الوطن

أسباب أميركيّة ـ سعوديّة
 تمنع تشكيلاًسريعاً لحكومة لبنان!

 د. وفيق إبراهيم

هذا لا يعني أن الرئيس المكلف سعد الحريري تلقى أمراً سعودياًأميركياً بوقف تشكيل حكومة جديدة للبنان من خلال القنوات الدبلوماسية.

لكنه يدفع الى التساؤل عن أمرين اثنين:

لماذا عاود الشيخ سعد الظهور فجأة وبقوة على المسرح الحكومي، معلناً ترشحه بعد سنة كاملة على احتجابه ورفضه تشكيل أي حكومة على الرغم من العروض المتواصلة التي كانت تصله من ثنائي أمل وحزب الله وجهات أخرى؟

وكيف يصطدم بعقبات جديدة في التأليف بعد ثلاثة أسابيع من تنسيق قوي مع الرئيس ميشال عون كانت الأمور خلالها شديدة التسهيل؟

وذلك على قاعدة توافقه المسبق مع الرئيس نبيه بري وحزب الله وجنبلاط وفرنجية والأرمن؟ بالإضافة الى ان حزبي القوات والكتائب هما رفضا المشاركة في أي حكومة؟

فلماذا يتعقد التشكيل الحكومي مجدداً؟

هناك قاعدة سياسية أساسية يلتزم بها السياسيون اللبنانيون وهي ترابط التشكيل بين القوى الخارجيّة شديدة التأثير على لبنان، وبين القوى السياسية الداخلية.

لم يسبق لأي معادلة حكومية تمردها على هذه المعادلة، لكنها لا تتم بشكل آلي على شاكلة اقتفاء «الخارج» لحركات التوزير والتحالف، فما يهمه هو حكومة تلتزم بالحدود القصوى لسياساته.

وفق هذا السياق، عاد الشيخ سعد الى ترؤس الحكومة بضوء أخضر فرنسي تشاور مع الأميركيين الذين ضبطوا الحركة السياسية السعودية.

فأين الجديد؟

يجب الانتباه الى أن الحركة الفرنسية مع الأميركيين كانت تنسق مع فريق الرئيس ترامب، بما يعني أن الفريق الفرنسي يصطدم في حركته اللبنانية بمسألتين: إمكانية نجاح بايدن منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وهي مسألة أصبحت أكيدة.

بما يعني أنه يجب على الفرنسيين عقد اتفاق جديد مع ادارة اميركية جديدة، قد تكون لها سياسات جديدة، وينسحب هذا الامر على السياسة السعودية في لبنان في مرحلة رئيس أميركي جديد هو بايدن الذي لا يغطيها بالدرجة التي يمارسها ترامب حتى الآن، فلربما تطلب الأمر من ولي العهد من سلمان ممارسة سياسة مختلفة لبلاده في لبنان.

هذا بالإضافة الى ان السياسة الفرنسية تعاني من تدهور في صورتها في العالم الإسلامي بعد تلك الانتقادات التي وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الإسلام.

لربما اعتقد البعض ان هذه التعقيدات تجري بحوارات كبرى بين الأطراف المعنية.

لكنها عملياً لا تحتاج الا الى قليل من الإيماءات حتى يتراجع الداخل اللبناني ويفرمل اندفاعاته.

هذا ما أصاب حركة الحريري الأخيرة.

فلم يصدق الخبراء انه عاد الى افتعال إشكالات تعرقل طبيعياً التأليف الحكومي بعد عشرة أيام من مشاورات وصلت الى حدود تسمية الوزراء بعد الاتفاق على التحاصص، الى ان تبين أن الحريري الذي ترك للشيعة أمر تسمية وزرائهم مانحاً جنبلاط وزيراً في حكومة من 18 وزيراً ووزيرين في حكومة من عشرين وما فوق مع حق التسمية، وكذلك فعل مع كتلة المردة فرنجية والطاشناق الأرمنية.

إلا انه عاد الى استثناء التيار الوطني الحر من هذه المعادلة، مصراً على تسمية بعض الوزراء المسيحيين، وهذا يؤدي الى رفض طبيعي من التيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية لأنه لا يمكن اعتماد معايير متباينة بين القوى السياسية في المعادلة الحكومية نفسها، خصوصاً اذا كانت ذات أحجام سياسية كبيرة وطنياً وداخل طوائفها.

وهذا ما لا يجهله الحريري أبداً بما يؤكد انه افتعله لخلق معوقات ترجئ التشكيل الى مراحل لاحقة تكون الصورة السياسية الأميركية السعودية أكثر وضوحاً وربما تكون الدولة الفرنسية في هذه الأثناء وجدت «مسرحية» ما لوقف التدهور الحاصل في صورتها في الأوساط الشعبية الإسلامية وبعض دولها.

فكيف يمكن لـ «السعد» ان يمضي في تشكيل حكومته المرتقبة وهو لا يعرف ماذا يريد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فهذا الأخير لن يكون مستقراً ومرتاحاً مع إدارة أميركية يترأسها بايدن ويقودها الحزب الديمقراطي الذي يواصل هجماته الحادة على سياسات بن سلمان وصولاً الى حدود إطلاق بعض أجنحته لاتهامات تؤكد فيها ان بن سلمان هو الذي اغتال المعارض السعودي جمال الخاشقجي في مدينة اسطمبول التركية ويحاول اغتيال الجبري القيادي السابق في المخابرات السعودية في منفاه الأميركي ولاحقاً الكندي. وهذا ما استدعى توجيه المحكمة الاتحادية العليا في الولايات المتحدة الاميركية اتهاماً إليه ودعته إليها للتحقيق معه في هذا الموضوع؟

هنا يعتقد السعد أن بإمكانه «بيع» مواقف لبن سلمان لا تثير غضب الأميركيين والفرنسيين، لكنها تؤمن استعادة وضعيته السابقة المتقدّمة عند الملك السعودي وولي عهده.

فهل هذا ممكن؟

إن التعددية المذهبية والطائفية في لبنان المرتبطة بالخارج السياسي تجعل السياسة اللبنانية ضعيفة جداً وتبيح الاستثمار فيها، من قبل الدول الخارجية المسيطرة فتتحين القيادات اللبنانية للالتحاق بها وتحسين الأوضاع على حساب لبنان وشعبه.

هذا يعني أن الفراغ الحكومي اللبناني مستمرّ حتى اتضاح آفاق السياسات الخارجية الدولية منها والإقليمية.

وما على اللبنانيين إلا اعتماد واحد من أمرين: الكثير من الدعاء للفرج أو تشكيل قوة شعبية تستطيع كسر التقليد السياسي التاريخي الذي يجعل لبنان أضحوكة الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى