ماكرون يدعو إلى تحديث مجلس الأمن وضمان أوروبا قويّة.. ويهاجم وزيرة الدفاع الألمانيّة.. ويستقبل بومبيو لكنه يتطلّع إلى بايدن!
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، إلى «تحديث الهيئات الدوليّة»، معتبراً أن «مجلس الأمن الدولي لم يعد ينتج حلولاً مفيدة اليوم».
وفي مقابلة طويلة أجراها معه موقع «لو غران كونتينان»، أشار ماكرون إلى أنه «يجب أخذ العلم بأن إطارات التعاون متعدّد الأطراف باتت اليوم ضعيفة، لأنها معرقلة».
وأضاف «أنا مضطر للتنويه بأن مجلس الأمن الدولي لم يعُد ينتج حلولاً مفيدة اليوم: نحن جميعاً نتحمّل مسؤولية مشتركة عندما يصبح البعض رهائن أزمات التعددية، مثل منظمة الصحة العالمية».
وباستثناء مؤتمر عبر الفيديو في نيسان، التزم مجلس الأمن الذي يضمّ كدول دائمة العضوية الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، الصمت حيال أزمة كوفيد-19، وهي أسوأ أزمة صحية شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
على خطّ موازٍ، اتّهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب منظمة الصحة العالمية بأنها قريبة جداً من الصين وبدأت إدارته الإجراءات لسحب الولايات المتحدة من المنظمة الأمميّة.
وأمام هذا الواقع، اعتبر ماكرون أن «المسار الصحيح في الوقت الحالي هو تعزيز وبناء أوروبا من الناحية السياسيّة لأنه إذا أردنا أن يتمّ خلق تعاون، يجب أن يتمكن أقطاب متوازنون من بناء هذا التعاون، حول تعددية جديدة، ما يعني (إقامة) حوار بين القوى المختلفة لاتخاذ القرارات معاً».
وأضاف «يجب أن ننجح في إعادة ابتكار أشكال مفيدة للتعاون وائتلافات للمشاريع وجهات فاعلة وعلينا أن ننجح في تحديث الهياكل وإعادة توازن هذه العلاقات».
ورأى ماكرون أن «ضمان أن تكون أوروبا قوية هو الاحتمال الوحيد لإعادة فرض قيمنا لتجنّب الاحتكار الثنائيّ الصينيّ الأميركيّ والانهيار وعودة القوى الإقليمية المعادية».
وأكد الرئيس الفرنسي أيضاً أنه «يعارض بشدة» مقالة كتبتها وزيرة الدفاع الألمانية آنيغريت كرامب – كارنباور ونشرها موقع «بوليتيكو يوروب» وجاء فيه أن «أوهام الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي يجب أن تنتهي: لن يتمكّن الأوروبيون من لعب دور أميركا الحاسم كمزوّد للأمن».
وقال الرئيس «أعتقد أنه تفسير خاطئ للتاريخ. لحسن الحظّ أن المستشارة (أنغيلا ميركل) ليست من هذا الرأي، إذا فهمت الأمور بشكل جيد».
ورأى أن «الولايات المتحدة لن تحترمنا كحلفاء لها إلا إذا كنّا جادين مع أنفسنا، وإذا كنا سياديين في دفاعنا الخاص».
وتابع «أعتقد إذاً أن تغيير الإدارة الأميركية هو فرصة لمواصلة بطريقة سلمية تماماً وهادئة، ما يجب أن يفهمه الحلفاء في ما بينهم: نحن بحاجة إلى مواصلة بناء استقلاليتنا لأنفسنا، كما تفعل الولايات المتحدة لنفسها، وكما تفعل الصين لنفسها».
ووجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه أمس، في موقف دقيق غير مسبوق إذ استقبل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في حين لم يعترف دونالد ترامب بعد بهزيمته، فيما باتت باريس تتطلع إلى العلاقة مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
والتقى ماكرون بومبيو قبيل الظهر في قصر الإليزيه بعيداً عن الإعلام، بعد لقاء مماثل مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وأشارت فرنسا إلى أنها «وافقت على استقبال بومبيو بطلب منه وفي شفافية كاملة مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن»، في وقت تدعو الحكومة الفرنسية إلى «إعادة بناء العلاقة عبر ضفتي الأطلسي بمناسبة تبديل الإدارة الأميركية».
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي «كان من الطبيعي ومن اللائق تجاه المؤسسات الأميركية، أن يتم استقباله» إذ تستمر ولاية ترامب حتى 20 كانون الثاني، من دون أن يورد المزيد من التفاصيل.
وكان ماكرون من أوائل قادة العالم الذين سارعوا إلى تهنئة الديموقراطي جو بايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسية، ثم تحدث معه عبر الهاتف، في وقت لم يقر الرئيس الجمهوري بهزيمته بعد أكثر من أسبوع على إعلان النتائج، كاتباً في تغريدة ليل الأحد الإثنين «فزت في الانتخابات!».
ورفض بومبيو نفسه، قبل انطلاق جولته على أوروبا والشرق الأوسط، وباريس أولى محطاتها، الاعتراف بفوز بايدن. وقال الأسبوع الماضي «سيكون هناك انتقال سلس نحو إدارة ثانية لترامب»، منتقداً القادة الأجانب الذين أجروا اتصالات مع بايدن.
وبالتالي، خيّمت أجواء غير معهودة خلال اللقاء على انفراد في القصر الرئاسي، في هذه الزيارة الأخيرة على الأرجح لبومبيو إلى باريس بصفته وزيراً للخارجية.
وبمعزل عن هذا الوضع الملتبس الذي يلقي بثقله على الدبلوماسية الأميركية، فإن المسائل الخلافية كثيرة بين البلدين.
وحذّر لودريان مسبقاً بأنه سيعارض أمام بومبيو تسريع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، وهو ما وعد ترامب بإنجازه قبل انتهاء ولايته في 20 كانون الثاني.
وجرى للمرة الأخيرة بحث الملف الإيراني الذي ساهم إلى جانب المناخ والتجارة في حصول قطيعة إلى حد ما بين واشنطن والقارة العجوز منذ أربع سنوات.
وسحب ترامب بلاده في 2018 من الاتفاق الدولي الذي أبرم قبل ثلاث سنوات من ذلك مع إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، معتبراً أنه غير كاف. وإثر ذلك، أعاد فرض عقوبات شدّدها لاحقاً على طهران. ويسعى الأوروبيون لإنقاذ هذا الاتفاق، أقله حتى انتقال السلطة إلى بايدن الذي وعد بالعودة إلى الدبلوماسية.
إلا أن إدارة ترامب أكدت عزمها على تشديد التدابير في حق إيران حتى النهاية، وهي استراتيجية يرى بعض المراقبين أنها تنمّ عن عزم على بناء «جدار من العقوبات» إلى حد يجعل من الصعب على الرئيس المقبل العودة إلى الخلف.
وقال مسؤول أميركي كبير للصحافيين «أياً كانت نتيجة هذه الانتخابات (الأميركية)، فإن هذه الإدارة موجودة حتى 20 كانون الثاني على أقل تقدير وحملة الضغوط القصوى (على إيران) لن تتوقف في الأشهر المقبلة».
وبعدما أمضى بومبيو عطلة نهاية الأسبوع في زيارة خاصة مع زوجته سوزان في باريس خلال هذه الرحلة الأشبه بجولة وداع، قام وزير الخارجية الأميركي صباح أمس، بتكريم ذكرى ضحايا الاعتداءات التي شهدتها فرنسا مؤخراً.
ووضع إكليلاً من الزهر عند نصب أقيم لضحايا الإرهاب في حدائق قصر الإنفاليد.
ومطلع بعد الظهر، غادر إلى تركيا حيث يلتقي بطريرك القسطنطينية للروم الأرثوذكس برثلماوس، من دون أن يجتمع بمسؤولين أتراك.
وندّدت الدبلوماسية التركية بإعلان بومبيو عزمه على تأكيد «الموقف الحازم» الأميركي بشأن حرية العقيدة الدينية خلال زيارته.
وسيواصل وزير الخارجية جولته في جورجيا والقدس قبل الانتقال إلى الخليج.