عزيز علامة: هجرتُ الفوتبول بسبب شتيمة! أقنعتُ الرئيس شمعون بتجنيس زميلي الفلسطينيّ
} ابراهيم موسى وزنه
بطل في الركض للمسافات القصيرة، لاعب كرة قدم برز في أيّام العزّ الكروي اللبناني، خبير في الطيور والحمام على أنواعه، يهوى السباحة والركض، لعّيب «راكيت» على الشاطئ يحسب له ألف حساب، إلى جانب كونه مهندساً من جيل الأوائل… هو عبد العزيز علامة إبن ساحل المتن الجنوبي، اليكم تفاصيل حياته ومحطّات تألقه الرياضي وتحصيله العلمي.
اللعب… بعيداً عن أنظار «كاتب العدل»
في كنفِ والدٍ محبّ للعلم، وفي بيت محاط بأحراج الصنوبر وأراضٍ بور شاسعة، يقع على تماس مع العاصمة بيروت، هناك حيث مستديرة الطيونة أبصرعبد العزيز توفيق علامة النور في العام 1934. صفات كثيرة ميّزت ذلك «العزيز» عن أقرانه وأقاربه، فهو تعلّق بلعبة كرة القدم على الرغم من حرص والده توفيق مصطفى علامة (أول كاتب بالعدل في لبنان خلال حكم الأتراك) على توجيهه نحو جادة الدراسة والتألق العلمي، فلعبها خفية عن أنظاره، وكان كلما ضُبط بالجرم المشهود نال نصيبه من التأنيب. ولما كان عزيز سريع الانفعال و»مشكلجياً»، بحسب معاصريه، فقد شكّل لعائلته حرجاً وقلقاً زائدين، فالجميع يريده ناجحاً في ميادين العلم، فيما «علاماته» لم تدخل السرور يوماً الى قلب والده الذي كان يريده أن يتمّثل بابن عمّه الدكتور الراحل فخري علامة… وأمام هذا المد والجزر، جاء رد «العزيز» على منتقديه عبر تألقه الرياضي، في كرة القدم بداية، ثم في ألعاب القوى لاحقاً، وله في الملاعب صولات وجولات.
الدكتور فخري شدّني للكرة
لما كانت لعبة كرة القدم لغة مشتركة بين أبناء الشياح والضاحية بشكل عام، كان من الطبيعي أن يجد عزيز علامة نفسه مع فريق الحي الذي كان يقوده إبن عمّه الدكتور، وهنا يتذكّر «أبو توفيق»: «غالباً ما كان فخري يبعدني عن اللعب بسبب إسلوبي الخشن، ولطالما شكوته إلى والدي الذي كان يأمرني بالانصياع لأوامره لكونه الأكبر سنّاً والأدرى بمصلحتي». ويضيف: «لم أثبت نفسي مع فريق الحي لاعتبارات خاصة، أما مع فريق المدرسة في الليسيه الفرنسية فقد كنت أصغر اللاعبين وأبرزهم في الوقت نفسه… كان ذلك في العام 1945».
ومن الحي والمدرسة، واصل علامة مسيرته الكروية عند التحاقه بالجامعة وهو الذي لم يصدّق أحد نجاحه في البكالوريا، كما يقول ـ والابتسامة تملأ وجهه ـ وفي الجامعة الوطنية في عاليه اكتملت موهبته الكروية، فكان من أبرز اللاعبين اللبنانيين ضمن منتخبها المتخم باللاعبين الايرانيين والفلسطينيين والاردنيين والعراقيين والسوريين، إلى جانب إبن عاليه البار عادل باز، وما هي إلا سنوات معدودة حتى لمع إسم عزيز في ميدان كرة القدم (مدافعاً سريعاً وصلباً ومشاكساً)، لكن «كاتب العدل» كان له بالمرصاد، لأن عدله الأبوي يقضي بتشجيع إبنه علمياً لا رياضياً أو كروياً.
مباراة العمر… المفصليّة
في العام 1952، وخلال لقاء منتخب الجامعة الوطنية مع منتخب الجامعة الاميركية على ملعب الأخير، لم يتهيّب إبن الـ 18 سنة الموقف، يقول عن تلك المباراة: «كنت لأوّل مرة ألعب على ملعب أخضر كبير وأمام جمهور غفير، يومها لم يشركني المدرب أبو علي معضاد في الشوط الأول، لينتهي هذا الشوط بخسارتنا (0 ـ 6). وبعد كثرة الضغوط على معضاد أشركني في الشوط الثاني وقدّمت مباراة العمر حيث نجح فريقنا بمعادلة النتيجة (6 ـ 6) مع صافرة النهاية. وبعد تلك المباراة تلقّيتُ عروضاً من أندية عريقة كالراسينغ والنهضة».
للنهضة حكاية… بدأت بدرّاجة ناريّة
عن انضمامه لفريق النهضة الذائع الصيت في خمسينيات القرن الماضي، يروي عزيز علامة الحكاية: «طلب ابراهيم سعد (أحد مسؤولي نادي النهضة) من إبن عمّي فخري مساعدته في إقناعي للتوقيع على كشوفات الفريق الأشهر آنذاك، لكنه لم ينصحهم بذلك غير مصدّق بأنني قد أصبحت لاعباً يلفت الانظار، وفي سياق إغرائي أهداني سعد دراجة نارية، وبعد إصرار لافت من «النهضويين» وضع والدي شروطاً سارع الدكتور بتكفّل تنفيذها، وهي عدم تأثير انضمامي للنهضة على تحصيلي العلمي. وبالفعل وقّعت في العام 1952 ولعبت للمرة الأولى إلى جانب الدكتور فخري الذي يكبرني بست سنوات، ومن أوّل موسم لي مع الفريق البيروتي، أحرزت بطولة لبنان».
لكمت من أوصلني إلى النهضة!
في العام 1955، جمعت مباراة حاسمة بين فريقي النجمة والنهضة على ملعب الشبيبة المزرعة، يومها شارك عزيز علامة في المباراة وحصل ما حصل، يستذكر المشهد وكأنه حصل بالأمس: «قبل نهاية المباراة بدقائق وفيما كان التعادل السلبي سيد الموقف انفردت بالحارس المميّز سميح شاتيلا وضيّعت فرصة سهلة للتسجيل وبالتالي تحقيق الفوز، فسمعت من يشتمني من على المدرّج، عندها تركت الملعب وركضت باتجاه شاتمي ولكمته على وجهه، وللأسف كان من شتمني هو الذي أوصلني إلى النهضة (ابراهيم سعد)، ثم خرجت من الملعب مصمماً على عدم اللعب ثانية مع الأندية، وقد حاول نادي الراسينغ استغلال خلافي مع النهضة عارضاً عليّ الانضمام الى صفوفه، لكنني رفضت رفضاً قاطعاً غير آبه بالمغريات».
من منتخب الشباب
إلى «المضمار» بالصدفة
في العام 1956، دُعي عزيز علامة ابن الـ 22 عاماً للانخراط في صفوف منتخب لبنان للشباب الذي سيشارك في إحدى البطولات الكروية، وكان يضمّ نخبة من اللاعبين كالياس جورج ومارديك وليفون وساميك ومانويل وجوزيف أبو مراد، وأثناء استعداداته للاستحقاق الكروي على ملعب المدينة الرياضية جاء المدرب اليوناني المشرف على صقل أداء منتخب لبنان في ألعاب القوى ايفان باسايكس طالباً منه الانضمام إلى فريق ألعاب القوى، «وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما تغلّبت على عدد من أبطاله في سباقات السرعة، ثم جاءني المدرب عبد الودود رمضان متمنياً عليّ الاستعداد للمشاركة في بطولة العرب الثانية التي ستقام في بيروت أثناء افتتاح مدينة كميل شمعون الرياضية (1957)، ويومها لفتُ نظره إلى ضرورة إشراك زميلي في الجامعة الفلسطيني السريع جداً غازي كتمتو ضمن منتخب لبنان، لكن الجنسية حالت دون إكمال الحديث. ومن يومها ضاعفت اهتمامي بألعاب القوى، واجتهدت لتحسين أرقامي من خلال التمارين اليومية».
اللقاء مع الرئيس شمعون كان مثمراً
قبل استضافة لبنان للبطولة العربية الثانية في العام 1957، حاول علامة جاهداً إقناع المسؤولين بالعمل على تجنيس زميله كتمتو «لأجل لبنان وسمعته الرياضيّة»، لكن محاولاته باءت بالفشل، فالمسألة بحاجة إلى مرسوم جمهوريّ، وبعد كفاح وطول إلحاح نجح في كسب معركة تجنيس رفيقه كتمتو قبل انطلاق السباق بشهر واحد. وعن ذلك الإنجاز الشخصي، يقول:»بحكم صحبة والدي مع الرئيس كميل شمعون فاتحته بأمر تجنيس غازي كتمتو فنصحني بالتوجّه إلى قصر القنطاري لمفاتحة الرئيس بالأمر، وبالفعل قابلت الرئيس وأسهبتُ في الشرح وإمكانية فوز غازي كتمتو بميداليات ذهبية، وبعد اقتناعه بالفكرة أصدر مرسوماً جمهورياً منح بموجبه غازي كتمــتو الجنسية اللبنانية». ثم جاء حصاد التجنــيس في البطولة حيث حلّ لبنان في المركز الأول في ألعاب القوى (23 ميدالية ـ 7 ذهبية و11 فضية و5 برونزية) ويومها أحرز علامة ذهبيتين (وثب طويــل وسباق التتابع 100 ×4) وفضية الوثبة الثلاثية، كما أحرز كتمتو ذهبيتين (سباق 200 متر وسباق التتابع 100×4) وفضية (سباق 100 م).
إلى أميركا لتحصيل العلم
في أواخــر العــام 1957 سافر عزيز علامة مع رفيق دربه كتمــتو إلى أميركا، وهناك واصلا مسيرتهما العلمية والرياضية بنجاح، وأثناء انـــهماكهما في الدرس تقررت استضافة لبنان لبطولة ألعاب البحر المتوسط (1959)، فاتصل علامة بإداري الاتحاد اللبــناني لألعاب القوى عبد الودود رمضان عارضاً عليه المشاركة مع كتمتو في البطولة شرط التكفّل بتأمين بطاقات الســفر والإقامة، لكن طلبهما جوبه بالرفــض فبقيا في أميركا ناقمين على التســاهل الحاصل عند القيّمين على الرياضة اللبــنانية لتضييعهم فرصة إحراز ميداليات للبنان في البطولة. ولاحقاً، تخرّج عزيز مهندساً ميكانيكياً وعاد الى لبنان مع نهاية العام 1962.
استفزوه… فخسروا الرهان!
كثيرة هي الخبريات التي يحفظها علامة في ذاكرته، لكنه يذكر إحداها مفتخراً: «خلال بطولة لبنان بكرة القدم لموسم 1962/1963 ذهبت لمتابعة مباراة النجمة بمواجهة الراسينغ على ملعب برج حمود، وذلك بناء على إصرار الصديقين سامي الزين وأحـــمد فرحات، وبعد المباراة أقبل اللاعبون من الفريقين للاطمئنان إلى صحتي… متسائلين عن سر بدانتي، ويومها استفزني الزين بقوله «لم تعد قادراً على سباق أيّ منهم»، فأجبته متحدياً ـ سأغلبهم جميعاً ولكن بعد ثلاثة أسابيع ـ وبالفعل إنصرفت إلى خوض التمارين المكثّفة والجادة، حتى أنقصت وزني 10 كيلوغرامات. ويوم النزال «المشروط» على مضمار المدينة الرياضية، قهرتهم واحداً تلو الآخر، وكان من بينهم فضل السباعي وأحمد عبد الكريم «التكي» والأخوان منتوفي، ففزت بالرهان وحضر العشاء المدرب اليوناني ايفان باسياكس».
وكثيرة هي الأحداث العالقة في شريط ذكرياته، ويؤلمه اليوم أن التراجع بات السمة الملازمة للمستوى الكروي اللبناني وأن أرقام العدّائين ثابتة منذ زمن طويل، ويقول بفخر واعتزاز: «أسهمت نصائحي لفضل السباعي بتصدّره أبطال لبنان ولم يكسر أحد رقمه في المئة متر حتى يومنا هذا»، أما بالنسبة لحياته الرياضية اليوم، فهو يحرص على المشي ومداعبة كرة القدم عالخفيف غير آبه بعقوده الثمانية التي يحملها ولا يقرّ بثقلها، كما أنّه يتذكّر مبتسماً بعض متخرّجيه الكرويين كمحمد خير الدين من شباب الساحل وشوكت حوراني من الصفاء وحسن حلال وصابر فتال وعماد فتال من النجمة وغيرهم ممن برزوا مع الأندية اللبنانية، ليختم: «تركت الفوتبول لأنني لا أحب أن يشتمني أحد، وأحببت ألعاب القوى لأنها من دون احتكاكات».