالبة بل إلى صندوق مستقل يدار بشفافية. كما أنّ من الواجب تعديل النصوص وتوسيع صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة واستقلاليتها من خلال تقديم مشروع قانون لهذا الغرض

بارود

 ودعا بارود إلى «الخروج من التعابير المُستهلكة في موضوع استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة، واللجوء إلى كافة أشكال الضغط الفعلي والفعّال في التشريع والقضاء والإعلام والشارع على السواء». وأكد الحاجة «إلى قوانين جديدة لتدعيم وتطوير القوانين القائمة. ولكن بالانتظار علينا أن نفعّل هذه التشريعات والقنوات الإدارية والقضائية المتوفرة، والتي يعتبر الكثير من الخبراء أنها كافية».

 أما في موضوع التحويلات التي حصلت بعد ١٧ /١٠/ ٢٠١٩، تساءل: :لماذا العودة إلى ١ تموز ٢٠١٧ بمفعول رجعي (التعميم ١٥٤ الصادر عن حاكم مصرف لبنان) لاسترداد ١٥% و٣٠% بدل تطبيق القانون ٤٤/ ٢٠١٥ لاستعادة ١٠٠% من الأموال المشبوهة المُحوّلة؟ ولماذا لا يتمّ التركيز أيضاً على تحويلات ما بعد ١٧ ت١ ٢٠١٩»؟

 وعن رأيه بالقضاء اللبناني، اعتبر بارود أنه، مهما قيل فيه، «فإنه يبقى الضمانة الأساسية لوضع القطار على السكّة الطبيعية، وإنما بعد إطلاق يده وتحريره من قبضة السياسيين».

وخلص بارود إلى «أن التعاون الدولي مُمكن وثمّة خطوات تطبيقية وعملية في هذا البحث الذي يستدعي التشاور مع الأصدقاء في الخارج بشأن هذا الموضوع الحسّاس»، وأنه حالياً على تواصل مع أحد أهمّ المُحامين الدوليين في هذا المجال وسيكمل مشاوراته في الأيام المقبلة.

وفي ختام الورشة، شكر منسق الملتقى الدكتور طلال حمّود الجميع لمساهماتهم القيمة ومداخلاتهم على أن تتم متابعة التوصيات المنبثقة عن هذه الحلقة العلمية البحثية في لجنة المتابعة لاحقاً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى